Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 111-111)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ } أي : في خبر يوسف وإخوته ، " عِبْرَةٌ " : موعظة " لأولِي الألبَابِ " . قرأ أبو عمرو في رواية عبد الوارث ، والكسائيُّ في رواية الأنطاكي : " قِصَصِهِمْ " بكسر القاف هو جمع قصَّة ، وبهذه القراءة رجَّح الزمخشري عود الضمر في " قَصصِهمْ " في القراءة المشهورة على الرسل وحدهم . وحكى غيره : أنه يجوز أن يعود على الرسل ، وعلى يوسف وإخوته جميعاً كما تقدم . قال أبو حيان : " ولا ينصره يعني هذه القراءة ـ ؛ إذ قصص يوسف ، وأبيه ، إخوته تشتمل على قصص كثيرة ، وأنباء مختلفة " . فصل الاعتبار : عبارة عن العبور من الطريق المعلومة إلى الطريق المجهولة ، والمراد منه : التأمُّل والتَّفكر ، ووجه الاعتبار بقصصهم أمور : أحدها : أنَّ الذي قدر على إعزاز يوسف عليه الصلاة والسلام ـ ، بعد إلقائه في الجبِّ وإعلائه بعد سجنه ، وتمليكه مصر بعد أن كانوا يظنون أنه عبد لهم وجمعه مع أبيه وإخوته على ما أحبَّ بعد المدة الطويلة ؛ لقادرٌ على إعزاز محمد صلى عليه وسلم ، وإعلاء كلمته . وثانيها : أن الإخبار عنه إخبارٌ عن الغيب ، وفكان معجزة دالَّة على صدق محمد صلوات الله وسلامه عليه ـ . وثالثها : أنه قال في أوَّل السورة : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ } [ يوسف : 3 ] ثم قال هنا : { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } وذلك تنبيه على أن حسن هذه القصَّة ، إنَّما هو لأجل حصول العبرة منها ، ومعرفة الحكمة والقدرة . فإن قيل : لم قال : { عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } مع أن قوم محمد صلى الله عليه وسلم كانوا ذوي عقول وأحلام ، وقد كان الكثير منهم لم يعتبرْ ؟ . فالجواب : أنَّ جميعهم كانوا متمكِّنين من الاعتبار ، والمراد من وصف هذه القصَّة بكونها عبرة كونها بحيث يعتبرها العاقل . قوله { مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ } في " كَانَ " ضمير عائدٌ على القرآن ، أي : ما كان القرآن المتضمن لهذه القصَّة الغريبة حديثاً مختلقاً . وقيل : بل هو عائدٌ على القصص ، أي : ما كان القصص المذكور في قوله : { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ } . وقال الزمخشري : " فإن قلت : فإلام يرجع الضمير في : { مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ } فيمن قرأ بالكسر ؟ قلت : إلى القرآن أي : ما كان القرآن حديثاً " . قال شهاب الدين : " لأنه لو عاد على " قِصَصِهم " بكسر القاف ؛ لوجب أن يكون " كَانَتْ " بالتاء " لإسناد الفعل حينئذ إلى ضمير مؤنث ، وإن كان مجازيًّا . قوله : { وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ } العامة عل نصب " تصديقَ " والثلاثة بعده ، على أنَّها منسوقة على خبر " كان " أي : ولكن كان تصديق . وقرأ حمران بن أعين ، وعيسى الكوفي ، وعيسى القفي : برفع " تَصْديقَ " وما بعده ، على أنَّها أخبار لمبتدأ مضمر ، أي : ولكن هو تصديق ، أي : الحديث ذو تصديق ، وقد سمع من العرب مثل هذا بالنصب والرفع ؛ قال ذو الرمَّة : [ الطويل ] @ 3158ـ ومَا كَانَ مالِي من ثُراثٍ وَرِثتهُ ولا دِيةً كَانتْ ولا كَسْبَ مَأثَم ولكِنْ عَطاءُ اللهِ من كُلِّ رحْلَةٍ إلى كُلِّ مَحْجُوبِ السُّرادقِ خِضْرمِ @@ وقال لوطُ بن عبيد الله : [ الطويل ] @ 3159ـ وإنِّي بَحمْدِ الله لا مَالَ مُسلمٍ أخَذْتُ ولا مُعطِي اليَمينِ مُخالفِ ولكنْ عَطاء اللهِ منْ كُلِّ فَاجرٍ قَصِيِّ المحَلِّ مُعْورٍ للمَقَارِفِ @@ يروى : " عَطاءَ الله " في البيتين منصوباً على : " ولكن كان عطاء الله " ومرفوعاً على : " ولكن هُو عطاءُ الله " . قال الفراء والزجاج : ونصب " تَصْديقَ " على تقدير : ولكن كان تصديق الذي بين يديه ، كقوله تعالى ـ : { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ } [ الأحزاب : 40 ] ثم قالا : ويجوز رفعه في قياس النحو على معنى : ولكن هو تصديق الذي بين يديه ؛ فكأنَّهما لم يطَّلعا على أنهما قراءة . فصل معنى الآية : أن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يصحُّ منه أن يفتري هذه القصَّة ، بحيث تكون مطابقة لها من غير تفاوت . وقيل : إن القرآن ليس بكذب في نفسه ؛ لأنَّه لا يصحُّ أن يفترى ، ثم أكَّد كونه غير مفترى بقوله : { وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } وهو إشارة إلى أنَّ هذه القصَّة وردت موافقة لما في التوراة ، وسائر الكتب الإلهيَّة ، ثم وصفه بأن فيه : { وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ } . قيل : كل شيء في واقعة يوسف مع أبيه ، وإخوته . وقيل : يعود على كلِّ القرآن ؛ كقوله تعالى ـ : { مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ } [ الأنعام : 38 ] . والأولى : أن يجعل هذا الوصف وصفاً لكلِّ القرآن ، ويكون المراد ما تضمَّنه من الحلال ، والحرام ، وسائر ما يتَّصل بالدِّين . قال الواحدي : وعلى هذين التفسيرين جميعاً ؛ فهو من العام الذي أريد به الخاصُّ ؛ كقوله تعالى ـ : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } [ الأعراف : 156 ] يريد : وسعت كل شيء أن يدخل فيها ، { وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ } [ النمل : 23 ] . ثمَّ وصفه بكونه هدى في الدنيا ، وسبباً لحصول الرحمة في القيامة ، { لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } خصَّهم الله بالذِّكر ؛ لأنَّهم الذين انتفعوا به ، كقوله تعالى { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 2 ] . وروى أبيُّ بن كعب رضي الله عنه ـ ، قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرَّف كرَّم وبجَّل وعظَّم : " عَلِّموا أرقَّاءكُمْ سُورَةَ يُوسُفَ عليه الصلاة والسلام ـ ، فإنَّهُ أيُّما مسلم تلاها ، وعلَّمَها أهْلهُ ومَا مَلكَتْ يَمِينهُ ، هَوَّنَ اللهُ عَليْهِ سَكرَاتِ المَوْتِ ، وأعْطَاهُ القُوَّة أن لا يَحْسُدَ مُسْلِمَا " " .