Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 76-77)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَبَدَأَ } يوسف : { بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ } لإزالة التُّهمة . قرأ العامة : " وعَاءِ " بكسر الواو . وقرأ الحسن بضمها ، وهي لغةٌ نقلت عن نافع أيضاً ، وقرأ سعيد بن جبير : " مِنْ إعَاءِ أخيهِ " بإبدال الواو همزة وهي لغة هذيليَّة ، يبدلون من الواو المكسورة ، أوَّل الكلمة همزة ، فيقولون : إشاح وإسادة ، وإعاء في " وِشَاح ، ووِسَادة ، ووِعَاء " وقد تقدَّم ذلك في الجلالة المعظمة أول الكتاب . والأوعية : جمع وِعَاء . هو كلُّ ما إذا وضع فيه أحاط به . قوله تعالى : { ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا } في الضمير المنصوب قولان : أحدهما : أنَّه عائد على الصّواع ؛ لأنَّ فيه التَّذكير ، والتَّأنيث ، كما تقدَّم . وقيل : لأنه حمل على معنى السقاية . قال أبو عبيدٍ : قولك : " الصُّواعُ " يؤنَّث من حيثُ هو سقاية ، ويذكَّر من حيث هو صواع . قالوا : وكأنَّ أبا عبيد لم يحفظ في الصواع التَّأنيث . وقال الزمخشريُّ : " قالوا رجع بالتَّأنيث على السِّقاية " ثم قال : " ولعلَّ يوسف كان يسمِّه سقاية ، وعبيدة صواعاً ، فقد وقع فيما يتَّصل به من الكلام سقاية ، وفيما يتَّصل بهم منه صواعاً " . وهذا الأخيرُ أحسنُ . والثاني : أنَّ الضمير عائد على السَّرقة . وفيه نظرٌ ؛ لأنَّ السرقة لا تستخرج إلا بمجاز . فصل قال قتادة : ذكر لنا أنه كان لا يفتح متاعاً ، ولا ينظرُ من وعاءٍ ألاَّ استغفر الله تعالى تائباً ممَّا قذفهم به ، حتى إذا لم يبق إلاَّ رحْلُ بنيامين قال : ما أظنُّ هذا أخذه ، فقال إخوتهُ : والله لا يتركُ حتَّى ينظر في رحله ، فإنه أطيبُ لنفسك ، ولأنفسنا ، فلما فتحوا متاعه استخرجوه منه ؛ فنكس إخوته رءوسهم من الحياء وقالوا : إنَّ هذه الواقعة عجيبةٌ ، إنَّ راحيل ولدت ولدين لصين ، وأقبلوا على بنيامين ، وقالوا : أيش الذي صنعت ، فضحتنا ، وسوَّدت وجُوهنا ، يا بني راحيل لا يزال لنا منكم بلاءٌ [ حتى أخذت هذا الصواع ، فقال بنيامين : بل بنو راحيل لا يزال لهم منكم بلاء ] ذهبتهم بأخي ، ثم أهلكتموه في البريَّة ، ثم تقولون لي هذا الكلام ، قالوا له : كيف خرج الصُّواعُ من رحلك ؟ فقال : وضع هذا الصواع في رحلي الذي وضع البضاعة في رحالكم ، قالوا : فأخذ بنيامين رقيقاً . قوله : { كَذٰلِكَ كِدْنَا } الكلام في : { كَذٰلِكَ كِدْنَا } [ 75 ] كالكلام فيما كان قبلها أي : مثل ذلك الكيد العظيم ، أي : كما فعلوا في الابتداء بيوسف من الكيد فعلنا بهم ، وقد مقال يعقوب ليوسف صلوات الله وسلامه عليه { فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً } [ يوسف : 5 ] ، فكدنا ليوسف في أمرهم . فالمراد من هذا الكيد : هو أنَّهُ تعالى ألقى في قلب إخوته : أن احكموا بأنَّ جزاء السَّارق هو أن يسترقَّ ، لا جرم لما ظهر الصُّواعُ في رحله ؛ حكموا عليه بالاسترقاق ؛ وصار ذلك سبباً لتمكُّنِ يوسف صلوات الله وسلام عليه من إمساكِ أخيه عند نفسه . واعلم أنَّ الكيد يشعر بالحِيلةِ ، والخَديعة ، وذلك في حق الله تعالى محال إلا أنَّه قد تقدم أصل معتبر في هذا الباب ، وهو أنَّ أمثال هذه الألفاظ في حق الله تعالى تحمل على نهايات الأغراض ، لا على بداياتها ، وتقرَّر ذلك عند قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى } [ البقرة : 26 ] فالكيدُ : السَّعي في الحيلة ، والخديعة ، ونهايته اشتغال الإنسان من حيث لا يشعر في أمرٍ مكروهٍ ، ولا سبيل له إلى دفعه ، فالكَيْدُ في حقِّ الله محمولٌ على هذا المعنى . وقيل : المرادُ بالكيد ههنا : أنَّ إخوة يوسف سعوا في إبطال أمره ، والله نصرهُ وقوَّاه ، وأعلى أمرهُ . قال القرطبي : قال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما ـ : " كِدْنَا " معناه : صنعنا . وقال القتبيُّ : دبَّرنا . وقال ابنُ الأنباري : أردنا ؛ قال الشاعر : [ الكامل ] @ 3126ـ كَادَتْ وكِدْتُ وتِلْكَ خَيرٌ إرَادَةٍ لَوْ عَادَ مِنْ عَهْدِ الصِّبَا ما قَدْ مَضَى @@ قوله : { مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ } تفسير للكيد ، وبيان له ، وذلك أنه كان في زمان ملك مصر أن يغرَّم السَّارق مثلي ما أخذ لا أنه يستعبد . فصل قال القرطبيُّ : " في الآية دليلٌ على جواز التَّوصل إلى الأغراض بالحيل إذا لم تخالف شريعة ، ولا هدمت أصلاً خلافاً لأبي حنيفة رضي الله عنه في تجويز الحيل وإن خالفت الأصول ، وخرمت التحليل ، وأجمعوا على أنَّ للرَّجُلِ التَّصرف في ماله قبل حُلولِ الحوْلِ بالبيع ، والهبةِ إذا لم ينوا الفرارَ من الزَّكاةِ ، وأجمعوا على أنَّه إذا حال الحولُ ، وأظلَّ السَّاعِي أنه لا يحلّ له التّحيل ، ولا النُّقصانُ ولا أن يفرق بين مجتمع ولا أن يجمع بين متفرق " . فصل قال ابنُ العربيّ : قال بعضُ الشَّافيعة : في قوله تعالى : { وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ } [ يوسف : 21 ] دليل على وجه الحيلة إلى المباح ، واستخراجِ الحقوق ، وهذا وهمٌ عظيم ، وقوله تعالى : { وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ } [ يوسف : 21 ] قيل فيه : لمَّا مكَّنا ليوسف ملك نفسه عن امرأة العزيز مكَّنَّا له ملك الأرض عند العزيز ، وهذا لا يشبهُ ما ذكروهُ . قال الشفعوي : ومثله قوله : { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ } [ ص : 44 ] هذا ليس حيلة ، إنما هو حمل [ اليمين ] على الألفاظ ، أو على المقاصد . قوله : { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } فيه وجهان : أحدهما : أنه استنثاءٌ منقطعٌ تقديره : ولكن بمشيئة الله أخذه في دينٍ غير دينِ الملكِ ، وهو دينُ آلِ يعقوب أنَّ الاسترقاق جزاءٌ للسَّارقِ . قال ابن عبَّاس رضي الله عنه ـ : " فِي دِين الملِكِ " أي في سلطانه . { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } أي : أنَّ يوسف لم يتمكن من حبس أخيه في حكم الملك لولا ما كدنا له بلطفنا ، حتى وجد السبيل إلى ذلك ، وهو ما جرى على [ ألسنة ] الإخوة أنَّ جزاء السارق الاسترقاق فحصل مراد يوسف بمشيئة الله . والثاني : أنَّه مفرغ من الأحوال العامَّة ، والتقدير : ما كان ليأخذه من كلِّ حالٍ إلا في حال التباسه بمشيئة الله عزَّ وجلَّ أي : إذنه في ذلك . وكلاُم ابن عطيَّة محتملٌ فإنه قال والاستثناء حكاية حال ، والتقدير : إلاَّ أن يشاء الله ما وقع من هذه الحيلة . قوله : { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ } تقدَّم القراءتان فيها في الأنعام [ الأنعام : 83 ] . وقرأ يعقوب بالياء من تحت " يَرْفعُ " ، و " يَشاءُ " والفاعل الله تعالى ـ . وقرأ عيسى البصري " نَرْفَعُ " بالنون " دَرجَاتٍ " منونة ، و " يَشَاءُ " بالياء . قال صاحبُ اللَّوامحُ : " وهذه قراءة مرغوبٌ عنها تلاوة ، وجملة ، وإن لم يمكن إنكارها " . قال شهابُ الدِّين رحمه الله ـ : " وتوجيهها : أنَّهُ التفت في قوله " يَشَاءُ " من التَّكلُّم إلى الغيبةِ ، والمراد واحدٌ " . قوله : { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } قرأ عبد الله بن مسعود : ( وفوق كل ذي عالم ) . وفيها ثلاثة أوجه : أحدها : أن يكون " عَالِم " هنا مصدراً ، قالوا : مثل الباطل فإنَّهُ مصدر فهي كالقراءة المشهورة . الثاني : أنَّ ثمَّ مضافاً محذوفاً ، تقديره : وفوق كل ذي مسمى عالمٍ ؛ كقوله : [ الطويل ] @ 3127ـ إلى الحَوْلِ ثمَّ اسْمُ السَّلامِ عَليْكُمَا @@ أي : مُسمَّى السَّلام . الثالث : أنَّ " ذو " زائدة ؛ كقوله الكميت : [ الطويل ] @ 3128ـ … ذَوِي آلِ النَّبيِّ … … @@ فصل قوله : { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ } بالعلم كما رفعنا درجة يوسف على إخوته والمعنى : أنه خصَّه بأنواع العلوم . وهذه الآية تدلُّ على أنَّ العلم أشرف المقامات ، وأعلى الدَّرجات لأنه تعالى لما هدى يوسف إلى هذه الحيلة مدحه لأجل ذلك فقال : { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ } . ثم قال : { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } قال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما ـ : { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ } عالم إلى أن ينتهي العلم إلى الله عز وجل فالله فوق كلِّ عالمٍ . والمعنى : أنَّ إخوة يوسف كانوا علماء فضلاء ، إلاَّ أنَّ يوسف كان زائداً عليهم في العلم . واحتجَّ المعتزلةُ بهذه الآيةِ على أنَّهُ تعالى عالم لذاته ؛ لأنَّه لو كان عالماً بالعلم ، لكان ذا علم ، ولو كان كذلك لحصل فوقه عليم تمسكاً بهذه الآية . قال ابن الخطيب : " وهذا باطلٌ ؛ لأن أصحابنا قالوا : دلَّت سائر الآيات على إثبات العلم للهِ تعالى وهو قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } [ لقمان : 34 ] { أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ } [ النساء : 166 ] ، { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ } [ البقرة : 255 ] ، { وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ } [ فاطر : 11 ] وإذا وقع التَّعارضُ ، فنحن نحملُ الآية التي تمسَّك بها الخصمُ على واقعة يوسف وإخوته ، غاية ما في الباب أنه يوجب تخصيص عموم إلا أنَّه لا بد من المصير إليه ؛ لأن العالم مشتقٌّ من العلم ، والمشتقُّ منه مفردٌ ، وحصول المركب بدون حصول المفرد محالٌ في بديهة العقلِ ، فكان التَّرجيحُ من جانبنا " . قوله : { فَقَدْ سَرَقَ } الجمهور على " سرقَ " مخففاً مبنيًّا للفاعل ، وقرأ أحمدُ بن جبير الأنطاكيُّ ، وابن شريحٍ عن الكسائيِّ ، والوليد بن حسان عن يعقوب في آخرين : " سُرِّقَ " مشدداً مبنيًّا للمفعول أي : نسب إلى السرقة ؛ لأنَّهُ ورد في التَّفسيرِ : أنَّ عمته ربته ، فأخذاهُ أبوه منها ؛ فشدت في وسطه منطقة كانوا يتوارثونها من إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه ففتشوا فوجدوها تحت ثيابه ، فقالت : هو لي ، فأخذته كما في شريعتهم ، ومن هنا تعلم يوسف وضع السِّقاية في رحل أخيه ، كما فعلت به عمَّتهُ ، وهذه القراءة منطبقةٌ على هذا . وقال سعيدُ بن جبيرٍ : كان لجدِّهِ أبي أمه صنمٌ يعبده ، فأخذه سراً ، وكسره وألقاهُ في الطَّريق . وقال مجاهدٌ : أخذ بيضةً من البيتِ فأعطاها سائلاً . وقيل : دجاجة وقال وهبٌ رحمه الله ـ : كان يُخبىءُ الطَّعام من المائدة للفقراء فقالوا للملك : إنَّ هذا ليْسَ بغَريبٍ منهُ ، فإنَّ أخاهُ الَّذي هلك كان أيضاً سارقاً ، أي إنَّا لسنا على طريقته ، ولا على سيرته ، وهو وأخوه مختصان بهذه الطَّريقةِ ؛ لأنهما من أم أخرى . قوله : " فأسرَّها " قال بعضهم : الضَّمير المنصوب مفسَّر لسياق الكلام ، أي : فأسرَّ الحزازة التي حصلت له من قولهم : { فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ } ؛ كقوله : [ الطويل ] @ 3129ـ أمَاوِيَّ ما يُغْنِي الثَّراءُ عَنِ الفَتَى إذَا حَشْرجَتْ يَوْماً وضَاقَ بِهَا الصَّدرُ @@ فالضمير في " حَشْرَجَتْ " يعود على النَّفسِ ، كذا ذكرهُ أبو حيَّان . وقد جعل بعضهم البيت ممَّا فُسِّر فيه الضمير بذكْرِ ما هُو كلُّ لصاحبِ الضَّمير ، فلا يكُونُ ممَّا فُسِّر فيه بالسِّياقِ . وقال الزمخشريُّ إضمارٌ على شريطةِ التَّفسيرِ ، يفسره " أنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً " وإنَّما أنَّث ؛ لأن قوله : " شَرٌّ مَكَاناً " جملة ، أو كلمة على تسميتهم الطَّائفة من الكلام كلمة ، كأنَّه قيل : فأسر الجملة ، أو الكلمة التي هي قوله : { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } قال : لأن قوله : { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } بدل من " أسَرَّها " . قال شهابُ الدِّين : وهذا عند من يبدل الظاهر من المضمر في غير المرفوع ؛ نحو ضَرَبتهُ زيداً ، والصحيح وقوعه ؛ كقوله : [ الرجز ] @ 3130ـ فَلاَ تَلُمْهُ أنْ يَخَافَ البَائِسَا @@ وقرأ عبد الله وابنُ أبِي عبلة : " فأسَرَّهُ " بالتَّذكيرِ قال الزمخشريُّ " يريد القول ، أو الكلام " . قال أبو البقاءِ : " الضمير يعودُ إلى نسبتهم إيَّاهُ إلى السَّرقةِ ، وقد دلَّ عليه الكلام " . وقيل : في الكلام تقديمٌ وتأخيرٌ ، وتقديره : قال في نفسه : { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } وأسرَّها أي هذه الكلمة . قال شهاب الدين : ومثل هذا ينبغي ألاَّ يقال ، فإنَّ القرآن ينزَّهُ عنه و " مَكَاناً " تمييز ، أي : منزلة من غيركم ، والمعنى : أنتم شرٌّ منزلاً عند الله ممن رميتموه بالسَّرقةِ في صنيعكم بيوسف ؛ لأنه لم يكن من يوسف سرقة حقيقة ، وخيانتكم حقيقة . وقد طعن الفارسيُّ رحمه الله على كلام الزمخشريِّ من وجهين : الأول : قال الإضمارُ على شريطة التفسير يكون على ضربين : أحدهما : أن يفسَّر بمفردٍ ، كقولنا : نِعْمَ رجُلاً زيدٌ ، ففي : " نعم " ضمير فاعلها و " رَجُلاًُ " تفسير لذلك الفاعل المضمر . والآخر : أن يفسر بجملة ، وأصلُ هذا يقع به الابتداء ، كقوله : { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ الأنبياء : 97 ] و { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ] والمعنى : القصَّة شاخصة أبصار الذين كفروا والأمر : الله أحد ، ثمَّ إنَّ العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر تدخل عليه أيضاً ، كقوله { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً } [ طه : 74 ] { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ } [ الحج : 46 ] . وإذا عرفت هذا فنقول : نفس المضمر على شريطة التَّفسير في كلا الجملتين متَّصلٌ بالجملة التي فيها الإضمار ، ولا يكون خارجاً عن تلك الجملة ، ولا مبايناً لها ، وههنا التفسير منفصل عن الجملة الَّتي حصل فيها الإضمار ؛ فوجب ألاَّ يحسن . والثاني : أنَّهُ تعالى قال : { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } وذلك يدل على أنه ذكر ذكر ذلك الكلام ، ولو قلنا : إنَّهُ صلوات الله وسلامه عليه أضمر هذا الكلام لكان قوله : { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } كذباً . قال ابن الخطيب : " وهذا الطَّعنُ ضعيفٌ من وجوه : الأول : لا يلزمُ من حسن القسمين الأولين قبح قسمٍ ثالثٍ . وأما الثاني : فلأنا نحملُ ذلك على أنه صلوات الله وسلامه عليه قال ذلك على سبيل الخفية ، وبهذا [ التقسيم ] سقط السُّؤالُ . والوجه الثاني : وهو أنَّ الضمير في قوله : " فأسَرَّهَا " عائدٌ إلى الإجابة ، كأنَّهم لما قالوا : { إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ } أسرَّ يوسف عليه السلام إجابتهم في نفسه في ذلك الوقت ، ولم يبدها لهم في تلك الحالة إلى وقتٍ ثانٍ ، ويجوز أن يكون إضماراً للمقالة ، والمعنى : أسرَّ يوسف مقالتهم ، والمراد من المقالةِ متعلق تلك المقالة ؛ كما يرادُ بالخلقِ المخلوقُ ، وبالعِلْمِ المَعْلُوم ، يعني : أسرَّ يوسف كيفية تلك السَّرقة ، و لم يبين لهم أنها كيف وقعت ، وأنه ليس فيها ما يوجب الطَّعن " . رُوِيَ عن ابن عبَّاس رضي الله عنه أنه قال : عُوقِبَ يوسف ثلاث مرَّاتِ : لأجْلِ همِّه بها ؛ فعُوقِبَ بالحَبْسِ ، وبقوله : { ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ } [ يوسف : 42 ] ؛ عوقب بالحبس الطَّويل ، وبقوله : " إنَّكُم لسَارقُونَ " ؛ عوقب بقوله : { فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ } . ثم قال : { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } ، أي : أنتم شرٌّ منزلة عند الله ، بما أقدمتم عليه من ظلم أخيكم ، وعقوق أبيكم ؛ فأخذتم أخاكم ، وطرحتموه في الجبِّ ، ثم قلت لأبيكم : " أكله الذِّئب " وأنتم كاذبون ، ثم بعتموه بعشرين درهماً ، ثمَّ بعد المدَّة الطويلة ، والزَّمان المديد ، ما زال الحقدُ والغضبُ عن قلوبكم ؛ فرميتموه بالسَّرقة ، { وَٱللَّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ } ، أي : إن سرقة يوسف كانت لله رضا ؛ فلا توجب عود الذمِّ ، واللَّوم إليه .