Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 38-39)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ } الآية اعلم أن القوم كانوا يذكرون أنواعاً من الشهبات في [ إبطال ] النبوة : فالشهبة الأولى : قولهم : { مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ } [ الفرقان : 7 ] وهذه الشبهة ذكرها الله في سورة أخرى . والشبهة الثانية : قولهم : الرسول الذي يرسله الله تعالى إلى الخلق لا بد أن يكون من جنس الملائكة كما قال : { لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ } [ الأنعام : 8 ] وقالوا : { لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلائِكَةِ } [ الحجر : 7 ] . الشهبة الثالثة : عابوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكثرة الزوجات ، وقالوا لو كان رسولاً من عند الله لما اشتغل بالنسوة بل كان معرضاً عنهن مشتغلاً بالنسك والزهد فأجاب الله عز وجل بقوله { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً } وهذا أيضاً يصلح أن يكون جواباً عن الشبهات المتقدمة فقد كان لسليمان صلوات الله وسلامه عليه ثلاثمائة امرأة ممهرة وسبعمائة سرية ، ولداود صلوات الله وسلامه عليه مائة امرأة . والشبهة الرابعة : قولهم : لو كان رسولاً من عند الله لكان أي شيء طلبناه منه من المعجزات أتى به ولم يتوقف ، فأجاب الله تعالى عنه بقوله { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } . الشبهة الخامسة : أنه صلوات الله وسلامه عليه كان يخوفهم بنزول العذاب [ وظهور النصرة له ولقومه ، فلما تأخر ذلك احتجوا بتأخره للطعن في نبوته وصدقه ، فأجاب الله تعالى عنه بقوله : { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } يعنى نزول العذاب على الكفار ] وظهور النصر والفتح للأولياء فقضى الله بحصولها في أوقات معينة ولكل حادث وقت معين و { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } فقيل : حضور ذلك الوقت لا يحدث ذلك الحادث ، وتأخر تلك المواعيد لا يدل على كونه كاذباً . الشبهة السادسة : قالوا : لو كان صادقاً في دعوى الرسالة لما نسخ الأحكام التي نص الله على ثبوتها في الشرائع المتقدمة ، كالتوراة والإنجيل ، لكنه نسخها وحرفها كما في القبلة ، ونسخ أكثر أحكام التوراة والإنجيل ، فوجب أن لا يكون نبياً حقاً . فأجاب الله تعالى عنه بقوله { يَمْحُو ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } ويمكن أيضاً أن يكون قوله : { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } كالمقدمة لتقرير هذا الجواب ، وذلك لأنا نشاهد أنه تعالى يخلق حيواناً عجيب الخلقة بديع الفطرة من قطرة من النطفة ، ثم يبقيه مدة مخصوصة ، ثم يميته ويفرق أجزاءه وأبعاضه ، فلما لم يمتنع أن يحيي أولاً ثم يميت ثانياً ، فكيف يمتنع أن يشرع الحكم في بعض الأوقات ؟ فكان المراد من قوله { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } ما ذكرنا . ثم إنه تعالى لما قرر تلك المقدمة قال { يَمْحُو ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } أي : أنه يوجد تارة ويعدم أخرى ، ويحيي تارة ويميت أخرى ، ويغني تارة ويفقر أخرى ، فكذلك لا يبعد أن يشرع الحكم تارة ثم ينسخه أخرى بحسب ما تقضيه المشيئة الإلهية عند أهل السنة ، أو بحسب رعاية المصالح عند المعتزلة . قوله { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } أي : لكل شيء وقت مقدر وقيل : لكل حادث وقت معين قضي الله حصوله فيه كالحياة والموت والغنى والفقر والسعادة والشقاوة ، ولا يتغير البتة عن ذلك الوقت . وقيل : هذا من المقلوب أي : فيه تقديم وتأخير ، أي : لكل كتاب أجل ينزل فيه ، أي : لكل كتاب وقت يعمل به ، فوقت العمل بالتوراة قد انقضى ، ووقت العمل بالقرآن قد أتى وحضر . وقيل : { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } عند الملائكة ، فللإنسان أحوال : أولها نطفة ثم علقة ثم مضغة يصير شاباً ثم يصير شيخاً ، وكذلك القول في جميع الأحوال من الإيمان والكفر والسعادة والشقاوة والحسن والقبح . وقيل : لكل وقت مشتمل على مصلحة خفية ومنفعة لا يعلمها إلا الله عز وجل فإذا جاء ذلك الوقت حدث الحادث ، ولا يجوز حدوثه في غيره . وهذه الآية صريحة من أن الكل بقضاء الله وقدره . قوله : { يَمْحُو ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم : " ويُثْبِتُ " مخففاً من " أثْبَتَ " والباقون بالتشديد والتضعيف ، والهمزة للتعدية ولا يصح أن يكون التضعيف للتكثير ، إذ من شرطه أن متعدياً قبل ذلك ، ومفعول " يُثْبِتُ " محذوف ، أي : ويثبت ما يشاء والمحو : ذهاب أثر الكتابة ، يقال : مَحَاهُ يَمْحُوهُ مَحْواً ، إذا أذهب أثره . قوله : " ويُثْبِتُ " قال النحويون : ويثبته إلا أنه استغنى بتعدية الفعل الأول عن تعدية الفعل الثاني ، وهو كقوله عز وجل { وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَافِـظَاتِ } [ الأحزاب : 35 ] . فصل قال سعيد بن جبير وقتادة " يمحو الله ما يشاء " من الشرائع والفرائض فينسخه ويبدله " ويُثْبِتُ " ما يشاء منها فلا ينسخه . وقال ابن عباس رضي الله عنه : { يَمْحُو ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } الرزق والأجل والسعادة والشقاوة . وعن ابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا : " يمحو السعادة والشقاوة ويمحو الرزق والأجل ويثبت ما يشاء " . وروي عن عمر رضي الله عنه ـ : أنه كان يطوف بالبيت وهو بيكي يقول : " اللهم إن كنت كتبتي في أهل السعادة فأثبتني فيها ، وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة فامحني منها بفضلك وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب " . ومثله عن ابن مسعود وفي بعض الآثار : أن الرجل قد يكون بقي له من عمره ثلاثون سنة ، فيقطع رحمه فيرد إلى ثلاثة أيام ، والرجل قد بقي له من عمره ثلاثة أيام فيصل رحمه فيرد إلى ثلاثين سنة . روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه سلم : " ينْزِلُ اللهُ سبحانه وتعالى في آخر ثلاث سَاعاتِ يبقين من اللَّيل فنظر في الساعة الأولى منهنَّ في أم الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت " . وقيل : الحفظة يكتبون جميع أعمال بني آدم وأقوالهم فيمحوا الله من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب ولا عقاب ، كقوله : أكلت . شربت . دخلت . خرجت ، ونحوها من الكلام هو صادق فيه ، ويثبت ما فيه ثواب وعقاب ، قاله الضحاك والكلبي ورواه أبو بكر الأصم لأن الله تعالى قال في وصف الكتاب { لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا } [ الكهف : 49 ] . وقال تعالى : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7ـ8 ] . فأجاب القاضي عنه : بأنه لا يغادر من الذنوب صغير ولا كبيرة ، ويمكن أن يجاب عن هذا : بأنكم خصصتم الكبيرة والصغيرة بالذنوب بمجرد اصطلاحكم ، وأما في أصل اللغة فالصغيرة والكبيرة تتناول كل فعل وعرضٍ ، لأنه إن كان حقيراً فهو صغير وإن كان غير ذلك فهو كبير ، وعلى هذا يتناول المباحات . وقال عطية عن ابن عباس رضي الله عنهما ـ : " هو الرجل يعمل بطاعة الله ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلاله ، فهو الذي يمحو والذي يثبت هو الرجل يعمل بطاعة الله فيموت في طاعته فهو الذي يثبت " . وقال الحسن : { يَمْحُو ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ } أي : من جاء أجله يذهب به ويثبت من لم يجىء أجله إلى أجله . وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه : يمحو الله ما يشاء : من ذنوب العباد ويغفرها وثبت ما يشاء فلا يغفرها . وقال عكرمة : ما يشاء من الذنوب بالتوبة ، ويثبت بدل الذنوب حسنات ، كما قال الله تعالى { فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } [ الفرقان : 70 ] وقيل غير ذلك . قوله { وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } أي : أصل الكتاب وهو اللوح المحفوظ الذي لا يبدل ولا يغير ، والأم : أصل الشيء ، والعرب تسمي كل ما يجري مجرى الأصل للشيء أمَّا له ، ومنه أم الرأس للدماغ ، وأم القرى لمكة ، وكد مدينة فهي أمّ لما حولها من القرى . قال ابن عباس في رواية عكرمة : هما كتابان : كتاب سمي أم الكتاب يمحو ما يشاء منه ويثبت وأم الكتاب لا يغير منه شيء ، وعلى هذا فالكتاب الذي يمحو منه ويثبت هو الكتاب الذي تكتبه الملائكة على الخلق . وعن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهم قال : إن لله لوحاً محفوظاً مسيرة خمسمائة عام من درة بيضاء له دفتان من ياقوت ، لله فيه كل يوم ثلاثمائة وستون لحظة يمحوا ما يشاء ويثبت { وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } [ وسأل ابن عباس كعباً عن أم الكتاب ] فقال : " علم الله ما خلقه ما هو خالقه إلى يوم القيامة " .