Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 1-3)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ } يجوز أن يرتفع " كِتابٌ " على أنَّه خبر لـ " الر " : إن قلنا : إنَّها مبتدأ ، والجملة بعده صفة ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر ، أي : هذا ، وأن يرتفع بالابتداء وخبره الجملة بعده ، وجاز الابتداء بالنكرة ؛ لأنَّها موصوفة تقديراً ، تقديره : كتاب ، أي : كتاب يعني عظيماً من بين الكتب السماوية . قالت المعتزلة : النَّازلُ ، والمنزلُ لا يكون قديماً . والجواب : أنَّ الموصوف بالمنزل هو هذه الحروف وهي محدثةٌ . قوله : { لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ } متعلق بـ " أنْزَلناهُ " . وقرىء ( ليَخْرُجَ الناس ) بفتح الياءِ وضمِّ الراء ، من خَرَجَ يَخْرُجُ . " النَّاسُ " رفعاً على الفاعليَّة . قالت المعتزلة : اللاَّم في " لِتُخْرِجَ " لام الغرض والحكمة ، تدلُّ على أنه تعالى إنما أنزل هذا الكتاب لهذا الغرض ، فدل على أنَّ أقوال الله تعالى وأفعاله معللة برعاية المصالح . وأجيب : بأن من فعل فعلاً لأجل شيءٍ أخر ، فهذا إنَّما يفعله إذا كان عاجزاً عن تحصيل ذلك المقصود إلاَّ بهذه الواسطة ، وذلك محالٌ في حقِّ الله تعالى ـ ، وإذا ثبت بالدَّليل منع تعليل أفعال الله تعالى وأحكامه بالعلل ؛ ثبت أنَّ كل ظاهر أشعر به فهو مؤول على معنى آخر . فصل قوله تعالى : { مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } أي : لتدعوهم من ظلمات [ الضَّلال ] إلى نُورِ الإيمان . قال القاضي رحمه الله ـ : هذه الآية تبطل القول بالجبر من جهات : أحدها : أنَّه تعالى لو خلق الكفر في الكافر ، فكيف يصحُّ إخراجه منه بالكتاب . وثانيها : أنَّه تعالى أضاف الإخراج من الظُّلمات إلى النور إلى الرَّسُول عليه الصلاة والسلام فإن كان خالق الكفر هو الله تعالى فكيف يصحُّ من الرسول صلوات الله وسلامه عليه إخراجهم منه ، وكان للكافر أن يقول : إنَّك تقول : إن الله خلق الكفر فينا فكيف يصحُّ منك أن تخرجنا ؟ . فإن قال لهم : أنا أخرجكم من الظُّلماتِ التي هي كفر مستقبل لا واقع فلهم أن يقولوا : إنه كان الله سيخلقه فينا لم يصح ذلك الإخراج ، وإن لم يخلقه الله فنحن خارجون منه بلا إخراج . وثالثها : أنه صلواتُ الله وسلامه عليه إنَّما يخرجهم من الكفر بالكتاب بأن يتلوه عليه ليتدبروهن ؛ ولينظروا فيه فيعلموا بالنَّظر ، والاستدلال كونه تعالى عالماً قادراً حكيماً ، ويعلموا بكون القرآن معجزة صدق الرسول صلوات الله وسلامه عليه فحينئذ يقبلوا منه كلَّ ما جاءهم من الشَّرائع ، وذلك إنَّما يكون إذا كان الفعل ويقع باختيارهم ، ويصحُّ منهم أن يقدموا عليه ويتصرَّفوا فيه . والجواب عن الكل : أن يقال : الفعل الصادر من العبد . إمَّا أن يصدر عنه حال استواء الدَّاعي إلى الفعل والترك . أو حال رجحان أحد الطرفين على الآخر . والأول باطل ؛ لأنَّ صدور الفعل يقتضي رجحان جانب الوجودِ على جانب العدم وحصول الرُّجحان حال حصول الاستواء محال ، والثاني عين قولنا ؛ لأنَّه يمتنع صدور الفعل عنه إلاَّ بعد حصول الرجحان ، فإن كان ذلك الرجحان منه عاد السؤال ، وإن لم يكن منه بل من الله ، فحينئذ يكون المؤثر الأول هو الله تعالى وهو المطلوب . قوله : { بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } يجوز أن يتعلق بالإخراج ، أي : بتيسيره وتسهيله ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنَّه حالٌ من فاعل : " يُخْرِجُ " أي : مأذوناً لك . وهذا يدلُّ على أنَّ فعل العبد مخلوق لله تعالى ، فإنَّ قوله : { بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } معناه : أنَّ الرسول صلوات الله وسلامه عليه لا يمكنه إخراج النَّاس من الظلمات إلى النُّور إلا بإذن الله تعالى . والمراد بهذا الإذن : إما الأمر وإما العلم وإما المشيئة والخلق ، وحمل الإذن على الأمر محالٌ ، لأنَّ الإخراج من الجهلِ إلى العلم لا يتوقف على الأمر فإنَّهُ سواء حصل الأمر أم لم يحصل ، فإنَّ الجهل متميزٌ على العلم ، والباطل متميزٌ عن الحقّ . وأيضاً : حمل الإذن على العلم محال ؛ لأنَّ العلم يتبع المعلوم على ما هو عليه فالعلمُ بالخروج من الظُّلماتِ إلى النُّور تابع لذلك الخروج ، ولا يمتنع أن يقال : إن حصول ذلك الخروج تابع للعلم بحصول ذلك الخروج ، ولما بطل هذان القسمان لم يبق إلا أن المراد من الإذن : المشيئة ، والتخليق ، وذلك يدلُّ على أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه لا يمكنه إخراج النَّاس من الظللماتِ إلى النُّور إلاَّ بمشيئة الله تعالى . فإن قيل : لِمَ لا يجوز أن يكون المراد من الإذن الإلطاف ؟ . فالجواب : لفظ الإذن مجمل ، ونحن نفصل القول فيه . فنقول : المراد بالإذن إمَّا أن يكون أمراً يقتضي رجحان جانب الوجود على جانب العدم ، أو لا يقتضي ذلك ، فإنَّ كان الثاني لم يكن له فيه أثر ألبتة ، وامتنع أن يقال : إنه إنَّما حصل بسببه ، ولأجله فبقي الأول ، وهو أنَّ المراد من الإذن معنى يقتضي رجحان ترجيح جانب الوجود على جانب العدم ، ومتى حصل الرجحان فيه حصل الوجود ولا معنى لذلك إلا الداعية الموجبة وهو قولنا . فصل دلّت الآية على أنَّ طرق الكفر ، والضلالات كثيرة ، وأنَّ طريق الحقّ ليس إلاَّ واحداً ؛ لأنَّ الله تعالى عبر عن الجهلِ ، والكفر بالظلمات ، وهي صيغة جمع ، وعبَّر عن الإيمان والهداية بالنُّور وهو لفظ مفردٌ . قوله : { إِلَىٰ صِرَاطِ } فيه وجهان : أحدهما : أنه بدلٌ من قوله " إلى النُّورِ " بإعادة العامل ، ولا يضر الفصل بالجارّ ؛ لأنه من معمولات العامل في المبدل منه . والثاني : أنه متعلق بمحذوف على أنَّه جواب سؤال مقدَّر ، كأنه قيل : إلى أيِّ نورٍ ؟ فقيل : " إلى صِرَاطِ " ، والمراد بالصِّراط : الدّين والعزيز هو الغالب و " الحَمِيدِ " المستحق للحمد . وقدم ذكر العزيز على ذلك الحميدِ ؛ لأنَّ أول العلم بالله العلم بكونه تعالى قادراً ، ثمَّ بعد ذلك يعلم كونه عالماً ، ثمَّ بعد ذلك يعلم كونه غنيًّا عن جميع الحاجات والعزيز هو القادر ، والحميدُ هو العالم الغنيّ ؛ فلذلك قدّم ذكر " العَزيز " على ذكر " الحَمِيد " . قوله : { ٱللَّهِ ٱلَّذِي } قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر برفع الجلالة والباقون بالجر ورواها الأصمعي ، وكان يعقوب إذا وصل خفض . وأما الرفع فعلى وجهين : أحدهما : أنه مبتدأ خبره الموصول بعده ، أو محذوف ، تقديره : الله الذي له ما في السموات ، وما في الأرض العزيز الحميد ، حذف لدلالة ما تقدَّم . والثاني : أنَّه خبر لمبتدأ مضمر ، أي : هو الله ، وذلك على المدح ، وأمَّا الجرّ فعلى البدلِ عند أبي البقاءِ ، والحوفي ، وابن عطيَّة والبيان عند الزمخشري قال : " لأنه جرى مجرى الأسماء لغلبته على المعبود بحقّ ، كالنَّجم للثُّريَّا " . قال أبو حيان : " وهذا التعليل لا يتمُّ إلاَّ أن يكون أصله " الإله " ثم فعل فيه ما تقدم أول الكتاب " . وقال ابن عصفور : " لا تقدّم صفة على موصوف إلاَّ حيث سمع " وهو قليل ، وللعرب فيه وجهان : أحدهما : أن تتقدم الصفة بحالها ، وفيه إعرابان للنحويين : أحدهما : أن يعرب صفة متقدمة . والثاني : أن يجعل الموصوف بدلاً من صفته . والثاني من الأولين أن تضيف الصفة إلى الموصوف ، فعلى هذا يجوز أن يعرب " العَزيزِ الحَميدِ " صفة متقدمة . ومن مجيء تقديم الصفة قوله : [ البسيط ] @ 3189ـ والمُؤمِنِ العَائذَاتِ الطَّيْر يَمْسحُهَا رُكْبَانُ مكَّة بَيْنَ الفيْلِ والسَّعَدِ @@ وقل الآخر : [ الرجز ] @ 3190ـ وبِالطَّوِيلِ العُمْرِ عُمْراً حَيْدَرا @@ يريد : الطير العائذات ، وبالعمر الطويل . قال شهابُ الدِّين رحمه الله ـ : " وهذا فيما لم يكن الموصوف نكرة ، أمَّا إذا كان نكرة فتنصب تلك الصفة على الحال " . قال ابن الخطيب : " اللهُ " اسم علم لذاته المخصوصة وإذا كان كذلك ، فإذا أردنا أن نذكر الصفات ذكرنا أولاً قولنا : " اللهُ " ، ثم وصفناه كقوله : { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } [ الحشر : 22 ] الملك القدُّوسُ ، ولا يمكننا أن نعكس الأمر فنقول : هو الرحمن الرحيم الله ، فعلمنا أنَّ " اللهَ " اسم علم للذَّات المخصوصة ، وسائر الألفاظ دالة على الصِّفات . وإذا ظهرت هذه المقدمة فالترتيب الحسن : أن يذكر الاسم ثم يذكر عقيبه الصفات ، كقوله : { هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ } [ الحشر : 24 ] فأمَّا أن تعكس فتقول : هو الخالق المصور البارىء الله ؛ فذلك غير جائز ، وإذا ثبت هذا فنقول : الذين قرؤوا برفع الجلالة على أنَّه مبتدأ ، وما بعده خبر هو الصحيح ، والذين قرءوا بالجرِّ إتباعاً لقوله : { ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } مشكل لما بيَّنا من أنَّ الترتيب الحسن أن يقال : الله الخالق ، وعند هذا اختلفوا في الجواب : فقال أبو عمرو بن العلاء : القراءةُ بالخفض على التَّقديم ، والتَّأخير ، والتقدير : صراط الله العزيز الحميدِ الذي له ما في السموات [ والأرض ] . وقيل : لا يبعد أن تذكر الصفة أولاً ثمَّ يذكر الاسم ، ثم تذكر الصِّفة مرة أخرى كما يقال : الإمام الأجلّ محمد الفقيه ، وهو بعينه نظير قوله : { صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } . وتحقيق القول فيه : أنَّا بيَّنا أن الصِّراط إنَّما يكون ممدوحاً محموداً إذا كانا صراطاً للعالم القادر الغنيّ ، والله تعالى عبَّر عن هذه الأمور الثلاثة بقوله : { ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } فوقعت الشبهة في أن ذلك : { ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } من هو ؟ فعطف عليها قوله { ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } إزالة لتلك الشُّبهة . قوله : " وَويْلٌ " مبتدأ ، وجاز الابتداء به ؛ لأنه دعاء كـ " سَلامٌ عَليكُمْ " ، و " لِلْكافِرينَ " خبره ، و " مِنْ عذَابٍ " متعلِّق بالويلِ . ومنعه أبو حيَّان ؛ لأنَّه يلزمُ منه الفصل بين المصدر ومعموله ، وهو ممنوعٌ حيث يتقدَّم المصدر بحرف مصدري وفعل ، وقد تقدم . ولذلك جوزوا تعلق " بِمَا صَبرْتُمْ " بـ { سَلاَمٌ } [ الرعد : 24 ] ، ولم يعترضوا عليه بشيءٍ ، ولا فرق بين الموضعين . وقال الزمخشريُّ : " فإن قلت : ما وجه اتِّصالِ قوله : { مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } بالويل ؟ قلت : لأنَّ المعنى يولولون من عذاب شديد " . قال أبو حيان : فظاهره يدلُّ على تقدير عامل يتعلق به { مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } . ويجوز أن يتعلق بمحذوفٍ ؛ لأنه صفة للمبتدأ ، وفيه سلامة من الاعتراض المتقدم ولا يضر الفصل بالخبر . فصل والمعنى : أنَّهم لما تركوا عبادة الله المالك للسموات ، والأرض ، وكل ما فيها وعبدوا ما لا يملك نفعاً ، ولا ضرَّا ، ويُخلَقُ ، ولا يَخْلِقُ ، ولا إدراك له ، فالويل كل الويل لمن هو كذلك ، وإنما خصهم بالويل ، لأنهم يولولون من عذابٍ شديدٍ ، ويقولون : يا ويلاه نظيره قوله تعالى : { دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } [ الفرقان : 13 ] ثم وصفهم الله تعالى بثلاثة أنواع : الأول : قوله : { ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ } يجوز أن يكون مبتدأ ، خبره : " أوْلئِكَ " وما بعده . وأن يكون خبر مبتدأ مضمر ، أي هم الَّذينَ . وأن يكون منصوباً بإضمار فعل على [ المدح ] فيهما . وأن يكون مجروراً على البدل ، أو البيان ، أو النعت ، قاله الزمخشريُّ ، وأبو البقاء والحوفي وغيرهم . ورده أبو حيان : بأن فيه الفصل بأجنبيّ ، وهو قوله جل ذكره { مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } قال : " ونظيره إذا كان صفة أن تقول : الدَّارُ لِزيدِ الحَسنةُ القُرشِي وهذا لا يجوز ، لأنك فصلت بين " زَيْدٍ " وصفته بأجنبي منهما ، وهو صفة الدَّار وهو لا يجوز ، والتركيب الصحيح أن تقول : الدَّارُ الحسنةُ لزيدٍ القُرشيِّ ، أو الدَّارُ لزَيدٍ القُرشي الحَسنَةُ " . و " يَسْتحِبُّونَ " استفعل فيه بمعنى أفْعَلَ ، كاسْتَجابَ بمعنى أجَابَ ، أو يكون على بابه ، وضمن معنى الإيثار ، ولذلك تعدّى بـ " عَلَى " . وقرأ الحسن : " يُصدُّونَ " بضم الياء من " أصَدَّ " ، و " أصَدَّ " منقولٌ من " صَدَّ " اللازم ، والمفعول محذوف ، أي : غيرهم أو أنفسهم ، ومنه قوله : [ الطويل ] @ 3191ـ أنَاسٌ أصَدُّوا النَّاسَ بالسَّيْفِ عَنهُمْ … @@ { وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } تقدم مثله [ آل عمران : 99 ] . قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ } فيه إضمار تقديره : يستحبّون الحياة الدنيا ، ويؤثرونها على الآخرة ؛ فجمع تعالى بين هذين الوصفين ليبين بذلك أن الاستحباب للدُّنيا وحده لا يكون مذموماً إلاَّ أن يضاف إليه إيثارها على الآخرة ، [ وأما ] من أحبَّها ليصل بها إلى منافع النَّفس بثوابِ الآخرة ؛ فذلك لا يكونُ مذموماً . والنوع الثاني من أوصاف الكفار : قوله عزَّ وجلَّ { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي : يمنعوا النَّاس من قبول دين الله . والنوع الثالث من تلك الصفات قوله : { وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } . واعلم أنَّ الإضلال على مرتبتين . الأولى : أن يسعى في صدّ الغير . والثانية : أن يسعى في إلقاء الشُّكوكِ ، والشبهات في المذهب الحق ، ويحاول تقبيح الحق بكل ما يقدر عليه من الحيلِ ، وهذا هو النهاية في الضلال ، والإضلال ، وإليه أشار بقوله : { وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } . قال الزمخشريُّ : " الأصل في الكلام أن يقال : ويبغون لها عوجاً ؛ فحذف الجار وأوصل الفعل " . وقيل : الهاء راجعة إلى الدُّنيا معناه : يطلبون الدُّنيا على طريق الميل عن الحق ، أي : بجهة الحرام . ولما ذكر الله تعالى هذه المراتب قال في وصفهم : { أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } وإنَّما وصف الله تعالى هذا الضلال بالبعد لوجوهٍ : الأول : أنَّ أقصى مراتب الضلال هو البعد عن الطريق الحقّ ، فإنَّ شرط الضدين أن يكونا في غاية التَّباعدِ كالسَّواد ، والبياض . الثاني : أن المراد بعد ردّهم عن الضَّلال إلى الهدى . الثالث : أن المراد بالضَّلال : الهلاك ، والتقدير : أولئك في هلاك يطُولُ عليهم فلا ينقطع ، وأراد بالبعد : امتداده وزوال انقطاعه .