Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 26-27)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قيل : هذا خطاب للرسول - صلوات الله وسلامه عليه - بأن يؤتي أقاربهُ الحقوق التي وجبت لهم في الفيءِ والغنيمة ، وإخراج حقِّ المساكين وأبناء السَّبيل من هذين المثالين . وقال الأكثرون : إنه عامٌّ ، لأنه عطفه على قوله تعالى : { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ } [ الإسراء : 23 ] والمعنى أنَّك بعد فراغك من برِّ الوالدين يجب عليك أن تشتغل ببرِّ سائر الأقاربِ ، الأقرب فالأقرب ، ثم بإصلاح أحوال المساكين ، وأبناء السَّبيل ، واعلم أنَّ قوله تعالى : { وَءَاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ } مجملٌ ، ليس فيه بيان أنَّ ذلك الحقَّ ما هو ، فذهب الشافعيُّ - رضي الله عنه - إلى أنَّه لا يجب الإنفاقُ إلاَّ على الولدِ والوالدين ، وقال غيره : يجب الإنفاق على المحارم بقدر الحاجة ، واتفقوا على أنَّ من لم يكن من المحارم كأبناء العمِّ ، فلا حقَّ لهم إلاَّ الموادَّة والمؤالفة في السَّراء والضَّراء ، وأما المسكين وابن السَّبيل ، فتقدَّم وصفهما في سورة التوبة في آية الزَّكاة . قوله تعالى : { وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً } : التَّبذِيرُ : التفريق ومنه " البَذْرُ " لأنه يفرقُ في الأرض للزِّراعة ، قال : [ الوافر ] @ 3408 - تَرائِبُ يَسْتَضِيءُ الحليُ فِيهَا كجَمْرِ النَّار بُذِّرَ بالظَّلامِ @@ ثم غلب في الإسراف في النَّفقة . قال مجاهد : لو أنفق الإنسان ماله كلَّه في الحقِّ ، ما كان تبذيراً . وسئل ابن مسعود عن التبذير ، فقال : إنفاقُ المالِ في غير حقِّه وأنشد بعضهم : [ الوافر ] @ 3409 - ذَهابُ المَالِ في حَمْدٍ وأجْرٍ ذَهابٌ لا يُقَالُ لهُ ذَهابُ @@ وقال عثمان بن الأسود : كنت أطوفُ مع مجاهد حول الكعبة ، فرفع رأسه إلى أبي قبيسٍ ، وقال : لو أنَّ رجلاً أنفق مثل هذا في طاعة الله ، لم يكن من المسرفين ، ولو أنفق درهماً واحداً في معصية الله ، كان من المسرفين . وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بسعدٍ - رضي الله عنه - وهو يتَوضَّأ ، فقال : مَا هَذَا السَّرف يا سعدُ ؟ فقال : أفِي الوَضُوءِ سرفٌ ؟ قال : " نعم ، وإنْ كُنْتَ على نَهْرٍ جارٍ " . ثم نبه تعالى على قبح التبذير بإضافته إيَّاه إلى أفعال الشياطين ، فقال - جلَّ ذكره - : { إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُوۤاْ إِخْوَانَ ٱلشَّيَٰطِينِ } والمراد من هذه الأخوة التشبيه بهم في هذا الفعل القبيح ؛ لأنَّ العرب يسمُّون الملازم للشيء أخاً له ، فيقولون : فلانٌ أخو الكرم والجود ، وأخو السَّفر ، إذا كان مواظباً على هذه الأفعال . وقيل : قوله : { إِخْوَانَ ٱلشَّيَٰطِينِ } أي : قرناءهم في الدنيا والآخرة كقوله تعالى { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَٰناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [ الزخرف : 36 ] . وقال تعالى : { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ } [ الصافات : 22 ] أي : قرناءهم من الشياطين ، ثم قال تعالى : { وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً } أي : جحوداً للنِّعمة ؛ لأنه يستعمل بدنه في المعاصي والإفساد في الأرض ، والإضلال للنَّاس ، وكذلك من رزقه الله مالاً أو جاهاً ، فصرفه إلى غير مرضاة الله ، كان كفوراً لنعمة الله ؛ لأنَّه موافق للشياطين في الصِّفة والفعل ، ثم إن الشياطين كَفُورُونَ بربهم ، فكذلك المبذِّر أيضاً كفورٌ بربه . قال بعض العلماء : خرجت هذه الآية على وفقِ عادة العرب ؛ لأنَّهم كانوا يجمعون الأموال بالنَّهب والغارة ، ثم ينفقونها في طلب الخيلاء والتفاخر ، وكان المشركون من قريشٍ وغيرهم ينفقون أموالهم ليصدُّوا عن الإسلام وتوهين أهله وإعانة أعدائه ، فنزلت هذه الآية تنبيهاً على قبح أفعالهم .