Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 55-57)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } : في هذه الباءِ قولان : أشهرهما : أنها تتعلق بـ " أعْلَمُ " كما تعلَّقت الباء بـ " أعْلَمُ " قبلها ، ولا يلزمُ من ذلك تخصيص علمه بمن في السماوات والأرض فقط . والثاني : أنها متعلقة بـ " يَعْلَمُ " مقدَّراً ، قاله الفارسيُّ ، محتجًّا بأنَّه يلزمُ من ذلك تخصيصُ علمه بمن في السماوات والأرض ، وهو وهمٌ ؛ لأنَّه لا يلزمُ من ذكر الشيء نفيُ الحكم عمَّا عداه ، وهذا هو الذي يقول الأصوليُّون : إنه مفهومُ اللَّقبِ ، ولم يقل به إلاَّ أبو بكرٍ الدَّقَّاق في طائفة قليلة . فصل معنى الآية أنَّ علمه غير مقصورٍ عليكم ، ولا على أحوالكم ، بل علمه متعلِّق بجميع الموجودات والمعدومات ، وبجميع ذرَّات الأرضين ، والسَّموات ، فيعلم حال كلِّ أحد ، ويعلم ما يليقُ به من المصالح والمفاسد ، ولهذا جعلهم مختلفين في صورهم ، وأحوالهم ، وأخلاقهم ، وفضَّل بعض النبيين على بعضٍ ، وآتى موسى التوراة ، وداود الزَّبُور ، وعيسى الإنجيل ، ولم يبعد أيضاً أن يؤتي محمَّداً صلى الله عليه وسلم القرآن مع تفضيله على الخلق . فإن قيل : ما السَّبب في تخصيص داود بالذكر هاهنا ؟ . فالجواب من وجوهٍ : الأول : أنَّه تعالى ذكر أنَّه فضَّل بعض النَّبيِّينَ على بعض ، ثم قال : { وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } يعني أنَّ داود آتاه ملكاً عظيماً ، ثم إنَّه تعالى لم يذكر ما آتاه من الملك ، وذكر ما آتاه من الكتب ؛ تنبيهاً على أنَّ التفضيل الذي ذكره قبل ذلك المراد منه التفضيل بالعلم والدِّين ، لا بالمال . والثاني : أنَّ تخصيصه بالذِّكر أنَّه تعالى كتب في الزَّبُور أن محمَّداً خاتم الأنبياء ، وأنَّ امَّة محمد خيرُ الأمم - صلوات الله وسلامه عليه - . قال تعالى : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ } [ الأنبياء : 105 ] وهم محمد وأمته . فإن قيل : هلا عرفه كقوله : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ } . فالجواب أن التنكير ها هنا يدل على تعظيم حاله ؛ لأن الزبور عبارة عن المزبور ، فكان معناه الكتاب ، وكان معنى التنكير أنه كامل في كونه كتاباً . ويجوز أن يكون " زبور " علماً ، فإذا دخلت عليه " أل " كقوله : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ } كانت للمْحِ الأصل كعبَّاس والعباس ، وفضل والفضل . وقيل : نكَّره هنا دلالة على التبعيض ، أي : زبُوراً من الزُّبر ، أو زبوراً فيه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلق على القطعة منه زبورٌ ، كما يطلق على بعض القرآن ، قرآن . الثالث : أنَّ السَّبب في تخصيص داود - صلوات الله عليه - أنَّ كفار قريش ما كانوا أهل نظرٍ وجدلٍ ، بل كانوا يرجعون إلى اليهود في استخراج الشُّبهات ، واليهود كانوا يقولون : لا نبيَّ بعد موسى ، ولا كتاب بعد التَّوراة ، فنقض الله عليهم كلامهم بإنزالِ الزَّبُور على داود ، وتقدَّم خلافُ القراء في الزبور في آخر سورة النساء . قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم } : مفعولا الزَّعم محذوفان ؛ لفهم المعنى ، أي : زعمتموهم آلهة ، وحذفهما اختصاراً جائزٌ ، واقتصاراً فيه خلاف . فصل في سبب نزول الآية قال المفسرون : إن المشركين أصابهم قحطٌ شديدٌ ؛ حتَّى أكلوا الكلاب والجيفَ واستغاثوا بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم ليدعو لهم ، قال الله تعالى { قُلِ } للمشركين { ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم } أنها آلهة من دونه . واعلم أنه ليس المراد الأصنام ؛ لأنَّه تعالى قال في صفتهم : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً } [ الإسراء : 57 ] وابتغاءُ الوسيلة إلى الله تعالى لا يليق بالأصنام البتَّة ، وإذا ثبت هذا ، فنقول : إنَّ قوماً عبدوا الملائكة ، فنزلت هذه الآية فيهم . وقال ابن عبَّاس رضي الله عنه ومجاهدٌ : إنَّها نزلت في الذين عبدوا المسيح ، وعزيراً ، والملائكة ، و الشمس ، والقمر ، والنجوم . وقيل : إنَّ قوماً عبدوا نفراً من الجنِّ ، فأسلم النَّفر ، وبقي أولئك الناس متمسِّكين بعبادتهم ، فنزلت فيهم الآية . قال ابن عباس : كل موضعٍ في كتاب الله ورد فيه لفظ الزعم ، فهو كذبٌ . ثم إنَّه تعالى احتجَّ على فساد مذهب هؤلاء بأنَّ الإله المعبود هو القادر على إزالةِ الضرر ، وإيصال النفع وهذه الأشياء التي يعبدونها ، وهي الملائكة ، والجنُّ ، والمسيحُ ، وعزيرٌ لا يقدرون على كشف الضرِّ ، ولا على تحصيل النَّفع ، فما الدليل على أنَّ الأمر كذلك ؟ فإن قلتم : لأنَّا نرى أولئك الكفَّار يتضرَّعون إليها ، ولا تحصل الإجابة . قلنا : ونرى أيضاً المسلمين يتضرَّعون إلى الله تعالى ، ولا تحصل الإجابة والمسلمون يقولون بأجمعهم : إنَّ القدرة على كشف الضرِّ ، وتحصيل النفع ليست إلاَّ لله تعالى ، وعلى هذا التقدير ، فالدليل غير تامٍّ . فالجواب : أنَّ الدليل تامٌّ كاملٌ ؛ لأنَّ الكفار كانوا مقرِّين بأنَّ الملائكة عباد الله تعالى ، وخالق الملائكة ، وخالق العالم لا بدَّ وأن يكون أقدر من الملائكة ، وأقوى منهم ، وأكمل حالاً منهم . وإذا ثبت هذا ، فنقول : كمال قدرة الله معلوم متفقٌ عليه ، وكمال قدرة غير الله غير معلوم ، ولا متفقٍ عليه ، بل المتَّفق عليه أنَّ قدرتهم بالنِّسبة إلى قدرة الله تعالى قليلٌة حقيرةٌ ، وإذا كان كذلك ، وجب أن يكون الاشتغال بعبادة الله أولى من الاشتغال بعبادة الملائكة ؛ لأنَّ استحقاق الله العبادة معلومٌ ، وكون الملك كذلك مجهولٌ ؛ والأخذ بالمعلوم أولى ، وسلك المتكلِّمون من أهل السنَّة طريقة أخرى ، وهو أنَّهم أقاموا الحجة العقليَّة على أنَّه لا موجد إلاَّ الله تعالى ، ولا يخرج الشيء من العدم إلى الوجود إلا الله ، وإذا ثبت ذلك ثبت أنه لا ضارَّ ولا نافع إلا الله تعالى ، فوجب القطع بأنه لا معبود إلا الله تعالى ، وهذه الطريقة لا تتم للمعتزلة ، لأنهم لما جوزوا كون العبد موجداً لأفعاله امتنع عليهم الاستدلال على أن الملائكة - عليهم السلام - لا قدرة لها على الإحياء والإماتة ، وخلق الجسم ، وإذا عجزوا عن ذلك ، لا يتمُّ لهم هذا الدليلُ ، فهذا هو الدليل القاطع على صحَّة قوله : { فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً } ، والتحويلُ عبارة عن النَّقل من حالٍ إلى حالٍ ، ومن مكانٍ إلى مكانٍ ، يقال : حوَّله ، فتحوَّل . قوله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ } : " أولئك " مبتدأ ، وفي خبره وجهان : أظهرهما : أنّه الجملة من " يَبْتغُونَ " ويكون الموصولُ نعتاً ، أو بياناً أو بدلاً ، والمراد باسم الإشارة الأنبياء أو الملائكة الذين عبدوا من دون الله ، والمراد بالواو العبَّاد لهم ، ويكون العائدُ على " الَّذينَ " محذوفاً ، والمعنى : أولئك الأنبياء الذين يدعونهم المشركون ، لكشف ضرِّهم - أو يدعونهم آلهة ، فمفعولها أو مفعولاها محذوفان - يبتغون . ويجوز أن يكون المراد بالواو ما أريد بأولئك ، أي : أولئك الأنبياء الذين يدعون ربَّهم أو النَّاس إلى الهدى يبتغون ، فمفعول " يَدْعُونَ " محذوف . والثاني : أن الخبر نفسُ الموصول ، و " يَبْتَغُون " على هذا حالٌ من فاعل " يَدْعُون " أو بدلٌ منه . وقرأ العامة " يَدعُونَ " بالغيب ، وقد تقدَّم الخلاف في الواو ؛ هل تعود على الأنبياء أو على عابديهم ، وزيد بن عليٍّ بالغيبة أيضاً ، إلا أنه بناه للمفعول ، وقتادة ، وابن مسعود بتاء الخطاب ، وهاتان القراءتان تقوِّيان أنَّ الواو للمشركين ، لا للأنبياء في قراءة العامة . فصل إذا أعدنا " يَدْعُونَ " للعابدين ، و " يَبْتَغُونَ " للمعبودين ، فالمعنى : أولئك المعبودون يبتغون إلى ربِّهم الوسيلة ؛ لأنَّ الملائكة يرجعون إلى الله في طلبِ المنافع ، ودفع المضارِّ ، يرجون رحمته ، ويخافون عذابه ، وإذا كانوا كذلك ، كانوا عاجزين محتاجين ، والله - تعالى - أغنى الأغنياء ، فكان الاشتغال [ بعبادته ] أولى . فإن قيل : لا نسلِّم أنَّ الملائكة محتاجون إلى رحمة الله تعالى ، وخائفون من عذابه . فالجواب : أنَّ الملائكة : إمَّا أن يقال : إنَّها واجبة الوجود لذواتها ، أو يقال : إنَّها ممكنة الوجود لذواتها ، والأول باطلٌ ؛ لأن جميع الكفَّار كانوا معترفين بأن الملائكة عبادُ الله ، ومحتاجون إليه . وأما الثاني : فهو يوجب القول بأنَّ الملائكة محتاجون في ذواتها ، وفي كمالاتها إلى الله تعالى ، فكان الاشتغالُ بعبادة الله تعالى أولى من الاشتغال بعبادةِ الملائكة . وإن أعدنا " يَدْعُونَ " إلى الأنبياء - عليهم السلام - المذكورين في قوله تعالى : { وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ ٱلنَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ } فالمعنى هو أنَّ الذي عظمت منزلتهم - وهم الأنبياء - لا يعبدون إلا الله تعالى ، ولا يبتغون الوسيلة إلاَّ إليه ، فأنتم بالاقتداءِ بهم أحق ، فلا تعبدوا غير الله - عزَّ وجلَّ - والمراد بالوسيلةِ : الدَّرجةُ العليا . وقيل : كل ما يتقرَّب إلى الله تعالى . واحتجُّوا على صحَّة هذا القول بأنَّ الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ، فلا يخافون عذابه ، فثبت أنَّ هذا غير لائقٍ بالملائكةِ ، وإنما هو لائقٌ بالأنبياء - صلوات الله عليهم - . وأجيب بأنَّ الملائكة يخافون من عذاب الله ، لو اقدموا على الذنب ، قال تعالى : { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذَٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 29 ] وقال تعالى : { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ } [ النحل : 50 ] ثم قال عزَّ وجلَّ : { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً } أي من حقِّه أن يحذر ، فإن لم يحذره بعض الناس لجهله ، فإنَّه لا يخرج عن كونه يجب الحذر عنه . قوله تعالى : { أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } في " أيُّ " هذه وجهان : أحدهما : أنها استفهامية . والثاني : أنها موصولة بمعنى " الَّذي " وإنما كثر كلام المعربين فيها من حيث التقدير ، فقال الزمخشريُّ : " وأيُّهم بدلٌ من واو " يَبْتَغُونَ " و " أيُّ " موصولة ، أي : يبتغي من هو أقربُ منهم وأزلفُ ، أو ضمِّن " يَبْتغُونَ الوسيلة " معنى يحرصون ، فكأنه قيل : يحرصون أيهم يكون أقرب " . فجعلها في الوجه الأول موصولة ، وصلتها جملة من مبتدأ وخبر ، حذف المبتدأ ، وهو عائدها ، و " أقْرَبُ " خبرٌ . واحتملت " أيُّ " حينئذٍ أن تكون مبنية ، وهو الأكثر فيها ، وأن تكون معربة ، وسيأتي موضعه في مريم : [ 69 ] إن شاء الله تعالى وفي الثاني جعلها استفهامية ؛ بدليل أنه ضمَّن الابتغاء معنى شيء تعلق ، وهو يحرصون ، فيكون " أيُّهُمْ " مبتدأ و " أقربُ " خبره ، والجملة في محلِّ نصب على إسقاط الخافض ؛ لأنَّ " تحْرِصُ " يتعدَّى بـ " على " قال تعالى : { إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ } [ النحل : 37 ] ، { أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَٰوةٍ } [ البقرة : 96 ] . وقال أبو البقاء : " أيُّهُمْ " مبتدأ ، و " أقْرَبُ " خبره ، وهو استفهامُ في موضع نصبٍ بـ " يَدْعُونَ " ، ويجوز أن يكون " أيُّهُمْ " بمعنى الذي ، وهو بدلٌ من الضمير في " يَدعُونَ " . قال أبو حيان : " علَّق " يَدْعُونَ " وهو ليس فعلاً قلبيًّا ، وفي الثاني فصل بين الصلة ومعمولها بالجملة الحاليَّة ، ولا يضرُّ ذلك ، لأنَّها معمولة للصِّلة " . قال شهاب الدين : أمَّا كون " يَدْعُونَ " لا يعلق ، هو مذهب الجمهور ، وقال يونس : يجوز تعليق الأفعال مطلقاً ، القلبية وغيرها ، وأمَّا قوله " فصل بالجملة الحالية " يعني بها " يَبْتَغُونَ " فصل بها بين " يَدعُونَ " الذي هو صلة " الَّذينَ " وبين معموله ، وهو " أيُّهم أقْرَبُ " لأنه معلَّقٌ عنه ، كما عرفته ، إلا أنَّ الشيخ لم يتقدَّم في كلامه إعرابُ " يَبْتغُونَ " حالاً ، بل لم يعربها إلاَّ خبراً للموصول ، وهذا قريبٌ . وجعل أبو البقاء أيًّا الموصولة بدلاً من واو " يَدْعُونَ " ، ولم أرَ أحداً وافقه على ذلك ، بل كلُّهم يجعلونها من واو " يَبْتَغُونَ " وهو الظاهر . وقال الحوفي - رحمه الله - : " أيُّهم أقربُ " ابتداء وخبر ، والمعنى : ينظرون أيُّهم أقرب ، فيتوسَّلون به ، ويجوز أن يكون " أيهم أقرب " بدلاً من واو " يَبْتَغُون " . قال شهاب الدين : فقد أضمر فعلاً معلقاً ، وهو ينظرون فإن كان من نظر البصرِ ، تعدَّى بـ " إلى " وإن كان من نظر الفكر ، تعدَّى بـ " في " فعلى التقديرين : الجملة الاستفهامية في موضع نصبٍ بإسقاطِ الخافض ، وهذا إضمارُ ما لا حاجة إليه . وقال ابن عطية : " وأيُّهُمْ ابتداء ، و " أقْرَبُ " خبره ، والتقدير : نظرهم ووكدهم أيهم أقرب ، ومنه قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : " فبات النَّاس يدُوكُونَ أيُّهمْ يُعطَاهَا " ، أي : يتبارون في القرب " . قال أبو حيان : " فَجَعلَ المحذوف " نظرُهمْ ووكْدهُمْ " وهذا مبتدأ ، فإن جعلت " أيُّهمْ أقربُ " في موضع نصب بـ " نَظرُهُمْ " بقي المبتدأ بلا خبر ، فيحتاج إلى إضمار خبر ، وإن جعلت " أيُّهم أقربُ " الخبر ، لم يصحَّ ؛ لأنَّ نظرهم ليس هو " أيُّهم أقربُ " وإن جعلت التقدير : " نَظرهُمْ في أيهم أقربُ " أي : كائنٌ أو حاصلٌ ، لم يصحَّ ذلك ؛ لأنَّ كائناً وحاصلاً ليس ممَّا يعلَّق " . فقد تحصَّل في الآية الكريمة ستَّة أوجه : أربعة حال جعل " أيّ " استفهاماً : الأول : أنها معلِّقة للوسيلة ، كما قرَّره الزمخشريُّ . الثاني : أنها معلّقة لـ " يَدعُونَ " كما قاله أبو البقاء . الثالث : أنها معلقة لـ " يَنْظُرونَ " مقدراً ، كما قاله الحوفيُّ . الرابع : أنها معلقة لـ " نَظرُهمْ " كما قدَّره ابن عطيَّة . واثنان حال جعلها موصولة : الأول : البدل من واو " يَدعُونَ " كما قاله أبو البقاء . الثاني : أنها بدلٌ من واو " يَبْتغُونَ " كما قاله الجمهور .