Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 45-49)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَارُونَ } الآية . يجوز أن يكون " هَارُونَ " بدلاً ، وأن يكون بياناً ، وأن يكون منصوباً بإضمار أعني . واختلفوا في الآيات ، فقال ابن عباس : هي الآيات التسع وهي العصا ، واليد ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والبحر ، والسنين ، ونقص الثمرات . وقال الحسن : " بآيَاتِنَا " أي : بديننا . واحتج بأن المراد لو كان الآيات وهي المعجزات ، والسلطان المبين : هو أيضاً المعجز ، لزم منه عطف الشيء على نفسه . والأول أقرب ، لأنّ لفظ الآيات إذا ذكر مع الرسول فالمراد به المعجزات . وأما احتجاجه فالجواب عنه من وجوه : الأول : أنّ المراد بالسلطان المبين : يجوز أن يكون أشرف معجزاته ، وهي العصا ، لأن فيها معجزات شتّى من انقلابها حيّة وتلقّفها ما صنع السحرة ، وانفلاق البحر ، وانفجار العيون من الحجر بضربهما بها ، وكونها حارساً ، وشمعةً ، وشجرة مثمرة ، ودَلْواً ، ورشَاءً ، فلاجتماع هذه الفضائل فيها أفردت بالذكر كقوله : " وجِبْرِيلَ ومِيكَالَ " . والثاني : يجوز أن يكون المراد بالآيات نفس تلك المعجزات ، وبالسلطان المبين كيفيّة دلالتها على الصدق ، فلأنها وإن شاركت آيات سائر الأنبياء في كونها آيات فقد فارقتها في قوة دلالتها على قبول قول موسى - عليه السلام - . الثالث : أن يكون المراد بالسلطان المبين استيلاء موسى - عليه السلام - عليهم في الاستدلال على وجود الصانع ، وإثبات النبوّة ، وأنه ما كان يقيم لهم قدراً ولا وزناً . واعلم أنَّ الآية تدل على أنّ معجزات موسى كانت معجزات هارون أيضاً وأنّ النبوة مشتركة بينهما ، فكذلك المعجزات . ثم قال : { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَٱسْتَكْبَرُواْ } وتعظموا عن الإيمان { وَكَانُواْ قَوْماً عَالِينَ } متكبرين قاهرين غيرهم بالظلم . قوله : " لِبَشَرَيْنِ " شر يقع على الواحد والمثنى والمجموع ، والمذكر والمؤنث قال تعالى : { مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ } [ يس : 15 ] ، وقد يطابق ، ومنه هذه الآية وأما إفراد " مِثْلِنَا " ، فلأنه يجري مجرى المصادر في الإفراد والتذكير ، ولا يؤنث أصلاً ، وقد يطابق ما هو له تثنية لقوله : { مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ } [ آل عمران : 13 ] وجمعاً كقوله : { ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } [ محمد : 38 ] . وقيل : أريد المماثلة في البشريّة لا الكمية . وقيل : اكتفى بالواحد عن الاثنين . { وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ } جملة حالية . فصل " فَقَالُوا " يعني لفرعون وقومه { أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا } يعنون موسى وهارون { وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ } مطيعون متذللون . قال أبو عبيدة : والعرب تسمي كل من دان لِملك عابداً له ويحتمل أن يقال : إنه كان يدعي الإلهية ، وإن طاعة الناس له عبادة ، ولمّا خطر ببالهم هذه الشبهة صرحوا بالتكذيب ، ولمّا كان التكذيب كالعلّة لهلاكهم لا جَرَم رتّبه عليه بفاء التعقيب ، فقال : { فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُواْ مِنَ ٱلْمُهْلَكِينَ } أي : بالغرق ( أي : فيمن حكم عليهم بالغرق ) فإن الغرق لم يحصل عقيب التكذيب ، ( إنما حصل عقيب التكذيب ) حكم الله - تعالى - عليهم بالغرق في الوقت اللائق به . قوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ } قيل : أراد قوم موسى ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، ولذلك أعاد الضمير من قوله : " لَعَلَّهُم " عليهم . وفيه نَظَر ، إذ يجوز عود الضمير على القوم من غير تقدير إضافتهم إلى موسى ، ويكون هدايتهم مترتبة على إيتاء التوراة لموسى . قال الزمخشري : لا يجوز أن يرجع الضمير في " لَعَلَّهُم " إلى فرعون وملئه لأن التوراة إنما أوتيت بنو إسرائيل بعد إغراق فرعون ، بدليل قوله تعالى { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ٱلأُولَىٰ } [ القصص : 43 ] . بل المعنى الصحيح ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يعملون بشرائعها ، ومواعظها ، فذكر موسى والمراد آل موسى كما يقال : هاشم وثقيف . والمراد قومهم .