Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 57-61)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } الآيات لمَّا ذمَّ من تقدّم بقوله : { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ } [ المؤمنون : 55 ] ثم قال : { بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } [ المؤمنون : 56 ] ، بيّن بعده صفات من يُسارع في الخيرات ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } ، والإشفاق يتضمن الخشية مع زيادة رقة وضعف . وقيل : جمع بينهما للتأكيد . ومنهم من حمل الخشية على العذاب ، والمعنى : إن الذين هم من عذاب ربهم مشفقون أي : خائفون من عقابه . قوله : " مِنْ خَشْيَةِ " فيه وجهان : أحدهما : أنها لبيان الجنس . قال ابن عطية : هي لبيان جنس الإشفاق . قال شهاب الدين : وهي عبارة قَلِقَة . والثاني : أنها متعلقة بـ " مُشْفِقُونَ " . قاله الحوفي ، وهو واضح . قوله : { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } يصدّقون ، وآيات الله هي المخلوقات الدالة على وجوده . { وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ } وليس المراد منه الإيمان بالتوحيد ونفي الشريك لله - تعالى - ، لأن ذلك داخل في قوله : { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } بل المراد منه نفي الشرك الخفيّ ، وهو أن يكون مخلصاً في العبادة لا يقدم عليها إلا لوجه الله وطلب رضوانه . قوله : { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ } العامة على أنه من الإيتاء ، أي : يعطون ما أعطوا . وقرأت عائشة وابن عباس والحسن والأعمش : " يَأَتُونَ مَا أَتَوْا " من الإتيان ، أي : يفعلون ما فعلوا من الطاعات . واقتصر أبو البقاء في ذكر الخلاف على " أَتَوْا " فقط ، وليس بجيّد ، لأنّه يوهم أن من قرأ " أَتَوْا " بالقصر قرأ " يُؤْتُونَ " من الرباعي وليس كذلك . قوله : { وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } هذه الجملة حال من فاعل " يُؤْتُونَ " ، فالواو للحال ، والمعنى : يعطون ما أعطوه ، ويدخل فيه كل حق يلزم إيتاؤه سواء كان من حقوق الله كالزكوات ، والكفارات وغيرها . أو من حقوق الآدميين ، كالودائع ، والديون وأصناف الإنصاف والعدل . وبيّن أن ذلك إنما ينفع إذا فعلوه " وقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ " ، أي : إنهم يقدمون على العبادة على وجل من تقصير وإخلال بنقصان . " روي أن عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } أهو الذي يزني ، ويشرب الخمر ، ويسرق وهو على ذلك يخاف الله ؟ فقال عليه السلام : " لا يا بنت الصديق ، ولكن هو الرجل يصلي ويصوم ويتصدق ، وهو على ذلك يخاف الله " قوله : " أنَّهُمْ " يجوز أن يكون التقدير : وجلة مِنْ أنَّهُمْ أي : خائفة من رجوعهم إلى ربّهم . ويجوز أن يكون : لأنهم أي : سبب الوجل الرجوع إلى ربهم . قوله : { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ } هذه الجملة خبر " إنَّ الَّذِينَ " ، وقرأ الأعمش : " إنَّهُمْ " بالكسر ، على الاستئناف ، فالوقف على " وَجِلَةٌ " تام أو كاف . وقرأ الحسن : " يُسْرعُونَ " من أسْرَعَ . قال الزجاج : يُسَارِعُونَ أبلغ . يعني : من حيث إن المفاعلة تدل على قوة الفعل لأجل المبالغة . قوله : { وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } في الضمير في " لَهَا " أوجه : أظهرها : أنه يعود على الخيرات لتقدمها في اللفظ . وقيل : يعود على الجنة . وقال ابن عباس : إلى السعادة . وقال الكلبي : سبقوا الأمم إلى الخيرات . والظاهر أن " سَابِقُونَ " هو الخبر ، و " لَهَا " متعلق به قُدّم للفاصلة وللاختصاص . واللام ، قيل : بمعنى ( إلى ) ، يقال : سبقت له ، وإليه ، بمعنى ومفعول " سَابِقُون " محذوف ، تقديره : سابقون الناس إليها . وقيل : اللام للتعليل ، أي : سابقون الناس لأجلها . وتكون هذه الجملة مؤكدة للجملة قبلها ، وهي { يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } ، ولأنها تفيد معنى آخر وهو الثبوت والاستقرار بعدما دلَّت الأولى على التجدد . وقال الزمخشري : أي : فاعلون السَّبق لأجلها ، أو سابقون الناس لأجلها قال أبو حيان وهذان القولان عندي واحد . قال شهاب الدين : ليسا بواحد إذ مراده بالتقدير الأول : أن لا يقدر السبق مفعول ألبتة ، وإنّما الغرض الإعلام بوقوع السبق منهم من غير نظرٍ إلى مَنْ سبقوه كقوله : { يُحْيِي وَيُمِيتُ } [ البقرة : 258 ] ، و { كُلُوا واشْرَبُوا } [ البقرة : 187 ] ، و " يعطي ويمنع " وغرضه في الثاني تقدير مفعول حذف للدلالة ، واللام للعلة في التقديرين وقال الزمخشري أيضاً : أو : إيّاها سابقون . أي : ينالونها قبل الآخرة حيث عجلت لهم في الدنيا . قال شهاب الدين : يعني أن " لَهَا " هو المفعول بـ " سَابِقُونَ " ، وتكون اللام قد زيدت في المفعول ، وحسن زيادتها شيئان كل منهما لو انفرد لاقتضى الجواز ، كَوْن العامل فرعاً ، وكونه مقدّماً عليه معموله . قال أبو حيان : ولا يدل لفظ " لَهَا سَابِقُون " على هذا التفسير ، لأنّ سبق الشيء الشيء يدل على تقديم السابق على المسبوق ، فكيف يقول : وهم يسبقون الخيرات ، هذا لا يصح . قال شهاب الدين : ولا أدري عدم الصحة من أي جهةٍ ، وكأنّه تخيّل أنّ السابق يتقدم على المسبوق فكيف يتلاقيان ؟ لكنّه كان ينبغي أن يقول : فكيف يقول : وهم ينالون الخيرات ، وهم لا يجامعونها ، لتقدمهم عليها إلاّ أن يكون قد سبقه القلم فكتب بدل ( وهم ينالون ) ( وهم يسبقون ) وعلى كل تقدير فأين عدم الصحة ؟ وقال الزمخشري أيضاً : ويجوز أن يكون { وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } خبراً بعد خبرٍ ومعنى " وَهُمْ لَهَا " كمعنى قوله : @ 3801 - أَنْتَ لَهَا أَحْمَد مِنَ بَيْنِ البَشَر @@ يعني : أن هذا الوصف الذي وصف به الصالحين غير خارج من حد الوسع والطاقة . فتحصل في اللام ثلاثة أقوال : أحدها : أنها بمعنى ( إلى ) . الثاني : أنها للتعليل على بابها . والثالث : أنها مزيدة . وفي خبر المبتدأ قولان : أحدهما : أنه " سَابِقُونَ " وهو الظاهر . والثاني : أنه الجار كقوله . @ 3802 - أَنْتَ لَهَا أَحْمَد مِنْ بَيْنِ البَشَر @@ وهذا قد رجّحه الطبري ، وهو مروي عن ابن عباس .