Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 66-72)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } يعني القرآن { فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } وهذا مثل يُضرب لمن يتباعد عن الحق كل التباعد فهو قوله : { فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } أي : ترجعون قهقرى وتتأخرون عن الإيمان ، وينفرون عن تلك الآيات ، وعن من يتلوها كما يذهب الناكص على عقبيه بالرجوع إلى ورائه . قوله : " عَلَى أَعْقَابِكُمْ " فيه وجهان : أحدهما : أنه متعلق بـ " تَنْكِصُونَ " كقولك نكص على عقبيه . والثاني : أنه متعلق بمحذوف ، لأنه حال من فاعل ( تنْكِصُونَ ) قاله أبو البقاء وقرأ أمير المؤمنين " تَنْكُصُونَ " بضم العين ، وهي لغة . قوله : " مُسْتَكْبِرِينَ " حال من فاعل " تَنْكِصُونَ " ، و " بِهِ " فيه قولان : أحدهما : أنه متعلق بـ " مُسْتَكْبِرِينَ " . والثاني : أنه متعلق بـ " سَامِراً " . وعلى الأوَّل فالضمير للقرآن ، لأنهم كانوا يجتمعون حول البيت باللّيل يسمرون ، وكان عامة سمرهم ذكر القرآن ، وتسميته سحراً وشعراً . أو للبيت شرّفه الله - تعالى - كانوا يقولون : لا يظهر علينا أحد لأنّا أهل الحرم ، كانوا يفتخرون به ، لأنهم ولاته ، والقائمون به . قاله ابن عباس ومجاهد . وقيل الضمير في " بِهِ " للرسول - عليه السلام - . أو للنكوص المدلول عليه بـ " تَنْكِصُونَ " كقوله : { ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } [ المائدة : 8 ] . والباء في هذا كله للسببية ، لأنهم استكبروا بسبب القرآن لما تلي عليهم وبسبب البيت لأنهم كانوا يقولون نحن ولاته ، وبالرسول لأنهم كانوا يقولون هو منا دون غيرنا وبالنكوص لأنه سبب الاستكبار . وقيل : ضُمّن الاستكبار معنى التكذيب فلذلك عدي بالباء ، وهذا يتأتى على أن يكون الضمير للقرآن وللرسول . وأمّا على الثاني وهو تعلقه بـ " سَامِراً " فيجوز أن يكون الضمير عائداً على ما عاد عليه فيما تقدّم إلا النكوص ، لأنهم كانوا يسمرون بالقرآن وبالرسول يجعلونهما حديثاً لهم يخوضون في ذلك كما يسمر بالأحاديث وكانوا يسمرون في البيت فالباء ظرفية على هذا و " سَامِراً " نصب على الحال إمّا من فاعل " تَنْكِصُونَ " وإمّا من الضمير في ( مُسْتَكْبِرِينَ ) . وقرأ ابن مسعود وابن عباس وأبو حيوة ويروى عن أبي عمرو : " سُمّراً " بضم الفاء وفتح العين مشددة . وزيد بن علي وأبو رجاء وابن عباس أيضاً " سُمَّاراً " كذلك إلا أنه بزيادة ألف بين الميم والراء ، وكِلاَهُمَا جمع لِسَامِر ، وهما جمعان مقيسان لفاعل الصفة نحو ضُرَّب وضُرَّاب في ضَارِب ، والأفصح الإفراد ، لأنه يقع على ما فوق الواحد بلفظ الإفراد يقال : قَوْمٌ سَامِر ونظيره : " نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً " . والسامِر مأخوذ من السَّمر ، وهو سَهَر الليل أو مأخوذ من السَّمَر : وهو ما يقع على الشجر من ضوء القمر ، فيجلسون إليه يتحدثون مستأنسين به قال : @ 3804 - كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الحَجُونِ إلَى الصَّفَا أَنِيسٌ ولَمْ يَسْمُرْ بِمَكةَ سَامِرُ @@ وقال الراغب : السَّامِر : الليل المظلم يقال : وَلاَ آتِيكَ ما سَمَرَ ابْنَا سَمِيرٍ يعنون الليل والنهار . وقال الراغب : ويقال : سَامِرٌ ، وسُمَّارٌ ، وسَمَرَةٌ ، وسَامِرُونَ . وسَمَرْتُ الشيءَ ، وإبل مُسْمَرَةٌ ، أي : مُهْمَلَةٌ ، والسَّامِريُ : منسوب إلى رجل انتهى . والسُّمْرَةُ أحد الألوان ، والسَّمْرَاء يكنى بها عن الحِنْطَة . قوله : " تَهْجُرُونَ " قرأ العامة بفتح التاء وضم الجيم ، وهي تحتمل وجهين : أحدهما : أنها من الهَجْر بسكون الجيم ، وهو القطع والصدّ . أي تهجرون آيات الله ورسوله ، وتزهدون فيهما فلا تصلونهما . والثاني : أنها من الهَجَر - بفتحها - وهو الهذيان ، يقال : هَجَر المريض هَجَراً أي : هذى فلا مفعول له . ونافع وابن محيصن بضم التاء وكسر الجيم من أَهْجَر إهْجاراً ، أي : أفحش في منطقه قال ابن عباس : يعني كانوا يسبون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقرأ زيد بن علي ، وابن محيصن ، وأبو نهيك بضم التاء وفتح الهاء وكسر الجيم مشددة مضارع هَجّر بالتشديد ، وهو محتمل لأن يكون تضعيفاً للهَجَر أو للهَجْر ( أو للهُجْر ) وقرأ ابن أبي عاصم كالعامة إلا أنه بالياء من تحت ، وهو التفات . قوله : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ } أي : يتدبروا القول ، يعني ما جاءهم من القول وهو القرآن من حيث إنه كان مبايناً لكلام العرب في الفصاحة ، ومبرأ من التناقض مع طوله ، فيعرفوا ما فيه من الدلالات على صدق محمد صلى الله عليه وسلم ، ومعرفة الصانع ، والوحدانية ، فيتركوا الباطل ، ويرجعوا إلى الحق { أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ } واعلم أنّ إقدامهم على كفرهم وجهلهم لا بُدّ وأن يكون لأحد أمور أربعة : الأول : أن لا يتأملوا دليل ثبوته ، وهو المراد من قوله : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ } وهو القرآن يعني : أنه كان معروفاً لهم . والثاني : أن يعتقدوا أن مجيء الرسول على خلاف العادة ، وهو المراد من قوله : { أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ } وذلك أنهم عرفوا بالتواتر مجيء الرسول إلى الأمم السالفة ، وكانت الأمم بين مُصدّقٍ ناجٍ وبين مكذّبٍ هالك ، أفَمَا دعاهم ذلك إلى تصديق الرسل . وقال بعضهم : " أَمْ " هاهنا بمعنى " بَلْ " والمعنى بل جاءهم ما لم يأت آباءهم . والثالث : أن لا يكونوا عالمين بديانته ، وحسن خصاله قبله ادعائه النبوة ، وهو المراد من قوله : { أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } والمعنى : أنهم كانوا يعرفونه قبل أن يدعي الرسالة ، وكونه في نهاية الأمانة والصدق وغاية الفرار عن الكذب والأخلاق الذميمة ، وكانوا يسمونه الأمين ، فكيف كذبوه بعد أن اتفقتْ كلمتهم على تسميته بالأمين . والرابع : أن يعتقدوا فيه الجنون ، فيقولوا إنّما حمله على ادعاء الرسالة جنونه ، وهو المراد بقوله { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ } . وهذا أيضاً ظاهر الفساد ، لأنّهم كانوا يعلمون بالضرورة أنه أعقل الناس ، فالمجنون كيف يمكنه أن يأتي بمثل ما أتى به من الدلائل القاطعة ، والشرائع الكاملة . وفي كونهم سمّوه بذلك وجهان : أحدهما : أنهم نسبوه إلى ذلك من حيث كان يطمع في انقيادهم له ، وكان ذلك من أبعد الأمور عندهم ، فنسبوه إلى الجنون لذلك . والثاني : أنهم قالوا ذلك إيهاماً لعوامهم لئلاّ ينقادوا له ، فذكروا ذلك استحقاراً له . ثم إنه - تعالى - بعد أن عدّ هذه الوجوه ، ونبّه على فسادها قال : { بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ } أي : بالصدق والقول الذي لا يخفى صحته على عاقل { وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } لأنهم تمسكوا بالتقليد ، وعلموا أنّهم لو أقرُّوا بمحمدٍ لزالت رياستهم ومناصبهم ، فلذلك كرهوه . فإن قيل قوله : { وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } يدلُّ على أنّ أقلّهم لا يكرهون الحق . فالجواب : أنه كان منهم من ترك الإيمان أنفَةً من توبيخ قومه ، وأن يقولوا ترك دين آبائه لا كراهة للحق . قوله : { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ } الجمهور على كسر الواو لالتقاء الساكنين وابن وثّاب بضمها تشبيهاً بواو الضمير كما كُسرتْ واو الضمير تشبيهاً بها . فصل قال ابن جريج ومقاتل والسّدّيّ وجماعة : الحق هو الله . أي : لو اتبع الله مرادهم فيما يفعل وقيل : لو اتبع مرادهم ، فيسمّي لنفسه شريكاً وولداً كما يقولون { لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ } . وقال الفراء والزجاج : المراد بالحق : القرآن . أي : نزل القرآن بما يحبون من جعل الشريك والولد على ما يعتقدون { لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } وهو كقوله : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22 ] . قوله : { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ } العامة على إسناد الفعل إلى ضمير المتكلم المعظم نفسه ، والمراد أتتهم رسلنا . وقرأ أبو عمرو في رواية " آتَيْنَاهُمْ " بالمد أي أعطيناهم ، فيحتمل أن يكون المفعول الثاني غير مذكور ، ويحتمل أن يكون " بِذِكْرِهِمْ " والباء مزيدة فيه وابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر وأبو عمرو أيضاً " أَتَيْتهُمْ " بتاء المتكلم وحده . وأبو البرهثم وأبو حيوة والجحدري وأبو رجاء " أَتَيْتَهُمْ " بتاء الخطاب ، وهو الرسول - عليه السلام - . وعيسى : " بِذِكْرَاهُم " بألف التأنيث . وقتادة " نُذَكِّرهُمْ " بنون المتكلم المعظم نفسه مكان باء الجر مضارع ( ذَكَّر ) المشدد ، ويكون ( نُذكرُهُمْ ) جملة حالية . وتقدم الكلام في " خَرْجاً " و " خَرَاجاً " في : الكهف . فصل قال ابن عباس : { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ } بما فيه فخرهم وشرفهم . يعني : القرآن ، فهو كقوله : { لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ } [ الأنبياء : 10 ] أي : شرفكم ، { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف : 44 ] أي : شرف لك ولقومك { فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ } شرفهم " معرِضون " . وقيل : الذكر هو الوعظ والتذكير التحذير . " أَمْ تَسْأَلُهُمْ " على ما جئتم به " خَرْجاً " أجراً وجعلاً { فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ } أي ما يعطيك الله من رزقه وثوابه خير { وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } وتقدم الكلام على نظيره .