Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 76-80)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ } قال المفسرون : لما أسلم ثُمامة بن أثال الحنفي ، ولحق باليمامة ، ومنع المِيرَة عن أهل مكة ، ودَعَا النبي صلى الله عليه وسلم على قريش أن يجعل عليهم سنين كسني يوسف ، فأصابهم القحط حتى أكلوا العِلْهِز ، جاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : أنشدك الله والرحم ، ألَسْتَ تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين ؟ فقال : " بَلَى " . فقال : قد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع ، فادعُ الله يكشف عنا هذا القحط ، فدعا فكشف عنهم ، فأنزل الله هذه الآية . والمعنى أخذناهم بالجوع فما أطاعوا . وقال الأصم : العذاب هو ما نالهم يوم بدر من القتل والأسر يعني أن ذلك مع شدة ما دعاهم إلى الإيمان . وقيل : المراد من عُذِّبَ من الأمم الخالية . " فَمَا اسْتَكَانُوا " أي : مشركو العرب . قوله : " فَمَا اسْتَكَانُوا " تقدم وزن ( استكان ) في آل عمران . وجاء الأول ماضياً والثاني مضارعاً ، ولم يجيئا ماضيين ، ولا مضارعين ولا جاء الأول مضارعاً والثاني ماضياً ، لإفادة الماضي وجود الفعل وتحققه ، وهو بالاستكانة أليق ، بخلاف التضرع فإنه أخبر عنهم بنفي ذلك في الاستقبال وأما الاستكانة فقد توجد منهم . وقال الزمخشري : فإن قلت : هَلاَّ قيل : وما تَضرّعوا ( أو ) فما يستكينون . قلت : لأنّ المعنى محنّاهم فما وجدت منهم عقيب المحنة استكانة ، وما مِنْ عادة هؤلاء أن يستكينوا ويتضرعوا حتى يفتح عليهم باب العذاب الشديد . فظاهر هذا أنَّ ( حَتَّى ) غاية لنفي الاستكانة والتضرّع . ومعنى الاستكانة طلب السكون ، أي : ما خضعوا وما ذلوا إلى ربهم ، وما تضرعوا بل مضوا على تمرّدهم . قوله : { حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ } . قرئ " فَتَّحنَا " بالتشديد . قال ابن عباس ومجاهد : يعني القتل يوم بدر . وقيل : الموت وقيل : قيام الساعة . وقيل : الجوع . { إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } آيسون من كل خير . وقرأ السلمي : " مُبْلَسُون " - بفتح اللام - من أبلسه ، أي : أدخله في الإبلاس . قوله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنْشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ } الآية . العطف لا يحسن إلاّ مع المجانسة ، فأي مناسبة بين قوله : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنْشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ } وبين ما قبله ؟ والجواب : كأنّه تعالى لمّا بيّن مبالغة الكفار في الإعراض عن سماع الأدلة والاعتبار ، وتأمّل الحقائق قال للمؤمنين : هو الذي أعطاكم هذه الأشياء ووفّقكم لها تنبيهاً على أنَّ من لم يُعمل هذه الأعضاء فيما خلقت له فهو بمنزلة عادمها ، لقوله : { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ } [ الأحقاف : 26 ] وأفرد السمع والمراد الأسماع ثم قال : { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } . قال أبو مسلم : وليس المراد أنَّ لهم شكراً وإن قَلّ ، لكنه كما يقال للكفور والجاحد للنعمة : ما أقلّ شكر فلان . ثم قال : { وَهُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } أي : خلقكم ، قال أبو مسلم : ويحتمل بسطكم فيها ذرية بعضكم من بعض حتى كثرتم كقوله : { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } [ الإسراء : 3 ] أي : هو الذي جعلكم في الأرض متناسلين ، ويحشركم يوم القيامة إلى دار لا حاكم فيها سواه ، فجعل حشرهم إلى ذلك الموضع حشراً إليه لا بمعنى المكان . ثم قال : { وَهُوَ ٱلَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ } أي : نعمة الحياة وإن كانت من أعظم النعم فهي منقطعة وأنّه سبحانه - وإن أنعم بها ، فالمقصود منها الانتقال إلى دار الثواب . ثم قال : { وَلَهُ ٱخْتِلاَفُ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } أي : تدبير الليل والنهار في الزيادة والنقصان ، ووجه النعمة بذلك معلوم . قال الفراء : جعلهما مختلفين يتعاقبان ويختلفان في السواد والبياض . ثم قال : " أَفَلاَ تَعْقِلُونَ " قرأ أبو عمرو في رواية يعقوب : بياء الغيبة على الالتفات والمعنى : أفلا تعقلون ما ترون صُنْعَهُ فَتعْتبرونَ .