Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 15-15)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : " إذْ تَلَقَّوْنَهُ " . " إذْ " منصوب بـ " مَسَّكُمْ " أو بـ " أَفَضْتُمْ " . وقرأ العامة : " تَلَقَّوْنَهُ " والأصل : تَتَلَقَّوْنَهُ ، فحُذِفَ إحدى التاءين كـ " تَنَزَّل " ونحوه ، ومعناه : يَتَلَقَّاهُ بعضكُمْ من بعضٍ . قال الكلبي : وذلك أن الرجل منهم يلقى الرجل فيقول : بلغني كذا وكذا ، يتلقونه تلقياً . قال الزجاج : يلقيه بعضهم إلى بعض . والبَزِّي على أصله في أنه يُشَدِّدُ التَّاءَ وَصْلاً ، وتقدم تحقيقه في البقرة نحو { ولا تَيَمَّمُوا } [ البقرة : 267 ] وهو هناك سهل ، لأن ما قبله حرف لين بخلافه هنا . وأبو عمرو والكسائي وحمزة على أصولهم في إدغام الذال في التاء . وقرأ أُبيّ : " تَتَلَقَّوْنَهُ " بتاءين ، وتقدم أنها الأصل . وقرأ ابن السميفع في رواية عنه : " تُلْقُونه " بضم التاء وسكون اللام وضم القاف مضارع : ألقى إلقاء . وقرأ هو في رواية أخرى : " تَلْقَونه " بفتح التاء وسكون اللام وفتح القاف مضارع : لقي . وقرأ ابن عباس وعائشة وعيسى وابن يعمر وزيد بن علي بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف من ولق الرجل : إذا كذب . قال ابن سيدة : جاءوا بالمتعدي شاهداً على غير المتعدي ، وعندي أنه أراد : تلقون فيه ، فحذف الحرف ، ووصل الفعل للضمير ، يعني : أنهم جاءوا بـ " تَلَقَّوْنَهُ " وهو متعد مفسراً بـ " تكذبون " وهو غير متعد ، ثم حمله على ما ذكر . وقال الطبري وغيره : إن هذه اللفظة مأخوذة من الوَلَق وهو الإسراع بالشيء بعد الشيء ، كعَدْوٍ في إثْر عدو ، وكلامٍ في إثر كلامٍ ، يقال : ولق في سيره أي : أسرع ، وأنشد : @ 3820 - جَاءَتْ بِهِ عِيسٌ مِنَ الشَّامِ تَلِقْ @@ وقال أبو البقاء : أي : يُسْرِعُون فيه ، وأصله من " الولق " وهو الجنون . وقرأ زيد بن أسلم وأبو جعفر : " تَأْلِقُونَهُ " بفتح التاء وهمزة ساكنة ولام مكسورة وقاف مضمومة من " الأَلَق " وهو الكَذِبُ . وقرأ يعقوب : " تِيلَقُونه " بكسر التاء من فوق ، بعدها ياء ساكنة ولام مفتوحة وقاف مضمومة ، وهو مضارع " وَلِق " بكسر اللام ، كما قالوا : " تيجل " مضارع " وَجِل " . وقوله : " بِأَفْوَاهِكمْ " كقوله : { يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ } [ آل عمران : 167 ] وقد تقدم . فصل اعلم أن الله تعالى وصفهم بارتكاب ثلاثة آثام ، وعلق مس العذاب العظيم بها . أحدها : تلقي الإفك بألسنتهم ، وذلك أن الرجل كان يلقى الرجل يقول له : ما وراءك ؟ فيحدثه بحديث الإفك حتى شاع واشتهر ، ولم يبق بيت ولا ناد إلا طار فيه . فكأنهم سعوا في إشاعة الفاحشة ، وذلك من العظائم . وثانيها : أنهم كانوا يتكلمون بما لا علم لهم به ، وذلك يدل على أنه لا يجوز الإخبار إلا مع العلم ، ونظيره : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [ الإسراء : 36 ] . وثالثها : أنهم كانوا يستصغرون ذلك ، وهو عظيمة من العظائم . وتدل الآية على أن القذف من الكبائر لقوله : { وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ } ، وتدل على أن الواجب على المكلف في كل محرم أن يستعظم الإقدام عليه . ونبه بقوله : " وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً " على أن عمل المعصية لا يختلف بظن فاعله وحسبانه ، بل ربما كان ذلك مؤكداً لعظمه . فإن قيل : ما معنى قوله : " بِأَفوَاهِكُمْ " والقول لا يكون إلاّ بالفم ؟ فالجواب : معناه : أن الشيء المعلوم يكون علمه في القلب ، فيترجم عنه باللسان ، وهذا الإفك ليس إلا قولاً يجري على ألسنتكم من غير أن يحصل في القلب علم به كقوله : { يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } [ آل عمران : 167 ] .