Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 55-58)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } الآية . لما ذكر دلائل التوحيد عاد إلى تهجين سيرتهم فقال " وَيَعْبُدُونَ " أي : هؤلاء المشركون { مَا لاَ يَنفَعُهُمْ } إن عبدوه " وَلاَ يَضرُّهُمْ " إن تركوه ، { وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً } أي : معيناً للشيطان على ربه بالمعاصي . قال الزجاج : يعاون الشيطان على معصية الله ، لأن عبادتهم الأصنام معاونة للشيطان . فإن قيل كيف يصح في الكافر أن يكون معاوناً للشيطان على ربه بالعداوة . فالجواب أنه تعالى ذكر نفسه وأراد رسوله فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ } [ الأحزاب : 57 ] . وقيل : معناه : وكان الكافر على ربه هيناً ذليلاً ، كما يقول الرجل لمن يستهين به : جعلني بظهر ، أي : جعلني هيناً ، ويقال : ظهرت به : إذا جعلته خلف ظهرك ، كقوله : { وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً } [ هود : 92 ] . قال أبو مسلم : وقياس العربية أن يقال : مظهوراً ، أي : مستخف به متروك وراء الظهر ، فقيل فيه : ظهير بمعنى مظهور ، ومعناه : هين على الله أن يكفر الكافر ، وهو تعالى مستهين بكفره . والمراد بالكافر قيل : أبو جهل ، لأن الآية نزلت فيه . والأولى حمله على العموم لأن خصوص السبب لا يقدح في عموم اللفظ . قيل : ويجوز أن يريد بالظهير الجماعة كقوله : { وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } [ التحريم : 4 ] كالصديق والخليط ، فعلى هذا يكون المراد بالكافر الجنس ، وأن بعضهم مظاهر لبعض على إطفاء نور الله قال تعالى : { وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي ٱلْغَيِّ } [ الأعراف : 202 ] . قوله : " عَلَى رَبِّهِ " يجوز أن يتعلق بـ " ظَهِيراً " ، وهو الظاهر ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه خبر " كان " و " ظهيراً " حال ، والظهير المعاون . قوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً } أي : منذراً ، ووجه تعلقه بما تقدم أن الكفار يطلبون العون على الله ورسوله والله تعالى بعث رسوله لنفعهم ، لأنه بعثه ليبشرهم على الطاعة وينذرهم على المعصية ، فيستحقوا الثواب ، ويحترزوا عن العقاب فلا جهل أعظم من جهل من استفرغ جهده في إيذاء شخص استفرع جهده في إصلاح مهماته ديناً ودنياً ، ولا يسألهم على ذلك ألبتة أجراً . قوله : { إِلاَّ مَن شَآءَ } فيه وجهان : أحدهما : وهو منقطع ، أي : لكن من يشاء { أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } فليفعل . والثاني : أنه متصل على حذف مضاف ، يعني : إلا أجر من ، أي : الأجر الحاصل على دعائه إلى الإيمان وقبوله ، لأنه تعالى يأجرني على ذلك . حكاه أبو حيان وفيه نظر ، لأنه لم يسند السؤال المنفي في الظاهر إلى الله تعالى إنما أسنده إلى المخاطبين فكيف يصح هذا التقدير . فصل المعنى : ما أسألكم على تبليغ الوحي من أجر ، فتقولوا إنما يطلب محمد أموالنا بما يدعونا إليه فلا نتبعه . وقوله : { إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } استثناء منقطع معناه : لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً بإنفاق ماله في سبيله فعل ذلك . والمعنى : لا أسألكم لنفسي أجراً ، ولكن لا أمنع من إنفاق المال في طلب مرضاة الله واتخاذ السبيل إلى جنته . قوله : { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ } الآية . لما تبين أن الكفار يتظاهرون على إيذائه ، وأمره أن لا يطلب منهم أجراً ، أمره بأن يتوكل عليه في دفع جميع المضار ، وفي جلب جميع المنافع ، وإنما قال : { عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ } ، لأن من توكل على الحي الذي يموت فإذا مات المتوكَّل عليه صار المتوكِّل ضائعاً ، وأما الله تعالى فهو حي لا يموت فلا يضيع المتوكِّل عليه . " وَسَبِّحْ بَحَمْدِهِ " قيل : المراد بالتسبيح الصلاة . وقيل : قل سبحان الله والحمد لله . { وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً } عالماً ، وهذه كلها يراد بها المبالغة ، يقال كفى بالعلم جمالاً ، وكفى بالأدب مالاً وهو بمعنى حسبك ، أي لا يحتاج معه إلى غيره ، لأنه خبير بأحوالهم قادرٌ على مكافأتهم وهذا وعيد شديد .