Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 82-86)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم } أي : مضمون القول ، أو أطلق المصدر على المفعول ، أي : المقول . ومعنى وقع القول عليهم : وجب العذاب عليهم ، وقال قتادة : إذا غضب الله عليهم { أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ ٱلأَرْضِ } . قوله : " تُكَلِّمُهُمْ " العامة على التشديد ، وفيه وجهان : أظهرهما : أنه من الكلام والحديث ، ويؤيده قراءة أُبيّ : " تُنَبِّئُهُمْ " وقراءة يحيى بن سلام : " تحدثهم " - وهما تفسيران لها . الثاني : " تجرحهم " ويدل عليه قراءة ابن عباس وابن جبير ومجاهد وأبي زرعة والجحدري " تَكْلُمُهُمْ " - بفتح التاء وسكون الكاف وضم اللام - من الكَلْمِ وهو الجرح ، وقد قرىء " تجرحهم " وجاء في الحديث : إنها تسم الكافر . قوله : " أنَّ النَّاسَ " قرأ الكوفيون بفتح " أن " والباقون بالكسر ، فأما الفتح فعلى تقدير الباء ، أي : بأن الناس ، ويدل عليه التصرح بها في قراءة عبد الله " بأنَّ النَّاسَ " . ثم هذه الباء يحتمل أن تكون معدية وأن تكون سببيّة ، وعلى التقديرين يجوز أن تكون " تُكَلِّمُهُمْ " بمعنييه من الحديث والجرح أي : تحدثهم بأن الناس أو بسبب أن الناس أو تجرحهم بأن الناس ، أي : تسمهم بهذا اللفظ أو تسمهم بسبب انتفاء الإيمان . وأما الكسر فعلى الاستئناف ، ثم هو يحتمل أن يكون من كلام الله تعالى - وهو الظاهر - وأن يكون من كلام الدابة ، فيعكر عليه " بِآيَاتِنَا " ويجاب عنه إما باختصاصها صح إضافة الآيات إليها ، كقولك : اتباع الملوك ودوابنا وخيلنا وهي لملكهم ، وإما على حذف مضاف أي : بآيات ربنا ، و " تُكَلِّمُهُمْ " إن كان من الحديث فيجوز أن يكون إما لإجراء " تُكَلِّمُهُمْ " مجرى تقول لهم ، وإما على إضمار القول أي : فتقول كذا ، وهذا القول تفسير لتكلمهم . فصل قال السدي : تكلمهم ببطلان الأديان سوى دين الإسلام . وقيل : تقول للواحد هذا مؤمن وهذا كافر . وقيل كلامهم ما قال { أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ } تخبر الناس أن أهل مكة لم يؤمنوا بالقرآن والبعث . قال ابن عمر : وذلك حين لا يؤمر بمعروف ولا ينهى عن منكر . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " بَادِرُوُا بالأَعْمَالِ ستّاً . طلوعَ الشمس من مغربها ، والدجالَ ، والدخانَ والدابةَ وخاصةَ أحدكم ، وأمرَ العامة " وقال عليه السلام : " إنّ أولَ الآياتِ خروجاً طلوعُ الشمس من مغربها ، وخروجُ الدابة على الناس ضحًى ، فأيتهما ما كانت قبل صاحبتها ، فالأخرى على أثرها " وقال عليه السلام : " يكون للدابة ثلاث خرجات من الدهر ، فتخرج خروجاً في أقصى اليمن ، فيفشوا ذكرها بالبادية ، ولا يدخل ذكرها القرية - يعني مكة - ثم تكمن زماناً طويلاً ، ثم تخرج خرجة أخرى قريباً من مكة ، فيفشوا ذكرها بالبادية ، ويدخل ذكرها القرية - يعني مكة - ثم بينا الناس يوماً في أعظم المساجد على الله حرمة ، وأكرمها على الله عزَّ وجلَّ يعني المسجد الحرام ، ثم لم يرعهم إلا وهي في ناحية المسجد تدنوا وتدنو " - قال الراوي : ما بين الركن الأسود إلى باب بني مخزوم عن يمين الخارج في وسط من ذلك - " فارفضّ الناس عنها ، وثبت لها عصابة عرفوا أنهم لم يعجزوا الله ، فخرجت عليهم تنفض رأسها من التراب فمرت بهم فجلت عنهم عن وجوههم ، حتى تركتها كأنها الكواكب الدرية ، ثم ولت في الأرض لا يدركها طالب ولا يعجزها هارب ، حتى إن الرجل ليقوم يتعوذ منها بالصلاة ، فتأتيه من خلفه ، فتقول : يا فلان الآن تصلي ، فيقبل عليها بوجهه فتسمه في وجهه ، فيتجاور الناس في ديارهم ، ويصطحبون في أسفارهم ويشتركون في الأموال ، يُعرَف الكافر من المؤمن ، فيقال للمؤمن يا مؤمن ، وللكافر يا كافر " . وقال عليه السلام : " تخرج الدابة ومعها عصا موسى وخاتم سليمان ، فتجلو وجه المؤمن بالعصا ، وتخطم أنف الكافر بالخاتم ، حتى إن أهل الخوان ليجتمعون ، فيقول هذا : يا مؤمن ، ويقول هذا : يا كافر " وروي عن عليّ قال : ليس بدابة لها ذَنَب ، ولكن لها لحية ، كأنه يشير إلى أنها رجل ، والأكثرون على أنها دابة ، لما روى ابن جريج عن أبي الزبير أنه وصف الدابة فقال : رأسها رأس الثور ، وعينها عين الخنزير ، وأن لها أذناً ، قيل : وقرنها قرن أيل وصدرها صدر أسد ، ولونها لون النمر ، وخاصرتها خاصرة هر ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير ، بين كل مفصلين اثني عشر ذراعاً ، معها عصا موسى وخاتم سليمان ، وذكر باقي الحديث . وروى حذيفة بن اليمان قال : " ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدابة ، قلت : يا رسول الله : من أين تخرج ؟ قال : " من أعظم حرمة المساجد على الله بينما عيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون إذ تضطرب الأرض تحتهم وينشق الصفا مما يلي المشعر ، وتخرج الدابة من الصفا أول ما يبدوا منها رأسها ملمعة ذات وبر وريش لن يدركها طالب ولن يفوتها هارب تسم الناس مؤمناً وكافراً ، أما المؤمن فتترك وجهه كأنه كوكب دري ، وتكتب بين عينيه مؤمن ، وأما الكافر فتنكت بين عينيه نكتة سوداء وتكتب بين عينيه : كافر " " وروي عن ابن عباس أنه قرع الصفا بعصا - وهو محرم - وقال : إن الدابة لتسمع قرع عصاي هذه وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " " بئس الشعب شعب جياد " ، مرتين أو ثلاثاً ، قيل : ولم ذاك يا رسول الله ؟ قال : " تخرج منه الدابة ، فتصرخ ثلاث صرخات يسمعها من بين الخافقين " وقال وهب : وجهها وجه الرجل ، وسائر خلقها خلق الطير فتخبر من رآها أن أهل مكة كانوا بمحمد والقرآن لا يوقنون . قوله : { وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً } ، أي من كل قرن جماعة . و { مِن كُلِّ أُمَّةٍ } يجوز أن يكون متعلقاً بالحشر ، و " مِنْ " لابتداء الغاية ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من " فَوْجاً " لأنه يجوز أن يكون صفة له في الأصل ، والفوج الجماعة كالقوم ، وقيدهم الراغب فقال : الجماعة المارة المسرعة . وكأن هذا هو الأصل ثم انطلق ، ولم يكن مرور ولا إسراع ، والجمع . أفواج وفووج . و " مِمَّن يُكَذِّبُ " صفة له ، و " مِنْ " في " مِنْ كُلِّ " تبعيضية ، وفي " مِمَّن يُكَذِّبُ " تبيينية . قوله : " فَهُمْ يُوزَعُونَ " أي يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا ثم يساقون إلى النار ، { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوا } يوم القيامة ، قَالَ لَهُمُ اللَّهُ : { أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً } ولم تعرفوها حتى معرفتها . والواو في " وَلَمْ تُحِيطُوا " يجوز أن تكون العاطفة وأن تكون الحالية ، و " عِلْماً " تمييز . قوله : " أمَّاذَا " أم هنا منقطعة ، وتقدم حكمها ، و " مَاذَا " يجوز أن يكون برمته استفهاماً منصوباً بـ " تَعْملون " الواقع خبراً عن " كُنْتُم " ، وأن تكون " ما " استفهامية مبتدأ , و " ذَا " موصول خبره , والصلة : " كُنْتُمْ تَعمَلُونَ " , وعائده محذوف ، أي : أي شيء الذي كنتم تعملونه ؟ وقرأ أبو حيوة " أمَا " بتخفيف الميم ، جعل همزة الاستفهام داخلة على اسمه تأكيداً كقوله : @ 3972 - أَهَلْ رَأَوْنَا بِوَادِي القُفِّ ذِي الأَكَمِ @@ قوله : { أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } حين لم يتفكروا فيها ، كأنه قال : ما لم تشتغلوا بذلك العمل المهم فأي شيء كنتم تعملونه بعد ذلك ثم قال : { وَوَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم } ، أي : وجب العذاب الموعود عليهم " بِمَا ظَلَمُوا " ، أي بسبب ظلمهم وتكذيبهم بآيات الله ، ويضعف جعل " مَا " بمعنى الذي { فَهُمْ لاَ يُنطِقُونَ } ، قال قتادة ، كيف ينطقون ولا حجة لهم ، نظيره قوله تعالى : { هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [ المرسلات : 35 - 36 ] ، وقيل : " لاَ يَنْطِقُونَ " لأن أفواههم مختومة . ثم إنه تعالى لما خوّفهم بأحوال القيامة ذكر كلاماً يصلح أن يكون دليلاً على التوحيد وعلى الحشر وعلى النبوة ، مبالغة في الإرشاد إلى الإيمان والمنع من الكفر ، فقال : { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا ٱلْلَّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } مضيئاً يبصر فيه . قوله : " لِيَسْكُنُوا فِيهِ " قيل : فيه حذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني ، ومن الثاني ما أثبت نظيره في الأول ، إذا التقدير : جعلنا الليل مظلماً ليسكنوا فيه , والنهار مبصراً ليتصرفوا فيه , فحذف " مظلماً " لدلالة " مبصراً " و " لتتصرفوا " لدلالة " ليسكنوا " . وقوله : " مُبْصِراً " كقوله : { آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً } [ الإسراء : 12 ] ، وتقدم تحقيقه في الإسراء ، قال الزمخشري : فإن قلت : ما للتقايل لم يراع في قوله : " لِيَسْكُنُوا " و " مُبْصِرَةٌ " حيث كان أحدهما علة ، والآخر حالاً ؟ قلت : هو مراعى من حيث المعنى وهكذا النظم المطبوع غير المتكلف يريد لم لا قال : والنهار لتتصرفوا فيها ، وأجاب غيره بأن السكون في الليل هو المقصود ( من الليل وأما الإبصار في النهار فليس هو المقصود ) لأنه وسيلة إلى جلب المنافع الدينية والدنيوية . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يصدقون فيعتبرون ، وخص المؤمنين بالذكر - وإن كانت الأدلة للكل - لأن المؤمنين هم المنتفعون ، كقوله : { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 2 ] .