Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 67-70)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلْمُفْلِحِينَ } لمّا بيَّن حال المعذبين أتبعه بذكر من يتوب منهم في الدنيا ترغيباً في التوبة ، وزجراً عن الثبات على الكفر ، وفي " عَسَى " وجوه : أحدها : أنه من الكرام حقيق ، والله أكرم الأكرمين . وثانيها : أنَّها للترجي للتائب وطمعه ، كأنه قال : فليطمع في الفلاح . وثالثها : عسى أن يكونوا كذلك إذا داموا على التوبة والإيمان ، لجواز أن لا يدوموا . قوله : { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ } نزلت هذه الآية جواباً للمشركين حين قالوا : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] ، يعني الوليد بن المغيرة ، أو عروة بن مسعود الثقفي ، أخبر الله تعالى أنه لا يبعث الرسل باختيارهم . قوله : { مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ } فيه وجوه : أحدها : أنَّ ما نافية ، فالوقف على " يَخْتَارُ " . والثاني : ما مصدرية أي يختار اختيارهم ، والمصدر واقع موقع المفعول ، أي مختارهم . الثالث : ان يكون بمعنى " الذي " والعائد محذوف ، أي ما كان لهم الخيرة فيه كقوله : { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } [ الشورى : 43 ] أي منه ، وجوَّز ابن عطية أن تكون كان تامة ، ولهم الخيرة جملة مستأنفة ، قال : ويتجه عندي أن يكون ما مفعول إذا قدَّرنا كان التامة ، أي : إن الله يختار كلَّ كائن ، ولهم الخيرة مستأنف معناه : تعديد النعم عليهم في اختيار الله لهم لو قبلوا . وجعل بعضهم في كان ضمير الشأن ، وأنشد : @ 4014 - أمِنْ سُمَيَّةَ دَمْعُ العَيْنِ تَذْرِيفُ لَوْ كَانَ ذَا مِنْكَ قَبْلَ اليَوْم مَعْرُوفُ @@ ولو كان ذا اسمها لقال معروفاً ، وابن عطية منع ذلك في الآية ، قال : لأن تفسير الأمر والشأن لا يكون بجملة فيها محذوف ، كأنه يريد أن الجار متعلق بمحذوف وضمير الشأن لا يفسر إلا بجملة مصرح بجزئيها إلا أنَّ في هذا نظراً إن أراده ، لأن هذا الجار قائم مقام الخبر ولا أظن أحداً يمنع : هو السلطان في البلد ، وهي الدار ، والخيرة : من التخير كالطيرة من التطير فيستعملان استعمال المصدر ، وقال الزمخشري { مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ } بيان لقوله " وَيَخْتَارُ " ، لأن معناه : ويختار ما يشاء ولهذا لم يدخل العاطف ، والمعنى أن الخيرة لله في أفعاله وهو أعلم بوجوه الحكمة فيها ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه . قال شهاب الدين : لم يزل الناس يقولون : إن الوقف على " يَخْتَار " والابتداء بما على أنها نافية هو مذهب أهل السنة ، ونقل ذلك عن جماعة كأُبيٍّ وغيره ، وأن كونها موصولة متصلة " يَخْتَارُ " غير موقوف عليه هو مذهب المعتزلة ، وهذا الزمخشري قد قرر كونها نافية وحصل غرضه في كلامه وهو موافق لكلام أهل السنة ظاهراً وإن كان لا يريده ، وهذا الطبري من كبار أهل السنة منع أن تكون نافية ، قال : لئلا يكون المعنى : أنه إن لم يكن لهم الخيرة فيما مضى وهي لهم فيما يستقبل ، وأيضاً فلم يتقدم نفي ، وهذا الذي قاله ابن جرير مرويّ عن ابن عباس ، وقال بعضهم : ويختار لهم ما يشاؤه من الرسل فـ " ما " على هذا واقعة على العقلاء . فصل إن قيل : " ما " للإثبات فمعناه : ويختار الله ما كان لهم الخيرة ، أي : يختار ما هو الأصلح والخير ، وإن قيل : ما للنفي أي : ليس إليهم الاختيار ، أو ليس لهم أن يختاروا على الله كقوله : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } [ الأحزاب : 36 ] ثم قال منزِّهاً نفسه سبحانه وتعالى " عَمَّا يُشْرِكُونَ " أي : إن الخلق والاختيار والإعزاز والإذلال مفوض إليه ليس لأحد فيه شركة ومنازعة ثم أكد ذلك بأنه { يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ } من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم " وَمَا يُعْلِنُونَ " من مطاعنهم فيه ، وقولهم : هلا اختير غيره في النبوة ، . ولما بيَّن علمه بما هم عليه من الغل والحسد والسفاهة قال : { وَهُوَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلأُولَىٰ وَٱلآخِرَةِ } ، وهذا تنبيه على كونه قادراً على كل الممكنات عالماً بكل المعلومات منزهاً عن النقائص والآفات { لَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلأُولَىٰ وَٱلآخِرَةِ } وهذا ظاهر على مذهب أهل السنة لأن الثواب غير واجب عليه بل يعطيه فضلاً وإحساناً ، و { لَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلأُولَىٰ وَٱلآخِرَةِ } ويؤكد قول أهل الجنة { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ } [ فاطر : 34 ] . { ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ } [ الزمر : 74 ] { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ يونس : 10 ] " ولَهُ الحُكْمُ " وفصل القضاء بين الخلق ، قال ابن عباس : حكم لأهل طاعته بالمغفرة ولأهل المعصية بالشقاء " وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ " أي : إلى حكمه وقضائه .