Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 164-164)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لقد من الله } جوابٌ لقسم محذوفٌ ، وقُرِئ : لَمِنْ مَنَّ الله - بـ " من " الجارة ، و " منِّ " - بالتشديد مجرورها - وخرَّجه الزمخشريُّ على وجهينِ : أحدهما : أن يكون هذا الجارُّ خبراً مقدماً والمبتدأ محذوفٌ ، تقديره : لمن من الله على المؤمنين مَنُّهُ ، أو بعثه إذ بَعَثَ فيهم ، فحذف لقيامِ الدَّلالةِ . الثاني : أنه جعل المبتدأ نفس " إذ " بمعنى : وقتٍ : وخبرها الجارُّ قبلها ، وتقديره : لمن من الله على المؤمنين وقت بَعْثِهِ ، ونظره بقولهم : أخطب ما يكون الأميرُ إذا كان قائماً . وهذان وجهانِ - في هذه القراءة - مما يدلان على رسوخ قدمِهِ في هذا العلمِ . قال شهابُ الدينِ : إلا أن أبا حيان قد ردَّ عليه الوجه الثاني بأن " إذْ " غيرُ متصرفةٍ ، لا تكون إلا ظرفاً ، أو مضافاً إليها اسم زمان أو مفعولة بـ " اذكر " - على قول - ونقل قول أبي علي - فيها وفي " إذا " أنهما لم يردا في كلام العربِ إلا ظرفين ، ولا يكونان فاعلين ، ولا مفعولين ، ولا مبتدأين . قال : ولا يحفظ من كلامهم : إذْ قام زيد طويل - يريد : وقت قيامه طويل - وبأن تنظيره القراءة بقولهم : أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائماً ، خطأ ؛ من حيث أن المشبه مبتدأ ، والمشبهُ به ظرف في موضعِ الخبرِ - عند من يُعْرِب هذا الإعرابَ - ومن حيثُ إنَّ هذا الخبرَ - الذي قد أبرزه ظاهراً - واجب الحذف ؛ لسَدِّ الحال مَسَدَّه ، نص عليه النحويونَ الذين يعربونه هكذا ، فكيف يبرزه في اللفظ ؟ قال شهابُ الدين : " وجواب هذا الردِّ واضحٌ وليت أبا القاسم لم يذكر تخريج هذه القراءة ؛ لكي نسمع ما يقول هو " . والجمهورُ على ضم الفاء - من أنفسهم - أي : من جملتهم وجنسهم ، وقرأت عائشةُ ، وفاطمة والضّحّاكُ ، ورواها أنس عنه صلى الله عليه وسلم بفتح الفاء ، من النفاسة - وهي الشرف - أي : من أشرفهم نسباً , وخَلْقاً ، وخُلُقاً . وعن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنا أنفسكم نسباً ، وحسباً ، وصهراً " وهذا الجارُّ يحتمل وجهين : الأول : أن يتعلق بنفس " بعث " . الثاني : أن يتعلق بمحذوف ، على أنه وصف لـ " رسولاً " فيكون منصوب المحل ، ويقوي هذا الوجه قراءة فتح الفاء . فصل في المراد بـ " أنفسهم " قيل : أراد به العرب ؛ لأنه ليس حَيّ من أحياء العرب إلا وقد ولد صلى الله عليه وسلم ولد فيهم نسب ، إلا بني تغلب ، لقوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ } [ الجمعة : 2 ] . وقال آخرون : أراد به جميع المؤمنين . ومعنى قوله : " من أنفسهم " أي : بالإيمان والشفقة ، لا بالنسب ، كقوله تعالى : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } [ التوبة : 128 ] . ووجه هذه المِنَّة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى ما يُخَلِّصُهم من عقابِ الله ، ويوصلهم إلى ثواب الله ، كقوله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] وأيضاً كونه من أنفسهم لأنه لو كان من غير جنسهم لم يَرْكَنوا إليه . وخص هذه المنة بالمؤمنين لأنهم المنتفعون بها ، كقوله : { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 2 ] . فصل قال الواحدي : المَنّ - في كلام العرب - بإزاء مَعَانٍ : أحدها : الذي يسقط من السماء ، قال تعالى : { وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ } [ البقرة : 57 ] . ثانيها : أن تُمَنَّ بما أعطيتَ كقوله : { لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ } [ البقرة : 264 ] . ثالثها : القَطْع ، كقوله : { لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } [ الانشقاق : 25 ] وقوله : { وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ } [ القلم : 3 ] . رابعها : الإنعام والإحسان إلى مَنْ يطلب الجزاء منه ، ومنه قوله : { هَـٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ ص : 39 ] . وقوله : { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } [ المدثر : 6 ] . والمنَّان - في صفة الله تعالى - : المُعْطِي ابتداءً من غير طلب عِوَضٍ ، ومنه الآية : { لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ } [ آل عمران : 164 ] أي : أنعم عليهم ، وأحْسَن إليهم ببعثِهِ هذا الرسول . قوله : { يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ } في محل نصب حال ، أو مستأنف . وقال القرطبي : " يتلو " في موضع نصب ، نعت لـ " رسولاً " - وقد تقدم نظيرها في البقرة . { وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ } [ آل عمران : 164 ] معنى الآية : يبلغهم الوحي ، ويطهرهم ، ويعلمهم الكتاب - أي : معرفة الأحكام الشرعية - والحكمة - أي : أسرارها وعِلَلَها ومنافعها - ثم قال : { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } وهذا وَجْه النعمة ؛ لأن ورود العلم عقيب الجهل من أعظم النعم . قوله : { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } هي " إن " المخففة ، واللام فارقة - وقد تقدم تحقيقه - إلا أن الزمخخشري ومكيًّا - هنا - حين جعلاها مخففة قدَّرَا لها اسماً محذوفاً . فقال الزمخشري : " وتقديره : إن الشأن ، وإن الحديث كانوا من قبل " . وقال مكي : " وأما سيبويه فإنه قال " إن " مخففة من الثقيلة ، واسمها مضمر ، والتقدير - على قوله - : وإنهم كانوا من قبل لفي ضلال مبين " . وهذا ليس بجيّد ؛ لأن " إن " المخففة إنما تعمل في الظاهر - على غير الأفصح - ولا عمل لها في المضمر ولا يقَدَّر لها اسمٌ محذوفٌ ألبتة ، بل تُهْمَل ، أو تعمل - على ما تقدم - مع أن الزمخشريَّ لم يُصَرِّحْ بأن اسمها محذوف ، بل قال : " إن " هي المخففةٌ من الثَّقِيلَةِ ، واللام فارقة بينها وبين النافية ، وتقديره : وإن الشأن والحديث كانوا ؛ وهذا تفسيرُ معنى لا إعراب . وفي هذه الجملة وجهان : أحدهما : أنها استئنافية ، لا محلَّ لَهَا مِنَ الأعْرَاب . والثاني أنها محل نَصْب على الحال من المفعول به - في : " يعلمهم " وهو الأظهر .