Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 64-64)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِلَىٰ كَلِمَةٍ } مُتَعَلِّق بـ " تَعَالَوْا " فذكر مفعول " تَعَالَوْا " بخلاف " تَعَالَوْا " قبلها ، فإنه لم يذكر مفعوله ؛ فإن المقصودَ مُجَرَّدُ الإقبال ، ويجوز أن يكون حذفه للدلالة عليه ، تقديره : تعالوا إلى المباهلة . وقرأ العامة " كَلِمَةٍ " - بفتح الكاف وكسر اللام - وهو الأصل ، وقرأ أبو السَّمَّال " كِلْمَةٍ " بوزن سدرة و " كَلْمَةٍ " كَضَرْبَة وتقدم هذا قريباً . وكلمة مفسَّرة بما بعدها - من قوله : " ألاّ نَعْبُدَ إلاَّ الله " - فالمرادُ بها كَلاَمٌ كَثِيرٌ ، وهَذا مِنْ بَابَ إطلاق الجزء والمراد به الكل ، ومنه تسميتهم القصيدة جميعاً قافيةً - والقافية جزء منها قال : [ الوافر ] @ 1496 - أعَلِّمُهُ الرِّمَايَةَ كُلَّ يَوْمٍ فَلَمَّا اشتدَّ سَاعِدُهُ رَمَانِي وَكَمْ عَلَّمْـُهُ نَظْمَ الْقَوَافِي فَلَمَّا قَالَ قَافِيَةً هَجَانِي @@ ويقولون كلمة الشهادة - يعنون : لا إله إلا الله ، مُحَمدٌ رَسُولُ اللهِ - وقال صلى الله عليه وسلم : " أصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالهَا شاعرٌ كلمة لبِيدٍ " . يريد : [ الطويل ] @ 1497 - ألا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللهَ بَاطِلُ وَكُلُّ نَعِيمٍ - لا مَحَالَةَ - زَائِلُ @@ وهذا كما يسمون الشيء بجزئه في الأعيان ، لأنه المقصود منه ، قالوا لرئيس القوم - وهو الذي ينظر لهم ما يحتاجون إليه - : عَيْن ، فأطلقوا عليه " عيناً " . وقال بعضهم : وُضِعَ المفردُ موضعَ الجمع ، كما قال : [ الطويل ] @ 1498 - بِهَا جِيَفُ الْحَسْرَى ، فَأمَّا عِظَامُهَا فَبِيضٌ ، وَأمَّا جِلدُهَا فَصَلِيبُ @@ وقيل : أطلقت الكلمة على الكلمات ؛ لارتباط بعضها ببعضٍ ، فصارت في قوة الكلمة الواحدة - إذا اخْتلَّ جُزْءٌ منها اختلت الكلمةُ ؛ لأن كلمة التوحيد - لا إله إلا الله - هي كلماتٌ لا تتم النسبة المقصودة فيها من حصر الإلهية في " الله " إلا بمجموعها . وقرأ العامة " سَوَاءٍ " بالجر ؛ نعتاً لِـ " كَلِمَةٍ " بمعنى عَدْلٍ ، ويدل عليه قراءة عبد الله : إلى كلمة عدل ، وهذا تفسير لا قراءة . وسواء في الأصل - مصدر ، ففي الوصف التأويلات الثلاثة المعروفة ، ولذلك لم يُؤنث كما لم تؤنث بـ " امرأة عدل " ؛ لأن المصادر لا تُثَنَّى ، ولا تُجْمَع ، ولا تُؤنَّثُ ، فإذا فتحت السين مَدَدْتَ ، وإذا كسرتَ أو ضممت قصرت ، كقوله : { مكَانًا سُوًى } [ طه : 58 ] . وقرأ الحسن " سَوَاءٌ " بالنصب ، وفيها وجهان : أحدهما : نصبها على المصدر . قال الزمخشريُّ : " بمعنى : اسْتَوْتِ اسْتِوَاءً " ، وكذا الحوفيّ . والثاني : أنه منصوب على الحال ، وجاءت الحالُ من النكرةِ ، وقد نصَّ عليه سيبويه . قال أبو حيّان : " ولكن المشهور غيره ، والذي حسَّن مجيئَها من النكرة - هنا - كونُ الوَصْفِ بالمصدر على خلاف الأصل ، و الصفة والحال متلاقيان من حيث المعنى " . وكأن أبا حيان غض من تخريج الزمخشريِّ و الحوفيّ ، فقال : " والحال والصفة متلاقيان من حيثُ المعنى ، والمصدر يحتاج إلى إضمار عاملٍ ، وإلى تأويل " سواء " بمعنى استواء " . والأشهر استعمال " سَوَاء " بمعنى اسم الفاعل - أي : مُسْتوٍ . قال شهاب الدين : " وبذلك فسَّرها ابن عباس ، فقال : إلى كَلِمَةٍ مُسْتَوِيَةٍ " . قوله : { أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ } فيه ستة أوجهٍ : أحدها : أنه بدل من " كَلِمةٍ " - بدل كل من كل . الثاني : بدل من " سَوَاء " جوزه أبو البقاء ؛ وليس بواضح ، لأن المقصود إنما هو الموصوف لا صفته فنسبة البدلية إلى الموصوف أوْلَى ، وعلى الوجهين فـ " أنْ " وما في حَيِّزها في محل جَرٍّ . الثالث : أنه في محل رَفْع ؛ خبراً لمبتدأ مُضْمَرٍ ، والجملة استئناف ، جواب لسؤال مقدَّر ، كأنه لما قيل : { تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلَمَةٍ } قال قائل : ما هي ؟ فقيل : هي أن لا نعبد إلا الله ، وعلى هذا الأوجه الثلاثة فـ " بَيْنَ " منصوب بـ " سَوَاءٍ " ظرفاً له ، أي : يقع الاستواء في هذه الجهة . وقد صرَّح بذلك [ الشاعر ] ، حيث قال : [ الوافر ] @ 1499 - أرُونِي خُطَّةً لا عَيبَ فيهَا يُسَوِّي بَيْنَنَا فِيهَا السَّوَاءُ @@ والوقف التام - حينئذ - عند قوله : { مِّن دُونِ ٱللَّهِ } ؛ لارتباط الكلام معنًى وإعراباً . الرابع : أن يكون " أنْ " وما في حَيِّزها في محل رفع بالابتداء ، والخبرُ : الظرفُ قبله . الخامس : جوَّز أبو البقاء أن يكون فاعلاً بالظرف قبله ، وهذا إنما يتأتَّى على رأي الأخفش ؛ إذا لم يعتمد الظرفُ . وحينئذ يكون الوقف على " سَوَاءٍ " ثم يبتدأ بقوله : { بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ } وهذا فيه بُعْدٌ من حيثُ المعنى ، ثم إنهم جعلوا هذه الجملة صفة لـ " كَلِمةٍ " ، وهذا غلط ؛ لعدم رابطة بين الصفة والموصوف ، وتقدير العائد ليس بالسهل . وعلى هذا فَقوْل أبي البقاء : وقيل : تم الكلامُ على " سَوَاءٍ " ، ثم استأنف ، فقال : { بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ } ، أي : بيننا وبينكم التوحيد ، فعلى هذا يكون { أَلاَّ نَعْبُدَ } مبتدأ ، والظرف خبره ، والجملة صفة لـ " الكلمة " ، غير واضح ؛ لأنه - من حيث جعلها صفة - كيف يحسن أن يقول : تم الكلام على " سَوَاءٍ " ثم استأنف ؟ بل كان الصواب - على هذا الإعراب - أن تكون الجملة استئنافية - كما تقدم . السادس : أن يكون : { أَلاَّ نَعْبُدَ } مرفوعاً بالفاعلية بـ " سَوَاءٍ " ، وإلى هذا ذَهَب الرُّمَّانِيُّ ؛ فإن التقدير - عنده - إلى كلمة مستوٍ فيها بيننا وبينكم عدم عبادةُ غيرِ الله تعالى . قال أبو حيّان : " إلا أن فيه إضمارَ الرابطِ - وهو فيها - وهو ضعيف " . فصل لما أوْرَد صلى الله عليه وسلم على نصارى نجران أنواعَ الدلائل ، دعاهم إلى الْمُبَاهَلَةِ فخافوا ، وما شرعوا فيها ، وقبلوا الصَّغَارَ بأداء الجزية ، وكان صلى الله عليه وسلم حريصاً على إيمانهم ، فكأنه - تعالى - قال : يا محمدُ ، اترك ذلك المنهجَ من الكلام ، واعدل [ إلى ] منهج آخرَ يشهد كلُّ ذي عقل سليم ، وطبع مستقيم أنه [ متين ] مبنيٌّ على الإنصاف وتَرْك الجدال " قل يا أهل الكتاب هلموا إلى كلمة سواءٍ " فيها إنصافٌ لبعضنا من بعض ، ولا ميل فيها لأحدٍ على صاحبه ، وهي : { أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً } فهذا وَجْهُ النَّظم . فصل وفي المراد بأهل الكتاب ثلاثة أقوال : أحدها : أن المراد : نصارَى نجرانَ . الثاني : اليهود من المدينة . الثالث : أنها نزلت في الفريقين ، ويدل على هذا وجهان : الأول : أن ظاهر اللفظ يتناولهما . الثاني : قال المفسّرون - في سبب النزولِ - : قدم وَفْد نجران المدينة ، فالتَقَوْا مع اليهود ، واختصموا في إبراهيم - عليه السلامُ - فزعمت النصارى أنه كان نَصْرانيًّا ، وأنه على دينهم ، وأنهم وهم على دينه وأوْلَى الناس به ، [ وقالت ] اليهودُ : بل كان يهودياً ، , أنهم على دينه ، وأوْلَى الناس به ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كِلاَ الْفَرِيْقَيْنِ بَرِيءٌ من إبْرَاهِيمَ وَدِيْنِهِ ؛ كَانَ حَنيفاً مسلِماً ، وَأنَا عَلَى دِينِهِ فاتَّبِعُوا دِينَهُ الإسْلامَ " فقالت اليهودُ : يا محمدُ ، ما تريد إلا أن نتخذَك رَبًّا كما اتخذت النصارى عيسى ربًّا ، وقالت النصارى : يا محمد ما تريد إلا أن نقول فيك ، كما قالت اليهود في عُزَيْرٍ ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . قال ابن الخطيب : " وعندي أن الأقرب حَمْلُه على النصارى ؛ لما بيَّنَّا في وجه النَّظْم أنه لما أورد - الدلالة عليهم أولاً ، ثم باهلهم ثانياً ، فعدل عن هذا المقام إلى الكلام المبني على غاية الإنصاف ، وترك المجادلةِ ، وطلبِ الإقْحام والإلزام ، ويدل عليه أنه خاطَبَهُم - هنا - بقوله : { يَٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } ، وهذا الاسم من أحسن الأسماء ، وأكمل الألقاب ؛ حيث جعلهم أهلاً للكتاب ، ونظيره ما يقال لحافظ القرآن : حَامِلَ كتاب الله العزيز ، وللمفسِّر يا مُفَسِّرَ كلام اللهِ ، فإن هذا اللقبَ يدل على أن قائله أراد المبالغة في تعظيم المخاطَب ، وتَطْييب قَلْبِه ، وذلك إنما يُقال عند عدول الإنسانِ مع خَصْمه عن طريقة اللَّجَاج والنزاع إلى طريقة طلب الإنْصَافِ " . قوله : { تَعَالَوْا } هَلُمُّوا { إِلَىٰ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ } فيها إنصافٌ من بعضنا لبعض ، لا ميل فيه لأحد على صاحبه . والسواء : هو العَدْل والإنصاف ؛ لأن حقيقةَ الإنصاف إعطاء النصف ، فإن الواجب في العقول ترك الظلم على النفس وعلى الغير ، وذلك لا يحصل إلا بإعطاء النصف ؛ لكي يُسَوِّي بين نفسه وبين الغير . ثم إنه تعالى ذكر ثلاثةَ أشياءَ : الأول : أن لا نعبدَ إلا اللهَ . الثاني : أن لا نُشْركَ به شيْئاً . الثالث : أن لا يتخذَ بعضُنا بعضاً أرْباباً مِن دونِ اللهِ . ودون - هذه - بمعنى : " غير " . إنما ذكر هذه الثلاثة ؛ لأن النصارَى جمعوا بينها ، فعبدوا غيرَ الله - وهو المسيح - وأشركوا بالله غيره ؛ لأنهم يقولون : إنه ثلاثة : أب وابن وروح القدس ، واتخذوا أحبارهم أرباباً من دون الله ؛ لأنهم كانوا يطيعونهم في التحليل والتحريم ، وكانو يسجدون لهم ، ويطيعونهم في المعاصي ، قال تعالى : { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } [ التوبة : 31 ] . قال أبو مُسْلِم : ومذهبهم أن مَن صار كاملاً في الرياضة والمجاهدة ظهر فيه أثَرُ اللاهوت ، فيقدر على إحياء الموتَى ، وإبراء الأكْمَهِ والأبْرَصِ ، فإنهم - وإن لم يُطْلقوا عليه لفظ " الرَّبِّ " - أثبتوا في حقه معنى الربوبية ، وهذه الأقوال الثلاثة باطلة . أما الأول : فإن قبل المسيح ما كان المعبود إلا الله ، فوجب أن يَبْقَى الأمر بعد ظهور المسيح على ما كان . الثاني : والقول بالشرك باطل باتفاق الكُلِّ . والثالث : - أيضاً باطل - ؛ لأنه إذا كان الخالق والرازق والمُنْعِم - بجميع النعم - هو الله وجب أن لا يرجع في التحليل ، والتحريم ، والانقياد ، والطاعة إلا إليه ، - دون الأحْبار والرُّهبان . وقوله : { وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } قال القرطبي : معنى قوله : { وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } أي لا نتبعه في تحليل شيء أو تحريمه ، إلا فيما حلَّلَه الله - تعالى - وهو نظير قوله تعالى : { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } [ التوبة : 31 ] أي : أنزلوهم منزلةَ ربهم في قبول تحريمهم وتحليلهم لِما لم يحرمْه الله ولم يحللْه ، وهذا يدل على بُطْلان القول بالاستحسان المجردِ الذي لا يستند إلى دليلٍ شرعيٍّ . قال إلكيا الطبريُّ : " مثل [ استحسانات ] أبي حنيفة في التقديرات التي قدرها دون [ مستندات بينة ] " . قال عكرمةُ : " هو سجودُ بعضهم لبعض " ، أي : لا نسجد لغير الله ، وكان السجود إلى زمان نبينا عليه السلامُ - ثم نُهِيَ عنه . وروى ابن ماجه - في سننه - عن أنس ، قال : " " قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، أيَنحَنِي بَعْضُنَا لِبَعْضٍ ؟ قال : لاَ ، قُلْنَا : أيُعَانِقُ بَعْضُنَا بَعْضاً ؟ قَالَ : لا ، وَلَكِنْ تَصَافَحُوا " . وقيل : لا نطيع أحداً في معصية الله . قوله : { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ } . قال أبو البقاء : هو ماضٍ ، ولا يجوز أن يكون التقدير : " فإن تتولوا " لفساد المعنى ؛ لأن قوله : { فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ } خطاب للمؤمنين ، و " يَتولّوا " للمشركين وعند ذلك لا يبقى في الكلام جوابُ الشرط ، والتقدير : فقولوا لهم وهذا ظاهر . والمعنى : إن أبَوْا إلا الإصرارَ فقولوا لهم : اشْهَدُوا بأنا مسلمون [ مخلصون بالتوحيد ] .