Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 23-30)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ } لما قرر الأصول الثلاثة عاد إلى الأمثل الذي بدأ به وهو الرسالة المذكورة في قوله : { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ } [ السجدة : 3 ] وقال : إنَّكَ لَسْتَ بدْعاً مِنَ الرُّسُلِ بل كان قبلك رسلٌ مثلُك ، وذكر موسى لقربه ( من ) النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ووجود من كان على دينه إلزاماً لهم ، وإنما لم يختر عيسى - عليه ( الصلاة و ) السلام ( للذكر ) والاستدلال لأن اليهود ما كانوا يوافقون على نبوّته ، وأما النصارى فكانوا يعترفون بنُبُوَّة عيسى عليه السلام فتمسك بالمجمع عليه . قوله : { فَلاَ تَكُنْ فِي مَرْيَةٍ } قرأ الحسن بالضم وهي لُغَةٌ ، وقوله : " مِنْ لِقَائِهِ " في الهاء أقوال : أحدها : أنها عائدة على " مُوسَى " والمصدر مضاف لمفعوله أي من لقائِكَ مُوسى ليلةَ الإسراء . وامْتَحَنَ المبردُ الزجاجَ في هذه المسألة فأجاب بما ذكر ، قال ابن عباس وغيره : المعنى فلا تكن في شَكٍّ من لقاء موسى فإنك تراه وتلقاه ، روى ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسري بي مُوسىَ رَجُلاً آدَمَ طُوالاً جَعْداً كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ ، وَرَأَيْتُ عِيسَى رَجُلاً مَرْبُوعاً إلى الحُمرةِ والبَيَاض سَبْط الرأس ، ورأيتَ مالِكاً خَازِنَ النَّارِ والدَّجَّال في آيات أَراهَنَي اللَّهُ إيَّاهُ " . والثاني : أن المضير يعود على " الكتاب " وحينئذ يجوز أن تكون الإضافة للفاعل أي من لقاء الكتاب لموسى أو للمفعول أي من لقاء موسى الكتاب لأن اللقاءَ يصح نسبته إلى كل منهما ، لأن من لقيك فقد لقيته . قال السدي المعنى فلا تكن في مِرْيَةٍ من لقائه أي تلقى موسى كتاب الله بالرضا والقبول . الثالث : أي يعود على الكتاب على حذف مضاف أي من لقاء مثل كتاب موسى . الرابع : أنه عائد على ملك الموت لتقدم ذكره . الخامس : عوده على الرجوع المفهوم من قوله : { إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } [ السجدة : 11 ] أي لأنك في مرية من لقاء الرجوع . السادس : أنه يعود على ما يفهم من سياق الكلام مِمَّا ابتلي به موسى من البلاء والامْتِحَان ، قاله الحسن . أي لا بدّ ان يلقى ما لقي موسى من قومه فاختار موسى عليه السلام لحكمة وهي أن أحداً من الأنبياء لم يؤذِهِ من قومه إلا الذين لم يؤمنوا ، وأما الذين آمنوا به فلم يخالفوه غير قوم موسى عليه السلام فإن من لا آمن به آذاه كفرعون ( وغيره ) ومن آمن به من بني إسرائيل أيضاً ( آذاه ) بالمخالفة وطلب أشياء مثل رؤية الله جهرة وكقولهم : { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ } [ المائدة : 24 ] . وأظهر هذه الأقوال أن الضمير إما لموسى وإما للكتاب ، ثم بين ( أن له هداية غير عادية عن المنفعة كما أنه لم تحل هداية موسى حيث جعل الله كتاب موسى هدى ) وجعل منهم أئمة يهدون كذلك يجعل كتابك هدى ويجعل من أمتك صحابة يهدون كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُم اهْتَدَيْتُمْ " ، ثم بين أن ذلك يحصل بالصبر فقال : { لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } . فصل " لَمَّا صَبَرُوا " قرأ الأخوان بكسر اللام وتخفيف الميم ، على أنها لام الجر و ( " ما " ) مصدرية ، والجار متعلق بالجعل أي جعلناهم كذلك لصبرهم ولإيقانهم ، والباقون بفتحها وتشديد الميم . وهي " لمَّا " التي تقتضي جواباً وتقدم فيها قولا سيبويه والفارسي ، والمعنى حين صبروا على دينهم وعلى البلاء من عدوهم بمصْرَ . قوله : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقَيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } هذا يصلح أن يكون جواباً لسؤال وهو أنه تعالى لما قال : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ } فكان لقائل أن يقول : كيف يَهْدُونَ وهم اختلفوا وصاروا فِرَقاً والحق واحد ؟ فقال ( الله ) يبين المبتدع من المتبع كما يبين المؤمن من الكافر يوم القيامة . قوله : { أَوَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ } يتبين لهم { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ } لما أعاد ذكر الرسالة أعاد ذكر التوحيد وقال : { أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ } وقوله { يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ } أي مساكن المُهْلَكِينَ ( دلالة على حالتهم ) وأنتم تمشون فيها وتبصرونها { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ } آيات الله وعِظَاته واعتبر السمع لأنهم ما كان لهم قوة الإدراك بأنفسهم والاستنباط بعقولهم فقال : " أفلا يسمعون " ( يعني ) ليس لكم درجة المتعلم الذي يسمع الشيء ويفهمه . قوله : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ } قرىء الجُرْز - بسكون الراء - وتقدم أول الكهف . وهي الأرض اليابسة الغليظة التي لا نبات فيها ، قال ابن عباس : هي أرض باليمن ، وقال مجاهد : هي أرض بأنين . والجرز هو القطع فكأنها المقطوع عنها الماء والنبات . لما بين الإهلاك وهو الإماتة بين الإحياء ليكون إشارة إلى أن الضرر والنفع بيد الله ثم قال : { فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ } من العشب والتبن " وأَنْفُسُهُمْ " من الحبوب والأقوات ، وقدم الأنعام على الأنفس في الأكل لوجوه : الأول : أن الزرع أول ما ينبت للدوابِّ ولا يصلح للإنسان . الثاني : أن الزرع غذاء للدواب لا بدّ منه وأما غذاء الإنسان فقد يصلح للحيوان فكان الحيوان يأكل الزرع ثم الإنسان يأكل من الحيوان . قوله : " أَفَلاَ يُبْصِرُونَ " قرأ العامة بالغيبة ، ( وابن مسعود ) بالخطاب التفاتاً . وقال تبصرون لأن الأمر ( يرى ) بخلاف حال الماضي فإنها كانت مسموعة . ثم لما بين الرسالة والتوحيد بيّن الحشر فقال : { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } قيل : أراد بيوم الفتح يوم القيامة الذي فيه الحكم بين العابد قال قتادة : قال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - للكفار : إنّ لنا يوماً ننعم فيه ونستريح ويحكم الله بيننا وبينكم فقالوا استهزاء : { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ } أي القضاء والحكم . وقال الكلبي : يعني فتح مكة ، وقال السدي : يوم بدر لأن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يقولون لهم إن الله ناصرنا ومظهرنا عليكم فيقولون متى هذا الفتح . فصل " يوم الفتح " منصوب " بلاَ يَنْفَعُ " و " لا " غير مانعة من ذلك . وقد تقدم فيها مذاهب والمعنى يوم الفتح يوم القيامة لا ينفع الذين كفروا إيمانُهُمْ . ومن حمل الفتح على فتح مكة والقتل يوم بدر قال معناه لا ينفع الذين كفروا إيمانهم إذا جاءهم من العذاب وقُتِلُوا { وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ } أي لا يُمْهَلُونَ بالإعادة إلى الدنيا ليؤمنوا ، ثم لما بين أن الدلائل لم تنفعهم قال : " فَأَعْرَضْ عَنْهُمْ " قال ابن عباس : نسختها آية القتال . قوله : { وَٱنتَظِرْ إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ } العامة على كسر الظاء من " مُنْتَظِرٍ " اسم فاعل ، والمفعولُ من " انْتَظَر " ومن " مُنْتَظِرُونَ " محذوف أي انتظر ما يَحُلُّ بهم إنهم منتظرون ( على زَعْمِهمْ ما يحل بك . وقرا اليَمَانِيُّ : " مُنْتَظَرُونَ " ) اسم مفعول . قيل : المعنى انتظر موعدي لك بالنصر إنهم منتظرون بك حوادث الزمان . وقيل : انتظر عذابنا فيهم إنهم منتظرون ذلك وعلى هذا فلا فرق بين الانتظار . وقيل : انتظر عذابهم بنفسك إنهم منتظرونه بلفظهم استهزاءاً كما قالوا : { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ } [ الأعراف : 70 ] . فصل روى أبو هريرة قال : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الفجر يوم الجمعة { الۤـمۤ . تَنْزِيل } و { هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ } " . وعن جابر قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينام حتى يقرأ تَبَارَكَ . والۤـمۤ . تنزيل ، ويقول : هما يَفْضُلاَن عَلَى كُلِّ سُورةٍ في القرآن سبعينَ سَنَةً ، ومن قرأهما كُتِبَ له سَبْعُونَ حَسَنَةً ، ومُحِيَ عنه سَبْعُونَ سَيِّئَةً ، ورُفِعَ له سَبْعُونَ دَرَجَةً " . وروى الثعلبي عن ابن عباس عن أُبَيٍّ بن كعب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " مَنْ قَرَأَ سورة " الۤـمۤ . تَنْزِيلُ " أَعْطِيَ من الأجْرِ كَمَنْ أَحْيَا لَيْلَةَ القَدْرِ " والله أعلم .