Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 38-49)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { لَذَآئِقُو ٱلْعَذَابَ } العامة على حذف النون والجر . وقرأ بعضهم بإثباتها والنصب هو الأصل . وقرأ أبان بن تَغْلِب - عن عاصم وأبو السَّمَّال في رواية - بحذف النون والنصب أَجْرَى النون مُجْرَى التنوين في حذفها لالتقاء الساكنين كقوله : { أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } [ الإخلاص : 1 - 2 ] ( و ) . @ 4192 - وَلاَ ذَاكِر اللَّه إلاَّ قَلِيلاً @@ وقال أبو البقاء : قرىء شاذا بالنصب . وهو سهو من قارئه لأن اسم الفاعل يحذف منه النون وينصب إذا كان فيه الألف واللام ، قال شهاب الدين : وليس بسهوٍ لما تقدم ، وقرأ أبو السمال أيضاً لذائق بالإفراد والتنوين الْعَذَابَ نصباً . وتخريجه . على حذف اسم جمع هذه صفته أي إنكم لفريقٌ أو لجمعٌ ذائقٌ ليتطابق الاسم والخبر في الجَمْعِيَّة . ثم كأنه قيل : فكيف يليق بالرحيم الكريم المتعالي عن النفع والضر أن يعذب عباده ؟ فأجاب بقوله : { وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي " إلا جزاء ما كنتم تعملون " . قوله : { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ } استثناء منقطع أي لكن عباد الله المخلصين الموحدين ، وقوله : " أُوْلَئِكَ لَهُمْ " بيان لحالهم ، وقد تقدم في فتح اللام وكسرها من المُخْلَصِينَ قراءتان فمن قرأ بالفتح فالمعنى أن الله تعالى أخلصهم واصطفاهم بفضله . والكسر هو أنهم أخلصوا الطاعة لله تعالى . والرزق المعلوم قيل : بُكْرَةً وعَشِيًّا لقوله : { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } [ مريم : 62 ] فيكون المراد منه معلوم الوقت وهو مقدار غَدْوَةٍ أو عَشْوَة وإن لم يكن ثم بكرة ولا عشية . وقيل : ذلك الرزق معلوم الصفة أي مخصوصاً بصفات من طيب طعم ولذة وحسن منظر . وقيل معناه أنهم يتيقنون دوامة لا كرزق الدنيا الذي لا يعلم متى يحصل ومتى ينقطع وقيل : معلوم القدر الذي يستحقونه بأعمالهم من ثواب الله وقد ( بين أنه ) تعالى يعطيهم غير ذلك تَفَضُّلاً . قوله : " فَوَاكِهُ " يجوز أن يكون بدلاً من " رزقٍ " وأن يكون خبر ابتداء مضمر أي ذلك الرزق فَوَاكِهُ ، وفي الْفَوَاكِهِ قَوْلاَنِ : أحدهما : أنها عبارة عما يؤكل للتلذذ لا للحاجة وأرزاق أهل الجنة كلها فواكه لأنهم مستغنون عن حفظ الصحّة بالأقوات فإن أجسامهم محكومة ومخلوقة للأبد فكل ما يأكلونه فهو على سبيل التلذذ . والثاني : أن المقصود بذكر الفاكهة التنبيه بالأدنى على الأعلى ، لما كانت الفاكهة حاضرة أبداً كان المأكول للغذاء أولى بالحضور . قوله : " وَهُم مُّكْرَمُونَ " قرأ العامة مُكْرَمُونَ خفيفة الراء . و ( ابن ) مِقْسِم بتشديدها . والمعنى وهم مُكَرَّمُونَ بثواب الله في جنات النعيم لما ذكر مأكولهم ذكر مسكنهم . وقوله " فِي جَنَّاتِ " يجوز أن يتعلق " بمُكْرَمُونَ " وأن يكون خيراً ثانياً وأن يكون حالاً . قوله : " عَلَىٰ سُرُرٍ " العامة على ضم الراء . وأبو السَّمَّال بفتحها . وهي لغة بعض كَلْبٍ ، وتميم يفتحون عين " فُعُلٍ " جمعاً إذا كان اسماً مضاعفاً . وأما الصفة نحو : ذُلُل ففيها خلاف . والصحيح أنه لا يجوز لأنَّ السماع ورد في الجوامد دون الصفات . و { عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابلين } حال ، ويجوز أن يتعلق " عَلَى سُرُر " بمتقابلين و " يُطَافُ " صفة " لمكرمون " أو حال من الضمير في : " متقابلين " أو من الضمير في أحد الجَارَّيْن إذا جعلناه حالاً . ومعنى متقابلين لا يرى بعضُهم قَقَا بعض ، ولما ذكر المأكل والمسكن ذكر بعده صفة المشرب فقال : { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } والكأس من الزجاج ما دام فيها شراب وإلا فهو قَدَح . وقد يطلق الكأس على الخمر نفسها وهو مجاز سائغٌ وأنشد : @ 4193 - وَكَأسٍ شَرِبْتُ عَلَى لذَّةٍ وَأُخْرَى تَدَاوَيْتُ مِنْهَا بِهَا @@ و " مِنْ مَعِينٍ " صفة " لكأسٍ " . والمعين معناه الخَمر الجارية في الأنهار ، أي ظاهرة تراها العيون وتقدم الكلام في مَعِين . وعن الأخفش : كل كأس في القرآن فهي الخَمْر ، وقوله : " مِنْ مَعِينٍ " أي من شراب مَعِينٍ أو من نَهْرٍ مَعِينٍ . المَعِينُ مأخوذ من عين الماء أي يخرج من العيون كما يخرج الماء ، وسمي ( مـ ) ـعِيناً لظهوره ، يقال : عَانَ الماءُ إذا ظهر جارياً ، ( قاله ثعلب ) فهو مَفْعُول من العَيْن نحو : مَبِيع ومَكِيلٍ ، وقيل : سمي معيناً لأنه يجري ظاهر العين كما تقدم . ويجوز أن يكون فعيلاً من المعين وهو الماء الشديد الجري ، ومنه أمْعَنَ في الجَرْيِ إذا اشتد فيه . قوله : " بَيْضَاءَ " صفة لكأس . وقال أبو حيان : صفة " لكاس " أو " للخمر " ، قال شهاب الدين : لم يذكر الخمر اللهم إلا أن يعني بالمعين الخمر . وهو بعيد جداً . ويمكن أن يجاب بأن الكأس إنما ، سميت كأساً إذا كان فيها الخمر . وقرأ عبد الله : صَفْرَاءَ وهي مخالفة للسواد ، إلا أنه جاء وصفها بهذا اللون وأنشد لبعض المولدين : @ 4194 - صَفْرَاء لاَتَنْزِلُ الأَحْزَانُ سَاحَتَهَا لَوْ مَسَّهَا حَجَرٌ مَسَّتْهُ سَرَّاءُ @@ و " لذة " صفة أيضاً وصفت بالمصدر مبالغة كأنها نفس اللذة وعينها كما يقال : فُلاَنٌ جُودٌ وكَرَمٌ إذا أرادوا المبالغة . وقال الزجاج : أو على حذف المضاف أي ذات لذَّة ، أو على تأنيث " لَذٍّ " بمعنى لذيذ فيكون وصفاً على " فَعْلِ " كصَعْب يقال : لَذَّ الشَّيءُ يَلَذُّ لَذًّا فهو لَذَيدُ وَلَذٌّ وأنشد : @ 4195 - بِحَدِيثَها اللَّذِّ الَّذِي لَوْ كَلَّمَتْ أُسْدَ الْفَلاَةِ بِهِ أَتَيْنَ سِرَاعَا @@ وقال آخر : @ 4196 - لَذٌّ كَطَعْم الصَّرخَدِيِّ تَرَكْتُهُ بأَرْضِ العِدَا مِنْ خَشْيَةِ الحَدَثَانِ @@ واللذيد كل شيء مستطابٌ . وأنشد : @ 4197 - يَلذُّ لِطَعْمِهِ وَتَخَالُ فِيهِ إذَا نَبَّهْتَهَا بَعْدَ الْمَنَامِ @@ و " للشَّارِبينَ " صفة " لِلَذّةٍ " . وقال اللَّيْث : اللَّذَّة واللَّذِيذَة يجريان مَجْرًى واحداً في النعت يقال : شَرَابٌ لَذِّ ولذيدٌ قال تعالى : { بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } وقال تعالى : { مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } [ محمد : 15 ] وعلى هذا " لَذَّة " بمعنى لذيذ . قوله : { لاَ فِيهَا غَوْلٌ } صفة أيضاً ، وبطل عمل لا وتكررت لتقدم خبرها ، وتقدم أول البقرة فائدة تقديم مثل هذا الخبر ، والبحثُ مع أبي حيان فيه . قال الفراء : العرب تقول ليس فيها غِيلَةٌ وغائلةٌ وغُول ( وغَوْل ) سواء ، وقال عبيدة : الغَوْلُ أن تغتال عقولهم وأنشد قول مطيع بن إياس : @ 4198 - وَمَا زَالَتِ الْكَأسُ تَغْتَالُهُمْ وَتَذْهَبُ بالأَوَّل فَالأَوَّلِ @@ وقال الليث : الغول الصداع والمعنى لي فيها صداع كما في خمر الدنيا ، وقال الواحدي : الغَوْل حقيقته الإهلاك ، يقال : غَالَهُ غَوْلاً واغْتَالَهُ أهْلَكَهُ ، والغَوْل والغَائلُ المهلك وسُمِّي ( وَطْءُ ) المرضع غَوْلاً لأنه يؤدي إلى الهلاك ، والغول كلُّ ما اغتالك أي أهلَكك ، ومنه الغُولُ بالضم شيء تَوَهَّمَتْهُ العرب ولها فيه أشعار كالعَنْقَاء يقال : غَالَنِي كذا ومنه الغِيلَة في العقل والرضاع قال : @ 4199 - مَضَى أَوَّلُونَا نَاعِمِينَ بِعَيْشِهِمْ جَمِعياً وَغَالتْنِي بِمَكَّةَ غُولُ @@ فالغول اسم لجميع الأذى . وقال الكلبي : لا فيها إثمٌ ، وقال قتادة : وَجَعُ البطن . وقال أهل المعاني : الغول فساد يلحق أمره في خفية ، وخمر الدنيا يحصل فيها أنواع من الفساد منها السُّكْرُ وذَهَابُ العقل ووجع البطن والصُّدَاع والقيءُ والبَوْل ولا يوجد شيء من ذلك من خمر الجنّة . قوله : { وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزِفُونَ } قرأ الأخوان " ينزقون " هنا ، وفي الواقعة ، بضم الياء وكسر الزاي . وافقهما عاصمٌ على ما في الواقعة فقط . والباقون بضم الياء وفتح الزاي . وابن أبي إسحاق بالفتح والكسر . وطلحة بالفتح والضم فالقراءة الأولى من أَنْزَفَ الرَّجُلُ إذَا ذَهَبَ عَقْلُهُ من السكر فهو نَزِيفٌ وَمنزُوفٌ ، وكان قياسه مُنِزْفٌ كمُكْرِمٍ ، ونَزَفَ الرجلُ الخَمْرةَ فَأنْزَفَ هو ثُلاَثيُّهُ متعددٌ ورباعية بالهمزة قاصر وهو نحو : كَبَبْتُهُ فأَكَبَّ وقَشَعَت الريحُ السَّحابَ فَأَقْشَعَ أي دخلا في الكَبِّ والقَشْعِ وقال الأسود : @ 4200 - لَعَمْرِي لَئِنْ أَنْزَفْتُم أَوْ صَحَوْتُمُ لَبْئِسَ النَّدَامَى أَنْتُمْ آلَ أَبْجَرَا @@ ويقال : أنزف أيضاً أي نَفِذَ شَرَابُهُ . وأما الثانية فمن نزف أيضاً بالمعنى المتقدم وقيل هو من قولهم : نَزَفتِ الرَّكِيَّةُ أي نَزَحَتْ ماءها . والمعنى أنهم لا تذهب خمورهم بل هي باقية أبداً ، وضمن يَنْزِفُونَ معنى يصدون عنها بسبب النَّزِيفِ . وأما القراءتان الأخيرتان فيقال : نَزِف الرجلُ ونَزُفَ بالكسر والضم بمعنى ذهب عقله بالسّكر ، ولما ذكر تعالى صفة مشروبهم ذكر عقيبه صفة منكوحهم فقال : { وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ } . " قاصرات الطرف " يجوز أن يكون من باب الصّفة المشبهة أي قاصراتٌ أطرافُهن كمُنْطَلِقُ اللّسانِ ، وأن يكون من باب إطلاق اسم الفاعل على أصله . فعلى الأول المضاف إليه مرفوع المحل وعلى الثاني منصوبه أي قَصَرْنَ أطْرَافَهُنَّ على أزواجهن . وهو مدح عظيم قال امرؤ القيس : @ 4201 - مِنَ الْقَاصِرَاتِ الطَّرْفِ لَو دَبّ مُحْوِلٌ مِنَ الذِّرِّ فَوْقَ الإتْبِ مِنْهَا لأَثَّرَا @@ ومعنى القصر في اللغة الحبس ومنه قوله تعالى : { مَّقْصُورَاتٌ فِي ٱلْخِيَامِ } [ الرحمن : 72 ] . والمعنى أنهن يَحْبسْنَ نظرهُنَّ ولا ينظرن إلى غير أزواجهن ، والعِينُ جمع عَيْنَاءَ وهي الواسعة العينين والذَّكَرُ أعْيَنُ ، قال الزجاج كِبَارُ الأعْين حِسَانُها ، يقال رَجُلٌ أَعَيْنُ ، وامرأة عَيْنَاهُ ، ورجالٌ ونِسَاءٌ عِينٌ . قوله : { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } والبيضُ جمع بَيْضَة وهو معروف والمراد به هنا بيض النَّعَامِ ، والمكنون المصون المستور من كَنَنْتُهُ أي جعلته في كِنّ والعرب تشبه المرأة بها في لونها وهو بياض مشوبٌ ببعض صُفرة والعرب تحبه . قال امرؤ القيس : @ 4202 - وَبَيْضَةِ خِذْ ( رٍ ) لاَ يُرَامُ خِبَاؤُهَا تَمَتَّعْتُ مِنْ لَهْوٍ بِهَا غَيْرَ معجلِ كَبِكْرِ مُقَانَاةِ البَيَاضِ بصُفْرَةٍ غَذَاهَا نَمِيرُ الْمَاءِ غَيْرُ المُحَلَّلِ @@ وقال ذو الرمة : @ 4203 - بَيْضَاءُ فِي بَرَجٍ صَفْرَاءُ فِي غَنَجٍ كَأَنَّهَا فِضَّةٌ قَدْ مَسَّهَا ذَهَبُ @@ وقال بعضهم : إنما شبهت المرأة بها في أجزائها فإن البيضة من أي جهة أتيتها كانت في رأي العين مشبهة للأخرى . وهو في غاية المدح وقد لحظ هذا بعض الشعراء حيث قال : @ 4204 - تَنَاسَبَت الأَعْضَاءُ فِيهَا فَلاَ تَرَى بِهِنّ اخْتِلاَفاً بَلْ أَتَيْنَ عَلَى قَدْرِ @@ ويجمع البيض على بُيُوض قال : @ 4205 - بِتَيْهَاءِ قَفْرٍ وَالْمَطِيُّ كَأّنَّهَا قَطَا الْحَزْنِ قَدْ كَانَتْ فِرَاخاً بُيُوضُهَا @@ قال الحسن : شبـ ( ـهـ ) ـهن ببيض النّعام تكنُّها بالرِّيش عن الريح والغبار فلونها أبيض في صفرة . يقال : هذا أحسن ألوان النساء تكون المرأة بيضاء مُشْرَبةً صفرةً ، ( وإنما ذكر المكنون والبيض جمع مؤنث لأنه رده إلى اللفظ ) .