Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 75-82)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ } الآية . لما قال : ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين وقال : " فانظر كيف كان عاقبة المنذرين " أتبعه بشرح وقائع الأنبياءَ - عليهم ( الصلاة و ) السلام - فقال : { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ } أي نادى ربه أن ينجيه مَعَ من نَجْا من الغَرق ، وقيل : نادى ربه أي اسْتَنْصَرهُ على كفار قومه ، فأجاب الله دعاءه . قوله : { فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ } جواب لقسم مقدر أي فوالله ومثله : @ 4217 - لَعَمْرِي لَنِعْمَ السَّيِّدَانِ وُجدتُمَا … @@ والمخصوص بالمدح محذوف تقديره أي نَحْنُ أجَبْنَا دُعَاءه وأهلكنا قومه . { وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } واعلم أن هذه الإجابة كانت من النعم العظيمة وذلك من وجوه : أحدهما : أنه تعالى عبر عن ذاته بصيغة الجمع فقال : { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ } والقادر العظيم لا يليق به إلا الإحسان العظيم . وثانيها : أنه أعاد صيغة الجمع في قوله : فلنعم المجيبون ( من ذلك أيضاً يدل على تعظيم تلك النعمة لا سيما وقد وصف تلك الإجابة بأنها نعمة الإجابة . وثالثها : أن الفاء في قوله : { فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ } ) يدل على أن محصول هذه الإجابة مرتب على ذلك النداء والحكم المرتب على الوصف المناسب يقتضي كونه معلّلاً به . وهذا يدل على أن النداء بالإخلاص سبب لحصول الإجابة ثم إنه تعالى لما بين أنه نعم المجيب بين أن الإنعام حصل في تلك الإجابة بقوله : { وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } . والكرب : هو الخوف الحاصل من الغَرَقِ والكَرْب الحاصل من أذى قومه { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ } وذلك يفيد الحصر وذلك يدل على أن كل من سواه وسوى ذريته فقد فَنَوْا ، قال ابن عباس : ذريته بنوه الثلاثة سام وحام ويافث . فسام أبو العرب وفارس ، وحام أبو السودان ويافث أبو الترك والخَزر ويأجوج ومأجوج ، قال ابن عباس : لما خرج نوح من السفينة مات من كان معه من الرجال والنساء وإلا ولدَه ونسَاءَهُمْ . قوله : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } أي أبقينا له ثناءً حَسَناً وذكراً جميلاً فيمن بعده من الأنبياء والأمم إلى يوم القيامة . قوله : { سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ } مبتدأ وخبر ، وفيه أوجه : أحدهما : أنه مفسر " لِتَرَكْنَا " . والثاني : أنه مفسر لمفعوله ، أي تركنا عليه ثناءً وهو هذا الكلام ، وقيل : ثَمَّ قول مقدر أي فَقُلْنَا سلامٌ . وقيل : ضمن تركنا معنى قلنا ، وقيل : سلط " تركنا " على ما بعده . قال الزمخشري : وتركنا عليه في الآخرين " هذه الكلمة " وهي " سَلاَمٌ عَلَى نَوحٍ " يعني يسلمون عليه تسليماً ويَدْعُونَ لَهُ ، وهو من الكلام المحكيِّ كقولك : " قَرَأتُ سورة أَنْزَلْنَاهَا " . وهذا الذي قاله قولُ الكوفيين جعلوا الجملة في محل نَصْبٍ مفعولاً بتركنا لا أنه ضمن معنى القول بل و على معناه بخلاف الوجه قبله . وهذا أيضاً من أقوالهم ، وقرأ عبد الله " سلاماً " وهو مفعول به " بتَرَكْنَا " و " كَذَلِكَ " نعت مصدر أو حال من ضمير . كما تقدم تحريره . فصل المعنى : سلامٌ عليه في العالمين ، وقيل : تركنا عليه في الآخرين أن يُصَلَّى عليه إلى يوم الدين { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } أي إنما خصَّصْنا نوحاً - عليه ( الصلاة و ) السلام - بهذه التشريفات الرفيعة من جعل الدنيا مملوءة من ذريته ومن تبقية ذِكْرِهِ الحَسَنِ في ألسنة العالمين لأجل كونه محسناً ، ثم علل كونه محسناً بأنه كان عبداً مؤمناً .