Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 1-3)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { صۤ } قرأ العامة بسكون الدال كسائر حروف التهجي في أوائل السور وقد مر ما فيه . وقرأ أبيٌّ والحسنُ وابن أبي إسحاق وابن أبي عَبْلَة وأبو السّمَال بكسر الدال من غير تنوين . وفيه وجهان : أحدهما : أنه كسر لالتقاء الساكنين وهذا أقرب . والثاني : أنه ( أمر ) من المصاداة وهي المعارضة ومنه صوت الصَّدَى لمعارضته لصوتك ، وذلك في الأماكن الصُّلبة الخالية . والمعنى عارض القرآن بعملك فاعل بأوامره ( وانته عن نواهيه . قاله الحسن . وعنه أيضاً أنه من صَادَيْتُ أي حَادَثْتُ ) والمعنى حَادِث النَّاسَ بالقرآن ، وقرأ ابنُ أبي إسْحَاقَ كذلك إِلاَّ أنه نونه وذلك على أنه مجرور بحرف قسم مقدر حذف وبقي عمله كقولهم : اللَّهِ لاَفْعَلَنَّ بالجر إلا أن الجر يقل في غير الجلالة ، وإنما صرفه ذهاباً به إلى معنى الكتاب أو التنزيل . وعن الحسن أيضاً وابن السميقع وهَارونَ الأَعْور صادُ بالضم من غير تنوين على أنه اسم للسورة وهو ( خبر ) مبتدأ مضمر أي هذه صاد . ومنع من الصرف للعلمية والتأنيث وكذلك قرأ ابن السَّمَيْقَع وهارُون قافُ ونونُ بالضم على ما تقدم وقرأ عيسى وأبو عمرو - في رواية محبوب - صَادَ بالفتح من غير تنوين وهي تحتمل ثلاثة أوجه : البناء على الفتح تخفيفاً كأينَ وكَيْفَ ، والجر بحرف القسم المقدر وإنما منع من الصرف للعلمية والتأنيث كما تقدم . والنصب بإضمار فعل أو على حذف حرف القسم نحو قوله : @ 4232 - فَذَاكَ أَمَانَةَ اللَّهِ الثَّرِيدُ @@ وامتنعت من الصرف لما تقدم . وكذلك قرأ قاف ونون بالفتح فيهما . وهما كما تقدم ولم يحفظ التنوين مع الفتح والضم . فصل قيل : هذا قسم ، وقيل : اسم للسورة كما ذكر في الحروف المقطعة في أوئل السور . قال محمد بن كعب القُرَظِيّ : ( ص ) مفتاح اسم الصّمد وصادق الوعد . وقال الضحاك : معناه صدق الله وروي عن ابن عباس صدق محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل معناه أن القرآن مركب من هذه الحروف وأنتم قادرون عليها ولستم قادرين على معارضته . فإن قيل : قوله { وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } قسم فأين المقسم عليه ؟ . فالجواب من وجوه : أحدهما : قال الزجاج والكوفيون غير الفراء : هو قوله : { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ } [ ص : 64 ] قال الفراء : لا نجده مستقيماً لتأخيره جداً عن قوله " وَالقُرْآن " . وقال ثعلب والفراء هو قوله : " كَمْ أَهْلَكْنَا " والأصل : " لكم أهلكنا " فحذف اللام كما حذفها في قوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } [ الشمس : 9 ] بعد قوله : " وَالشَّمْسِ " ، لما طال الكلام . الثالث : قال الأخفش هو قوله : " إنْ كُلُّ لَمَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ " ، كقوله : { تَٱللَّهِ إِن كُنَّا } [ الشعراء : 97 ] وقوله : { وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } [ الطارق : 1 ] { إِن كُلُّ } [ الطارق : 4 ] . الرابع : قوله : { إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا } [ ص : 54 ] . الخامس : هو قوله : " ( ص ) " لأن المعنى والقرآن لقد صدق محمد قاله الفراء وثعلب أيضاً ؛ وهذا بناء منهما على جواز تقديم جواب القسم وأن هذه الحرف مقتطع من جملة دالّ هو عليها وكلاهما ضعيف . السادس : أنه محذوف . واختلفوا في تقديره فقال الحَوْفيُّ تقديره : " لَقَدْ جَاءَكُم الحَقُّ " ونحوه وقدره ابن عطية : ما الأمر كما تزعمون . ودل على هذا المحذوف قوله : { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } . والزمخشري : أنه لمعجز ، وأبو حيان : إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ . قال : لأنه نظير : { يسۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ يس : 1 - 3 ] . وللزمخشري هنا عبارة بشعة جداً قال : فإِن قلت : قوله : " ص . والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق " كلام ظاهر متناف غير منتظم فما وجه انتظامه ؟ . قلت : فيه وجهان : أحدهما : أن يكون قد ذكر اسم هذا الحرف من حروف المعجم على سبيل التحدي والتنبيه على الإعجاز كما مر في أول الكتاب ثم أتبعه القسم محذوف الجواب بدلالة التَّحدِّي عليه كأنه قال : والقرآن ذِي الذِّكْر إنه لكلام معجز . والثاني : أن يكون ( صاد ) خبر مبتدأ محذوف على أنها اسم للسورة كأنه قال : هذه " ص " يعني هذه السورة التي أعجزت العرب وَالقُرآنِ ذي الذكر كما تقول : " هذا حَاتمٌ واللَّهِ " تريد هو المشهور بالسخاء واللَّهِ وكذلك إذا أقسم بها كأنه قال : أقسمتُ بصاد والقرآنِ ذي الذكر إنه لمعجز . ثم قال : بلِ الذَّينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ واستكبار عن الإذعان لذلك والاعتراف ( بالحق ) وشِقَاقٍ لله ورسوله . ( و ) جعلتها مقسماً بها وعطفت عليها " والقرآن ذي الذكر " جاز لك أن تريد بالقرآن التنزيل كله ، وأن تريد السورة بعينها . ومعناه : أُقْسِمُ بالسُّورةِ الشَّرِيفة والقرآنِ ذِي الذِّكر كما تقول : مَرَرْتُ بالرَّجُلِ الكَرِيم وبالنِّسْبَة المُبَارَكَةِ ، ولا تريد بالنّسبة غيرَ الرجل . وقيل : فيه تقديم وتأخير تقديره بل الذين كفروا في عِزَّةٍ وشقاق والقرآنِ ذي الذكر . ( والمراد بكون القرآن ذي الذكر ) أي ذي الشرف ، قال تعالى : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف : 44 ] وقال : { لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ } [ الأنبياء : 10 ] كما تقول : " لِفُلاَنٍ ذِكْرٌ فِي النَّاسِ " . ويحتمل أن يكون معناه ذو النبأ أي فيه أخبار الأولين والآخرين وبيان العلوم الأصلية والفرعية . قوله : { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } إضراب انتقال من قصةٍ إلى أخرى . وقرأ الكسائي - في رواية سَوْرَةَ - وحماد بن الزِّبرقَانِ وأبو جعفر وَالجَحْدَريّ : في غَرَّة بالغين المعجمة والراء . وقد نقل أن حَمَّاداً الراوية قرأها كذلك تصحيفاً فلما رُدّت عليه قال : ما ظننت أن الكافرين في عِزّةٍ . وهو وَهَمٌ منه ، لأن العزة المشار إليها حمية الجاهلية . والتنكير في ( عزة وشقاق ) دلالة على شدّتهما وتفاقمهما . فصل قالت المعتزلة دل قوله : ( ذِي الذّكْر ) على أنه مُحْدَث ، ويؤيده قوله : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف : 44 ] { وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ } [ الأنبياء : 50 ] { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } [ يس : 69 ] ، والجواب : أنا نصرف دليلكم إلى ما نقرأه نحن به . فصل قال القُتَيْبيُّ : بل لتدارك كلام ونفي آخر ، ومجاز الآية أن الله أقسم بصاد والقرآن ذي الذكر أن الذين كفروا من أهل مكة في عزة وحَمِيَّة جاهلية وتَكَبُّر عن الحق وشِقَاق خلاف وعداوة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وقال مجاهد : في عزة وتغابن . قوله : " كَمْ أَهْلَكْنَا " ( كم ) مفعول " أَهْلَكْنَا " و " مِنْ قَرْنٍ " تَمْييزٌ ، و " مِنْ قَبْلِهِمْ " لابتداء الغاية والمعنى كم أهلكنا من قبلهم من قرن يعني من الأمم الخالية فنادوا استغاثوا عند نزول العذاب وحلول النِّقْمَة . وقيل : نادوا بالإيمان والتوبة عند معاينة العذاب . قوله : " وَّلاَتَ حِينَ " هذه الجملة في محل نصب على الحل من فاعل " نَادَوْا " أي استغاثوا والحال أنه مَهْرَبَ ولا مَنْجَى . وقرأ العامة " لاَتَ " بفتح التاء وحينَ منصوبة وفيها أوجه : أحدها وهو مذهب سيبويه : أن لا نافية بمعنى ليس والتاء مزيدة فيها كزيادتها في رُبَّ وثُمّ ، كقولهم : رُبَّت وثُمَّت وأصلها " ها " وُصِلَتْ بلا فقالوا " لاَه " كما قالوا " ثُمّهْ " ولا يعمل إلا في الزمان خاصة نحو : لات حين ، ولات أوان كقوله : @ 4233 - طَلَبُوا صُلْحَنَا ولاَتَ أَوَانٍ فَأجَبْنَا أَنْ لَيْسَ حِينَ بَقَاء @@ وقوله الآخر : @ 4234 - نَدِمَ البُغَاةُ لاَتَ سَاعَةَ مَنْدَم والبَغْيُ مَرْتَعُ مُبْتَغِيهِ وَخِيمُ @@ والأكثر حينئذ حذف مرفوعها تقديره : وَلاَتَ الحِينُ حِينَ مَنَاصٍ . وقد يحذف المنصوب ويبقى المرفوع . وقد قرأ هنا بذلك بعضهم لقوله : @ 4235 - مَنْ صَدَّ عَنْ نِيرَانِهَا فَأَنَا ابْنُ قَيْسٍ لاَ بَرَاحُ @@ أي لا براح لي . ولا تعمل في غير الأحيان على المشهور ، وقد تمسك بإعمالها في غير الأحيان في قوله : @ 4236 - حَنَّتْ نَوَارُ وَلاَتَ هَنَّا حَنَّت وَبدَا الَّذِي كَانَتْ نَوَارُ أَجَنَّتِ @@ فإن " هنّا " من ظروف الأمكنة ، وفيه شذوذ من ثلاثة أوجه : أحدهما : عملها في اسم الإشارة وهو معرفة ولا تعمل إلا في النكرات . والثاني : كونه لا ينصرف . الثالث : كونه غير زمان . وقد رد بعضهم هذا بأن " هنا " قد خرجت عن المكانية واستعملت في الزمان كقوله تعالى : { هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [ الأحزاب : 11 ] ، وقوله : @ 4237 - ( وَإِذَا الأُمُورُ تَعَاظَمتْ وَتَشَاكَلَتْ ) فَهُنَاك يَعْتَرِفُون أَيْنَ المَفْزَعُ @@ كما تقدم في سورة الأحزاب . إلا أن الشذوذين الأخيرين باقيان . وتأول بعضهم البيت أيضاً بتأويل آخر وهو أن " لات " هنا مُجْمَلَةٌ لا عمل لها ، و " هنا " ظرف خبر مقدم و " حنت " مبتدأ بتأويل حذف " أن " المصدرية تقديره " أَنْ حَنَّت " نحو : " تَسْمَعُ بالمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أنْ ترَاهُ " . وفي هذا تكلف وبعد إلى أن فيه الاستراحة من الشذوذات المذكورة أو الشذوذين . وفي الوقف عليها مذهبان : أشهرهما عند [ علماء ] العربية وجماهير القراء السبعة بالتاء المجبورة اتباعاً لمرسوم الخط ، والكسائي وحْدَهُ من السبعة بالهاء . والأول : مذهب الخليل وسِيبَوَيْهِ والزَّجَّاج والفراءِ وابْنِ كَيْسَانَ . والثاني : مذهب المبرد . وَأَغْرَبَ أبو عبيدة فقال : الوقف على " لا " والتاء متصلة بحين فيقولون : قمت تحين قمت وتحين كان كذا فعلت كذا ، وقال : رأيتها في الإمام كذا " وَلاَ تَحِينَ " متصلةً ، وأنشد على هذا أيضاً قول أبي وَجْزَة السَّعديِّ : @ 4238 - العَاطِفونَ تَحِينَ مَا مِنْ عَاطِفٍ وَالمُطْعِمُونَ زَمَانَ لاَ مِنْ مُطْعِمِ @@ ومنه حديث ابن عمر وسأله رجل من عثمان فذكر مناقبهُ ثم قال : " اذْهَبْ تَلاَنَ إلَى أَصْحَابِكَ " يريد " الآن " والمصاحف إنما هي لات حين . وحمل العامة ما رآه على أنه مما شذ عن قياس الخط كنَظَائِرَ له مرت . فأما البيت فقيل فيه : إنه شاذ لا يلتفت إليه . وقيل : إنه إذا حذف الحين المضاف إلى الجملة التي فيها " لات حين " جاز أن يحذف ( لا ) وحدها ويستغنَى عنها بالتاء ، والأصل : العاطفُونَ حِينَ لاَتَ حِينَ لاَ من عاطف ، فحذف الأول ولا وحدها كما أنه قد صرح بإضافة حين إليها في قوله الآخر : @ 4239 - وَذَلِكَ حِينَ لاَتَ أَوَانِ حِلْمٍ … @@ ذكر هذا الوجه ابن مالك ؛ وهو متعسف جداً . وقد يقدر إضافة " حين " إليها من غير حذف لها كقوله : @ 4240 - تَذَكَّرَ حُبَّ لَيْلَى لاَتَ حِينَا … @@ أي حين لات حين . وأيضاً فكيف يصنع أبو عبيد بقوله : " وَلاَتَ سَاعَةَ مَنْدَمِ ، ولات أوانِ " فإِنه قد وجدت التاء من " لا " دُونَ حِينَ ؟ ! الوجه الثاني من الأوجه السابقة : أنها عاملة عمل " أن " يعني أنها نافية للجِنْس فيكون " حِينَ مَنَاصٍ " اسمها ، وخبرها مقدر تقديره ولات حِينَ مَنَاصٍ لَهُمْ ، كقولك : لاَ غُلاَمَ سَفَرٍ لَكَ . واسمُها معربٌ لكونه مضافاً . الثالث : أنّ بعدها فعلاً مقدّراً ناصباً لحين مناص بعدها أي لات أرى حينَ مناصٍ لهم بمعنى لَسْتُ أرى ذلك ، ومثله : " لاَ مَرْحَباً بِهِمْ ولا أهْلاً ولا سَهْلاً " أي لا أتوا مرحباً ولا وَطِئُوا سهلاً ولا لَقُوا أهلاً . وهذا الوجهان ذهب إليهما الأخفش . وهما ضعيفان وليس إضمار الفعل هنا نظير إضماره في قوله : @ 4241 - ألاَ رَجُلاً جَزَاهُ اللَّهُ خَيْراً … @@ لضرورة أن اسمها المفرد النكرة مبني على الفتح فلما رأينا هنا معرباً قدرنا له فعلاً خلافاً للزجَّاج فإنه يجوز تنوينه في الضرورة ويدعي أن فتحته للإِعراب ، وإنما حذف التنوين للتخفيف ويَسْتَدِلُّ بالبيت المذكور وقد تقدم تحقيق هذا . الرابع : أن لات هذه ليست هي " لا " مُراداً فيها تاء التأنيث . وإنما هي ليس فأبدلت السين تاء ، وقد أبدلت منها في مواضع قالوا : النَّاتُ يريدون الناسَ ومنه سُتٌّ وأصله سُدْسٌ ، وقال : @ 4242 - يَا قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي السَّعْلاَتِ عَمْرٌو بْنُ يَرْبُوع شِرار النَّاتِ لَيْسُوا بأخْيَارٍ وَلاَ أَليَاتِ @@ وقرىء شاذاً : " قل أعوذُ بربِّ النّاتِ " إلى آخرها [ الناس : 1 - 6 ] يريد شِرار الناسِ ولا أكياس فأبدل ، ولما أبدل السين تاءً خاف من التباسها بحرف التمني فقلب الياء ألفاً فبقيت تاء " لات " وهو من الاكتفاء بحرف العلة ، لأن حرف العلة لا يبدل ألفاً إلاّ بشرطٍ منها أن يتحركَ ، وأن ينفتحَ ما قبله فيكون " حين مناص " خبرها والاسم محذوف على ما تقدم والعملُ هنا بحقِّ الأصالةِ لا الفرعيَّةِ . وقرأ عيسى بن عمر : ولاتِ حينِ مناص بكسر التاء وجر حين . وهي قراءة مشكلةٌ جداً ، زعم الفراء أن لات يجر بها وأنشد : @ 4243 - وَلَتَنْدمُنَّ وَلاَتَ سَاعَةِ مَنْدَمِ @@ وأنشد غيره : @ 4244 - طَلَبُوا صُلحَنَا وَلاَتَ أوان @@ وقال الزمخشري : ومثله قول أبي زَبيد الطَّائِي : @ 4245 - طَلَبُوا صُلْحَنَا … @@ البيت قال : فإن قلت : ما وجه الجر في أوانٍ ؟ . قلت : شُبّه بإذْ في قَولِهِ : @ 4246 - وَأَنْتَ إِذْ صَحِيح @@ في أنه زمان قطع عنه المضاف إليه وعوض منه التنوين لأن الأصل : وَلاَت أوانَ صلحٍ . فإن قلت : فما تقول في " حِينَ مَنَاص " والمضاف إليه قائم ؟ قلت : نزل قطع المضاف إليه من " مناص " لأن أصله حين مناصهم منزلة قطعه من " حين " لاتّحاد المضاف والمضاف إليه وجعل تنوينه عوضاً عن المضاف المحذوف ، ثم بين الجهة لكونه مضافاً إلى غير متمكن انتهى . وخرجها أبو حيان على إضمار " من " والأصل ولات مِنْ حين مناص فحذفت " مِنْ " وبقي عملها نحو قولهم : " عَلَى كَمْ جذعٍ بنيتَ بَيْتكَ " أي مِنْ جذعٍ في أصحِّ القولين . وفيه قول آخر : أنّ الجر بالإضافة مثل قوله : @ 4247 - ألاَ رَجُلٍ جَزَاهُ اللَّهُ خَيْراً @@ أنشده بجرّ رجلٍ أي ألا مِن رجلٍ . وقد يتأيد بظهورها في قوله : @ 4248 - … وقال أَلاَ لاَ مِنْ سَبِيل إلى هِنْدِ @@ قال : ويكون موضع ( من حين مناص ) رفعاً على أنه اسم لات بمعنى ليس ، كما تقول : لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ قائماً والخبر محذوف ، وهذا على قول سيبويه ، ( و ) على أنه مبتدأ والخبر محذوف على قول الأخفش . وخرج الأخفش " ولات أوان " على حذف مضاف يعني أنـ ( ـه ) حذف المضاف وبقي المضاف إليه مجروراً على ما كان والأصل ولات حين أوان . وقدر هذا الوجه مكي بأنه كان ينبغي أن يقوم المضاف إليه مُقَامه في الإِعراب فيرفع . قال شهاب الدين : قد جاء بقاءُ المضاف إليه على جرِّه وهو قسمان قليلٌ وكثيرٌ : فالكثير أن يكون في اللفظ مثل المضاف نحو قوله : @ 4249 - أَكُلَّ امْرِىءٍ تَحْسَبِينَ امْرَءًا وَنَارٍ تَوَقَّدُ بِاللَّيْلِ نَارَا @@ أي وكل نار ، والقليل أن لا يكون كقراءة من قرأ : " وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةِ " بجر الآخرة فليكن هذا منه . على أن المبرد رواه بالرفع على إقامته مُقَام المضاف ، وقال الزجاج : الأصل ولات أواننا ، فحذف المضاف إليه فوجب أن لا يعرف وكَسَرَهُ لالتقاء الساكنين . وقال أبو حيان : وهذا هو الوجه الذي قرره الزمخشري أخذه من أبي إسحاق يعني الوجه الأول وهو قوله ولات أوان صلح . هذا ما يتعلق بجر " حين " وأما كسرة لاَتِ فعلى أصل التقاء الساكينن كحِين إلا أنه لا يعرف تاء تأنيث إلاّ مفتوحةً . وقرأ عيسى أيضاً بكسر التاء فقط ونصب حين كالعامة . وقرأ ايضاً ولات حينُ بالرفع . مناص بالفتح . وهذه قراءة مشكلة جداً لا تبعد عن الغلط من راويها عن عيسى فإنه بمكان من العِلم المانع له من مثل هذه القراءة . وقد خرجها أبو الفضل الرازي في لوامحه على التقديم والتأخير وأن " حين " أُجْرِيَ مُجْرَى " قَبْلُ وبَعْدُ " في بنائه على الضم عند قطعه عن الإضافة بجامع ما بينه وبينها من الظرفية الزمانية و " مناص " اسمها مبني على الفتح فصل بينه وبينها بحين المقطوع عن الإضافة والأصل : ولات مَنَاصَ حينُ كذا ، ثم حذف المضاف إليه حين وبني على الضم وقدم فاصلاً بين لات واسمها قال : وقد يجوز أن يكون لذلك معنى لا أعرفه وقد روي في تاء لات الفَتْحُ والكسرُ والضمُّ . ( قوله ) : { فَنَادَواْ } لا مفعول له لأن الأصل فَعَلُوا النداء من غير قصد منادًى . وقال الكلبي : كانوا إذا قاتلوا فاضطربوا نادى بعضهم لبعض مناص أي عليكم بالفرار فلما أتاهم العذاب قالوا مناص فقال الله لهم : وَلاَت حِينَ مناص . قال القشيري فعلى هذا يكون التقدير فنادوا فحذف لدلالة ما بعده ( عليه ) . قال شهاب الدين : فيكون قد حذف المنادى وهو بعضاً وما ينادون به وهو " مناص " أي نادوا بعضهم بهذا اللفظ وقال الجُرْجَانيّ : أي فنادوا حين لا مناص أي ساعة لا مَنْجَى ولا فَوْتَ ، فلما قدم " لا " وأخر " حين " اقتضى ذلك الواو كما يقتضي الحال إذا جعل ابتداءً وخبراً مثل ما تقول : جَاءَ زَيْدٌ راكباً ، ثم تقول : جاء وَهُوَ رَاكبٌ ، " فحين " ظرف لقوله : " فَنَادَواْ " ( وقال أبو حيان : وكون أصْل هذه الجملة فنادوا حين لا مناص وأن حين ظرف لقوله ) : فنادوا دعوى أعجمية في نظم القرآن والمعنى على نظمه في غاية الوضوح . قال شهاب الدين : الجُرْجَانيّ لا يعني أن " حين " ظرف " لِنَادَوْا " في التركيب الذي عليه القرآن الآن إنما يعني بذلك في أصل المعنى والتركيب كما شبه ذلك بقوله : " جَاءَ زَيْدٌ راكباً ، ثم جَاءَ زَيْدٌ وَهُو راكبٌ " " فراكباً " في التركيب الأول حال وفي الثاني خبر مبتدأ حين كان ( في الأصل ) ظرف للنداء ، ثم صار خبر " لات " أو اسمها على حَسبِ الخلاف المتقدم . و " المَنَاص " مَفْعَلٌ من نَاصَ يَنُوصُ أي هرَبَ فهو مصدر . يقال نَاصَهُ يَنُوصُهُ إذا فَاتَهُ فهو متعدٍّ ، ونَاصَ يَنُوصُ أي تأخر ، ومنه نَاصَ عن قِرْنِهِ أي تأخر عنه جبناً . قاله الفراء . وأنشد قَوْلَ امْرىءِ القيس : [ من الطويل ] @ 4250 - أَمِنْ ذِكْرِ سَلْمَى إِنْ نأَتْكَ تَنُوصُ فَتَقْصُرَ عَنْهَا حِقْبَةً وتَنُوصُ @@ قال أبو جعفر النحاس : نَاصَ يَنُوصُ إذا تقدم فيكون من الأضْدَاد ، واسْتَنَاصَ طلب المَنَاصَ ، قال حارثة بن بدر : @ 4251 - غَمْرُ الجِرَاءِ إِذَا قَصَرْتُ عِنَانَهُ بِيدي اسْتَنَاصَ وَرَامَ جَرْيَ المِسْحَلِ @@ ويقال : نَاصَ إلى كَذَا يَنُوصُ نَوْصاً إذَا التَجأ إليه . قال بعضهم المناص المَنْجَى والغَوْثُ ، يقال نَاصَهُ يَنُوصُهُ إذا أغاثه ، قال ابن عباس : كان كفار مكة إذا قاتلوا فاضطربوا في الحرب قال بعضهم لبعض مناص أي اهربوا وخُذُوا حذْرَكم ، فلما نزل بهم العذاب ببدر ، وقالوا مناص فأنزل الله تعالى : ولات حين مناص أي ليس حين هذا القول .