Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 10-10)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { قُلْ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } أي بطاعته ، واجتناب معاصيه . قال القاضي أمرهم بالتقوى لكي لا يحبطوا إيمانهم بأعمالهم لأن عند الاتقاء من الكبائر يسلم لهم الثواب وبالإقدام عليها يحبط . فيقال ( له ) : هذا بأن يدل على ضد قولك أولى لأنه أمر المؤمنين بالتقوى فدل ذلك على أنه يبقى مؤمناً مع عدم التقوى وذلك يدل على أن الفسق لا يزيل الإيمان . واعلم أنه تعالى لما أمرَ المؤمنين بالاتِّقاء بين لهم ما في هذا الاتقاء من الفوائد فقال : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ } . قوله : { فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا } يجوز أن يتعلق بالفعل قبله ، وحذفت صفة " حَسَنَة " إذ المعنى حَسَنَةٌ عظيمة لأنه لا يوعد من عمل حسنة في الدنيا حسنة مطلقاً بل مقيدة بالعِظَم ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من " حَسَنَة " كانت صفة لها فلما تقدمت بَقِيَتْ حَالاً . فصل قوله : { فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا } يحتمل أن يكون صلة لقوله : " لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ " أي آمنوا وأَحْسَنُوا العمل في الدنيا حسنة في الآخرة وهي دخول الجنة ، والتنكير في " حسنة " للتعظيم أي حسنة لا يصل العقل إلى كنه كمالها ، قاله مقاتل . ويحتمل أن يكون صلة لقوله : " حَسَنَة " . وعلى هذا قال السدي : معناه في هذه الدنيا حسنة يريد الصحة . قال ابن الخطيب : الأولى أن يحمل على الثلاثة المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم : " ثَلاثَةٌ لَيْسَ لَهَا نِهَايةٌ الأَمْنُ والصِّحَّةُ والكِفَايَةُ " ، وقال بعضهم : الأول أولى لوجوه : أحدها : أن التنكير يفيد النهاية في التعظيم والرفعة ، وذلك لا يليق بأحوال الدنيا لأنها خَسيسةٌ منقطعة وإنما يليق بأحوال الآخرة . وثانيها : أن الثوابَ للتوحيد والأعمال الصالحة إنما يَحصل في الآخرة ، وأما الأمن والصحة والكفاية فحاصل للكفار أكثر من حصولها للمؤمنين كما قال - عليه ( الصلاة و ) السلام - : " الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ " . وقال تعالى : { لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ } [ الزخرف : 33 ] . وثالثها : قوله : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ } يفيد الحصر ، ومعناه أن حسنة هذه الدنيا لا تحصل إلا للذين أحسنوا وهذا باطل . أما لو حملنا هذه الحسنة على حسنة الآخرة صح هذا الحَصْرُ فكان حمله على حسنة الآخرة أولى . قوله : { وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ } قال ابن عباس : يعني ارتحلوا من مكة ، وفيه حَثٌّ على الهجرة من البلد الَّذِي يظهر فيه المعاصي ، ونظيره قوله تعالى : { قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا } [ النساء : 97 ] . وقيل : نزلت في مهاجِرِي الحبشة ، وقال سعيد بن جبير : من أمر بالمعاصي فليهربْ ، وقال أبو مسلم : لا يمتنع أن يكون المراد من الأرض أرض الجنة ؛ لأنه تعالى أمر المؤمنين بالتقوى وهي خشية الله ، ثم بين أن من اتقى فله في الآخرة الحسنة وهي الخلود في الجنة ، ثم بين أن أرض الله أي جنته واسعة كقوله تعالى : { نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ } [ الزمر : 74 ] وقوله تعالى : { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [ آل عمران : 133 ] . قال ابن الخطيب : والأول عندي أولى لأن قوله : { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } لا يليق إلا بالأول . قوله : { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } أي الذين صبروا على دينهم فلم يتركوه للأذى ، وقيل : نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه حيث لم يتركوا دينهم لما اشتد بهم البلاء وصبروا وهاجروا . قوله : " بِغَيْرِ حِسَابٍ " أي بغير نهاية ؛ لأن كل شيء دخل تحت الحساب فهو متناهٍ فما لا نهاية له كان خارجاً عن الحساب قال عليٌّ - رضي الله عنه - : كل مطيع يكال له كيلاً أو يوزن له وزناً الصابرين فإنه يُحْثَى لهم حثياً ، يروى : أنه يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزانٌ ولا ينشر لهم دوانٌ ويُصَبّ عليهم الأجر صَبًّا قال الله تعالى : { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض ما ذهب به أَهل البلاء من الفضل .