Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 10-10)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال مقاتل بن حيّان : نزلت في رجل من غَطَفَانَ يقال له مرثدُ بْنُ زَيْدٍ وَلِي مالَ ابن أخيه وهو يتيمٌ صغيرٌ ، فَأكَلَهُ فأنزل اللَّهُ هذه الآية . قوله : { ظُلْماً } فيه وجهان : أحدهما : أنَّهُ مفعول من أجله ، وشروط النصب موجودة . الثاني : أنَّهُ مصدرٌ في محلِّ نَصْب على الحَالِ أي : يأكُلُونَهُ ظالمين والجملة من قوله : { إِنَّمَا يَأْكُلُونَ } هذه الجملة في محل رفع لـ " إنَّ " ، وفي ذلك خلاف . قال أبُو حيان : وَحَسَّنَه هنا وقوعُ [ اسم ] " أن " موصولاً فطال الكلامُ بصلة الموصول فلما تباعد ما بينهما لم يُبالِ بذلك ، وهذا أحْسَنُ من قولك : " إنَّ زيداً إنَّ أبَاهُ منطلق " ، ولقائلٍ أن يقول : ليس فيها دلالة على ذلك ؛ لأنها مكفوفة بـ " ما " ومعناها الحصرُ فصارت مثل قولك ، في المعنى : " إنَّ زيداً ما انطلق إلاَّ أبوه " وهو محل نظر . قوله : { فِي بُطُونِهِمْ } فيه وجهان : أحدهما : أنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بـ { يَأْكُلُونَ } أي : بطونُهم أوْعِيَةٌ للنَّارِ ، إمَّا حَقِيقَةً : بأنْ يَخلق اللَّهُ لهم ناراً يأكلونَهَا في بُطُونِهِم ، أوْ مَجَازاً بِأنْ أطْلِقَ المُسَبِّبَ وأرادَ السبب لكونه يُفْضِي إلَيْهِ ويستلزمه ، كما يطلَقُ اسْمُ أحَدِ المتلازمين على الآخَرِ كقوله : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] . قال القاضِي : وهذا أوْلَى ؛ لأن الإشارةَ فيه إلى كُلِّ واحِدٍ . وَالثَّاني : أنَّهُ متعلِّقٌ بمحذوفٍ ؛ لأنَّه حال مِنْ " ناراً " وكان في الأصل صفة للنكرة فَلَمَّا قُدِّمَتِ انْتَصَبَتْ حَالاً . وذكر أبُو البَقَاءِ هذا الوجه عن أبِي عَلِيٍّ في " تَذْكِرَتِهِ " ، وحكى عنه أنَّهُ منع أنْ يكون ظرفاً لـ { يَأْكُلُونَ } فَإنَّهُ قال : { فِي بُطُونِهِمْ نَاراً } حال من نار ، أي : نَارٌ كَائِنَةٌ في بُطُونِهِمْ ، وليس بِظَرْفٍ لـ { يَأْكُلُونَ } ذكره في " التَّذْكِرَةِ " . وفي قوله : " وَالَّذي يَخُصُّ هذا المَوْضِع " فيه نَظَرٌ ، فَإنَّهُ كما يجوزُ أن يكونَ { فِي بُطُونِهِمْ } حالاً من " نَار " هنا يجوزُ أن يكون حالاً من " النَّار " في البقرة ، وفي [ إبداء ] الفرقِ عُسْرٌ ، ولم يظهر [ منع أبي عليٍّ كَوْنَ { فِي بُطُونِهِمْ } ظرفاًَ للأكْلِ وجه ظاهر فإن قيل : الأكل لا يكون إلا ] في البَطْنِ فما فائدةُ قوله : { إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً } ؟ . فالجوابُ أنَّ المرادَ به التَّأكِيدُ والمبالغةُ كقوله : { يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم } [ آل عمران : 167 ] والقول لا يكون إلا بالفم ، وقوله : { وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [ الحج : 46 ] والقلبُ لا يكونُ إلاَّ في الصَّدْرِ ، وقوله : { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } [ الأنعام : 38 ] والطّيرانُ لا يكون إلاَّ بالجَنَاحِ . فصل في جواز الأكل من مال اليتيم هذه الآيةُ توكيدٌ للوعيدِ المُتَقَدِّمِ لأكل مال اليتيم ، وخَصَّ الأكل بالظلم ، فأخرج الأكل بغير الظُّلْمِ مثل أكْلِ الوليّ بالمعروف من مال اليتيم ، وإلاَّ لم يكن لهذا التَّخصيص فائدة . فصل في حرمة جميع الإتلافات لمال اليتيم ذكر تعالى الأكل إلا أنَّ المراد منه كُلّ أنواع الإتلافات فإنَّ ضرر اليتيم لا يختلفُ بأن يكون إتلاف مال بالأكْلِ ، أو بطريقٍ آخَرَ ، وإنَّمَا ذكر الأكْلَ ، وأراد به كُلَّ التَّصرفات المُتْلِفَةِ لِوُجُوهٍ : أحدها : أنَّ عامَّة أموال اليَتَامَى في ذلك الوقت هو الأنعام الَّتي يؤكل لحومها وَيُشْرَبُ ألبانها فخرجَ الكَلاَمُ على عاداتهم . وثانيها : أنَّهُ جَرَتِ العَادَةُ فيمن أنْفَقَ مَالَهُ في وجوه مراداته خيراً كانت أو شراً أنَّهُ يقال : إنَّهُ أكل ماله . وثالثها : أنَّ الأكل هو المعظم فما يبتغي من التصرُّفات . قوله : { وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } ، قرأ الجمهور بفتح الياء واللام ، وابن عامر وأبو بكرٍ بضمِّ اليَاءِ مَبْنِيّاً من الثُّلاَثِيِّ ، ويَحْتمل أنْ يكون من أصليٍّ فَلَمَّا بُنِيَ للمفعول قَامَ الأوَّلُ مقام الفَاعِلِ ، وابن أبي عبلة بضمهما مبنياً للفاعل الرُّبَاعي ، والأصل على هذه القراءة : سَيُصْلون من أصلي مثل يكرمون من أكرم ، فاستثقلت الضَّمَّةُ على الياء فحذفت ، فالتقى السَّاكنان فَحُذِفَ أولُهما وهو الياءُ وَضُمَّ ما قبل الواو ليصح و " أصْلَى " يُحتمل أنْ تكون الهمزةُ فيه للدُّخول في الشَّيءِ ، فَيَتَعَدَّى لواحدٍ وهو { سَعِيراً } ، وأن تكون للتَّعدية ، فالمفعول محذوف أي : يُصْلُونَ أنفْسهم سعيراً . وأبو حَيْوَةَ بضم الياء وفتح الصَّادِ واللاَّم مُشَدَّدَة مبنياً للمفعول من صَلَّى مضعفاً . قال أبُو البَقَاءِ : والتّضعيفُ للتكثير . والصَّلْي : الإيقاد بالنَّارِ ، يقال : صَلِيَ بكذا - بكسر العين - وقوله { لاَ يَصْلاَهَآ } أي : يَصْلَى بها . وقال الخليلُ : صَلِيَ الكافرُ النَّارَ أي : قَاسَى حَرَّها وصلاه النَّارَ وَأصْلاَهُ غيرهُ ، هكذا قال الرَّاغِبُ . وظاهرُ العِبَارَةِ أنَّ فَعِل وَأفْعَل [ بمعنى ] ، يتعدَّيان إلى اثنين ثانيهما بحرفِ الجرِّ ، وقد يُحْذَف . وقال غيره : " صَلِيَ بالنَّارِ أي : تَسَخَّنَ بقربها " فـ { سَعِيراً } على هذا منصوبٌ على إسقاط الخَافض . وَيَدُلُّ على أنَّ أصْلَ " يَصْلاها " يَصْلَى بها قول الشاعر : [ الطويل ] @ 1763 - إذَا أوْقَدُوا نَاراً لِحَرْبِ عَدُوِّهِمْ فَقَدْ خَابَ مَنْ يَصْلى بِهَا وَسَعِيرِهَا @@ وقيل : صَلَيْتُه النَّارَ : أدْنَيْتُه منها ، فيجوزُ أنْ يكونَ منصوباً مِنْ غير إسقاطِ خافضٍ . قال الفرَّاءُ : الصلى : اسم الوقود وهو الصِّلاء إذا كسرت مدّت ، وإذا فتحت قُصِرَتْ ، ومن ضَمَّ الياء فهو من قولهم : أصْلاَهُ اللَّه حَرَّ النَّار إصلاء ، قال : { فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً } [ النساء : 30 ] وقال : { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } [ المدثر : 26 ] . وقال أبو زَيْدٍ : يقال : صَلِيَ الرَّجلُ النَّارَ يَصْلاَهَا صَلًى وصلاءً ، وهُوَ صَالِي النَّارِ ، وقوم صالون وصلاء ، قال تعالى : { إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ } [ الصافات : 163 ] وقال : { أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً } [ مريم : 70 ] والسّعير في الأصل الجمر المشتعل ، وسَعَرْتُ النَّارَ أوقدتها ، ومنه : مُسْعِرُ حَرْبٍ ، على التشبيه ، والمِسْعَرُ : الآلةُ الَّتي تُحَرَّكُ بها النَّارُ . فصل روي أنَّهُ لما أنزلت هذه الآية ثقل ذلك على النَّاسِ فاحترزوا عن مخالطة اليتامى بالكليَّةِ ، فصعب الأمر على اليتامى ، فنزل قوله تعالى : { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } [ البقرة : 220 ] وزعم بعضهم أنَّ هذه الآية صارت منسوخة بتلك وهو بعيد ؛ لأنَّ هذه الآية في المنع من الظُّلْمِ وهذا لا يصير منسوخاً ، بل المقصود أنَّ مخالطة أموال اليتامى إن كان على وجه الظُّلم فهو إثم عظيم كما في هذه الآية ، وَإنْ كان على وجه الإحسان والتّربية فهو من أعظم [ أبواب ] البرّ ، لقوله : { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } [ البقرة : 220 ] .