Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 171-171)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لمَّا أجابَ عن شُبَهَاتِ اليَهُودِ ، تكلَّم بعد ذَلِك مع النَّصَارَى ، والتَّقْدِير : يا أهل الكتابِ من النَّصَارَى لا [ تغلُوا في دينكم ] ، أي : تُفْرطوا في تَعْظِيم المَسيحِ ، والغُلُوُّ : تجاوُز الحدِّ ، ومنه : غلْوَة السَّهْم ، وغَلاَء السِّعْرِ . واعلم أنه - تعالى - حَكَى عن اليَهُودِ مُبَالَغَتَهُم في الطَّعْنِ في المَسِيحِ ، وهنا حَكَى عن النَّصَارَى مُبَالَغَتَهُم في تعظِيمِه ، وهم أصْنَاف اليَعْقُوبِيَّة ، والملْكَانِيَّةَ ، والنَّسْطُورِيَّة والمُرْقُسِيَّة . فقالت اليَعْقُوبيَّة : عِيسَى هو اللَّه ، وكَذَلِك الملْكَانِيَّة . وقالت النَّسْطُوريَّة : عيسى ابْنُ اللَّهِ . وقالت المرقسيّة : ثَالِثُ ثلاثةٍ ، فأنْزَل الله هذه الآية . ويُقالُ : إن المْلكانِيَّة تقُولُ : عيسَى هُو اللَّهُ ، واليَعْقُوبِيَّة يقُولُون : ابْنُ الله ، والنَّسْطُوريَّة يقُولُون : [ ثَالِث ] ثلاثة عليهم رَجُلٌ من اليَهُود يُقَال لَهُ : بُولُص ، وسيأتِي في سُورةِ التَّوْبَةِ - إن شاء الله تعالى - . وقال الحسن : يَجُوزُ أن تكُون نزلت في اليَهُود والنَّصَارَى ؛ فإنهم جَمِيعاً غَلَواْ في أمْرِ عيسى - عليه السلام - فاليَهُود بالتَّقْصِير ، والنَّصَارى بمُجَاوَزَةِ الحدّ ، وهو في الدِّين حَرَامٌ . { وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } وتَصِفُوا اللَّهَ بالحُلُولِ والاتَّحَادِ في بدَنِ الإنْسَانِ أوْ رُوحِهِ . وقيل : لا تَقُولُوا إنَّ لَهُ شَرِيكاً أوْ وَلْداً ، ونزِّهُوهُ عن هَذِه الأحْوَالِ . قوله : " إلاَّ الحَقَّ " هذا استثناء مُفَرَّغٌ ، وفي نصبه وجهان : أحدهما : أنه مفعول به ؛ لأنه تضمَّن معنى القول ؛ نحو : " قُلْتُ خُطْبَةً " . والثاني : أنه نعتُ مصدر محذوف ، أي : إلا القولَ الحَقَّ ، وهو قريب في المعنى من الأوَّل . قوله [ - سبحانه - ] : { إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ } . قرأ جعفر بن محمَّد : " المِسِّيح " بوزن " السِّكِّيت " ؛ كأنه جعله مثال مبالغة ؛ نحو : " شِرِّيب العَسَل " ، و " المسيح " مبتدأ بعد " إنَّ " المكفوفة ، و " عِيسَى " بدلٌ منه ، أو عطف بيان ، و " ابنُ مَرْيَمَ " صفته و " رَسُولُ الله " خبر المبتدأ ، و " كَلِمَتُهُ " عطف عليه . و " ألْقَاها " جملةٌ ماضية في موضع الحال ، و " قَدْ " معها مقدرةٌ ، وفي عاملِ الحال ثلاثةُ أوجه نَقَلها أبو البقاء : أحدها : أنه معنى " كَلِمة " ؛ لأنَّ معنى وصْفِ عيسى بالكلمة : المُكَوَّنُ بالكلمة من غير أبٍ ، فكأنه قال : وَمَنْشَؤُهُ ومُبْتَدَعُهُ . والثاني : أن يكون التقدير : إذ كان ألقاها ، فـ " إذْ " ظرفُ زمانٍ مستقبل ، و " كان " تامَّة ، وفاعلها ضمير الله تعالى ، و " ألقاها " حالٌ من ذلك الفاعل ، وهو كقولهم : " ضَرْبِي زَيْداً قَائِماً " . والثالث : أن يكون حالاً من الهاء المجرورة ، والعاملُ فيها معنى الإضافة ، تقديره : وكلمةُ اللَّهِ مُلْقياً إيَّاهاَ . انتهى . أمَّا جعله العامل معنى " كلمة " فصحيحٌ ، لكنه لم يبين في هذا الوجه من هو صاحبُ الحال ؟ وصاحبُ الحال الضميرُ المستتر في كَلِمَتُهُ " العائدُ على عيسى ؛ لما تضمَّنَتْهُ من معنى المشتقِّ ؛ نحو : " مُنْشَأ ومُبْتَدَع " ، وأمَّا جعلُهُ العاملَ معنى الإضافة ، فشيءٌ ضعيفٌ ، ذهب إليه بعض النحويِّين ، وأمَّا تقديرُه الآية بمثل " ضَرْبِي زَيْداً قَائِماً " ، ففاسدٌ من حيث المعنى ، والله أعلم . فصل في تفسير الكلمة قد تقدَّم في تَفْسِير " الكَلِمَةِ " في قوله : { يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ٱ } [ آل عمران : 45 ] ، والمعْنَى : أنَّهُ وُجِدَ بكَلِمَةِ اللَّهِ وأمْرِه ، من غَيْرَ وَاسِطَة [ أب ] ولا نُطْفَة ؛ لقوله [ تعالى ] : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن [ فَيَكُونُ ] } [ آل عمران : 59 ] . قوله تعالى { وَرُوحٌ } عطفٌ على " كَلِمَة " ، و " مِنْهُ " صفة لـ " رُوح " ، و " مِنْ " لابتداء الغاية مجازاً ، وليست تبعيضيَّةً ، ومن غريب ما يحكى أن بعض النصارى ناظَرَ عليَّ بْنَ الحُسَيْنِ بن واقدٍ المَرْوزِيَّ ، وقال : " في كتاب الله ما يَشهدُ أنَّ عيسى جُزْءٌ مِنَ الله " ، وتلا : " وَرُوحٌ مِنْهُ " ، فعارضه ابنُ واقدٍ بقوله تعالى : { وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ } [ الجاثية : 13 ] ، وقال : " يلزمُ أنْ تكونَ تلك الأشياءُ جزءاً من الله تعالى ، وهو محالٌ بالاتفاقِ " ، فانقطع النصرانيُّ وأسْلم . فصل قيل : معنى " رُوحٌ مِنْهُ " [ هي ] رُوحٌ كسَائِرِ الأرْواحِ ، وإنَّما أضَافَها الله - تعالى - إلى نَفْسِهِ تَشْرِيفاً . وقيل : الرُّوحُ هو النَّفْخُ الذي نَفَخَهُ جِبْريل في دِرْعِ مَرْيم - [ عليها السلام ] - فَحَمَلَتْ بإذْنِ اللَّه ، سُمِّي النَّفْخُ " رُوحاً " ؛ لأنَّه ريحٌ يخْرُجُ من الرُّوح ، وأضافَهُ إلى نَفْسِهِ ؛ لأنه كان بأمْرِهِ . والرُّوح والرِّيحُ مُتَقَارِبَانِ ، فالرُّوحُ : عِبَارَةٌ عن نَفْخِ جِبْرِيلٍ - عليه السلام - ، وقوله : " مِنْهُ " يعني : أنَّ ذلِك النَّفْخَ من جِبْرِيل كان بأمْر الله وإذْنه ، فَهُو مِنْهُ ؛ وهكذا قولُه : { فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا } [ التحريم : 12 ] . وقيل : " رُوحٌ مِنْهُ " أي : رَحْمَةً مِنْهُ ، فكان - عليه السلام - رحْمَة لمن تبعَهُ ، وآمَن بِهِ ، من قوله - [ تعالى ] - : { وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ } [ المجادلة : 22 ] . أي : برحْمَةٍ مِنْهُ وقال - عليه الصلاة والسلام - : " إنَّما أنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ " . وقيل : الرُّوحُ الوَحِي ، أوْحَى إلى مَرْيَمَ بالبشَارَة ، وإلى جِبْرِيلَ بالنَّفْخِ ، وإلى عيسى أن كُنْ فكان ؛ كقوله - [ تعالى ] - : { يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ [ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ ] } [ النحل : 2 ] . يعني : بالوَحْي ؛ وقال - تعالى - في صِفَةِ القُرْآنِ : { وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] . وقيل : أراد بالرُّوحِ : جِبْريل ، مَعْنَاهُ : كَلِمتهُ ألْقَاهَا إلى مَرْيَمَ ، وألْقَاها - أيضاً - رُوحٌ مِنْهُ بأمْرِهِ ، وهو جِبْرِيلُ [ - عليه السلام - ] ؛ كقوله : { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ [ وَٱلرُّوحُ فِيهَا ] } [ القدر : 4 ] يعني : جِبْرِيل فيها ، وقال : { فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا } [ مريم : 17 ] يعني : جِبْرِيل . وقيل : لما جَرْت عادَةُ النَّاسِ أنَّهُم إذا وَصَفُوا شيئاً بِغَايَة الطَّهارَة والنَّظَافة ، قالوا : إنَّه روحٌ ، فلما كان عيسَى لَمْ يتكوَّن مِنْ نُطْفَةٍ ، وإنما من نَفْخَة جِبْرِيل - عليه السلام - لا جَرَم وُصِفَ بأنَّهُ روحٌ ، والمراد من قوله : " مِنْهُ " التَّشْرِيف والتَّفْضِيل ؛ كما يقال : هذه نِعْمَةٌ من الله ، أي : تلك النِّعْمَة الكَامِلَة الشَّريفَة . وقيل : إنه كان سَبَباً لحياة الخَلْقِ في أدْيَانهم ، [ فوُصِفَ أنَّه رُوحٌ ؛ كما وُصِف القُرْآن في قوله : { وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] ، سمَّاه رُوحاً ؛ لمَّا كان سَبَباً لحياةِ الخَلْق في أدْيَانِهِم ] . وقيل : لما أدْخَل التَّنْكِير في لفظِ " رُوحٌ " أفاد التَّعْظِيم ، فكان المَعْنَى : رُوحٌ من الأرْوَاح الشَّريفَة القُدسِيَّة العَالِيَة . وقوله : " مِنْهُ " أضاف ذلك الرُّوح إلى نَفْسِهِ تَشْرِيفاً ، ثم قال : { فآمنوا بالله ورسله } أي : أنَّ عيسَى من رسُلِ اللَّهِ ، فآمِنُوا به كإيمَانِكُم بسَائِر الرُّسُل ، ولا تَجْعَلُوه إلهاً . قوله - تعالى - : { وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ } ، أي : لا تَقُولُوا آلهتُنَا ثلاثة ، فـ " ثَلاَثةٌ " خبر مبتدأ مضمرٍ ، والجملةُ من هذا المبتدأ والخبر في محلِّ نصب بالقول ، أي : ولا تقولوا : " آلهتنا ثلاثةٌ " قال الزَّجاج : ويدلُّ عليه قوله بعد ذلك : { إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } ، وقيل : تقديره : الأقَانِيمُ ثلاثةٌ ، أو المعبودُ ثلاثةٌ ، وقال الفارسيُّ : تقديره : الله ثالثُ ثلاثةٍ ، ثم حُذف المضافُ ، وأقيمَ المضافُ إليه مقامَهُ ، يريدُ بذلك موافقةَ قوله : { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } [ المائدة : 73 ] . قال الفرَّاء : تقديره : ولا تقُولُوا هم ثلاثة ؛ كقوله : { سَيَقُولُونَ ثَلاَثَةٌ } [ الكهف : 22 ] وكانت النَّصارى [ يقُولُون : ] أبٌ ، وابنٌ ، ورُوحُ القُدس . فصل في بيان تفسير النصارى للتثليث قال القُرْطُبي : فرقُ النَّصارى مجتمعُون على التَّثْلِيثِ ، ويقولون : إن الله جوهرٌ واحدٌ ، وله ثلاثةُ أقَانِيمَ ، فَيَجْعِلُون كُلَّ أقْنُوم إلهاً ، ويَعْنون بالأقانِيم : الوُجُود والحياة والعِلْم ، وربما يُعَبِّرون [ عن ] الأقانِيمِ بالأبِ ، والابْنِ ، وروح القُدُس ، فَيَعْنُونَ بالأبِ الوُجُود ، وبالرُّوح الحياة ، وبالابْن المسيح ، في كلامٍ لهم فيه تَخْبِيطٌ . ومحصول كلامهم يَئُولُ إلى التَّمَسُّكِ بأنَّ عيسَى إلهٌ ؛ بما كان يُجْرِي اللَّه على يَديه من خَوَارِق العَادَاتِ على حَسَبِ دواعِيه وإرادَتِهِ . قالوا : قد عَلِمْنَا خروجَ هذه الأمُورِ من مَقْدُور البَشَرِ ، فينْبَغِي أن يكون المُقْتَدِر عليها مَوْصُوفٌ بالإلهيّة . فيقال لَهُم : لو كان ذَلِك من مَقْدُوراتِهِ وكان مسْتَقِلاًّ به ، كان تَخْليصُ نفسه من أعْدَائِه ، ودفع شرِّهم عَنْهُ من مقدُورَاتِهِ ، وليس كذلك ؛ فإن اعْتَرَفُوا بذل سَقَطَ اسْتِدْلالهم وقولهم : إنه كان يَفْعَلُهَا ، وإن لَمْ يُسَلِّموا فلا حُجَّة لهم - أيضاً - ؛ لأنَّهم معَارضُون بمُوسى - عليه السلام - ، وما كان يُجْري الله - تعالى - على يديه من الأمور العِظَامِ ؛ كفلق البَحْر ، وقَلْبِ العَصَا ثُعْباناً ، واليد البَيْضَاء ، وضَرْب الحَجَر فانْفَجَرَت مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَة عَيْناً ، وإنْزال المنِّ والسَّلْوَى وغير ذَلِك ، وكَذَلِك ما جَرَى على أيْدِي الأنْبِيَاء - عليهم الصلاة والسلام - ، فإن أنْكَرُوا ذَلِك ، فيُنكَر ما يدَّعُونَهُ في ظُهُورِه على يَدٍ عيسى - عليه السلام - ، ولا يُمْكِنُهم إثْبَات شَيْءٍ من ذلك [ لعيسى ؛ فإن إثْبَاتَهُ عندنا بِنَصِّ القُرآنِ ، وهم يُنْكِرُون القُرْآن ويكذِّبُون من أتى به ] ، ولا يُمْكِنُهم إثْبَاتُ ذلك بأخْبَارِ التَّواتُر . [ و ] قوله - عز وجل - : { ٱنتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ } نصب " خيْراً " لِنَصْبه فيما تقدَّم في جَمِيع وُجُوهِهِ ، ونِسْبته إلى قَائِلِيه ، ثم أكَّدَ التَّوْحِيد بقوله : { إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } ثم نزَّه نَفْسَه عن الولد بقوله : { سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ } وتقدِيرُه : من أنْ يكُونَ ، أو : عن أنْ يكُون ؛ لأنَّ مَعْنى : " سُبْحَان " : التَّنْزِيه : فكأنَّهُ قيل : نَزِّهُوه عن أن يكُون ، أو مِنْ أنْ يكُونَ لَهُ ولد ، فيجيء في مَحَلِّ " أنْ " الوجهان المَشْهُورَانِ ، وقد تقدَّمَتْ دَلاَئِل تَنْزيه اللَّه عن الوَلَدِ في سُورَة " آل عمران " و " واحدٌ " نعت على سبيل التوكيد ، وظاهر كلام مكي أنه نعتٌ لا على سبيل التوكيد ، فإنه قال : و " الله " مبتدأ ، و " إلهٌ " خبره ، و " واحدٌ " نعت ، تقديره : " إنَّمَا الله مُنْفَرِد في إلهيَّتِهِ " ، وقيل : " وَاحِدٌ " تأكيدٌ بمنزلة { لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ } [ النحل : 51 ] ، ويجوز أن يكون " إله " بدلاً من " الله " ، و " وَاحِدٌ " خبره ، تقديره : إنَّما المعبُودُ وَاحِدٌ ، وقوله : { أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ } تقديم نظيره [ في الآية 47 آل عمران ] . وقرأ الحسن : " إِنْ يَكُونَ " بكسر الهمزة ورفع " يكُونُ " على أنَّ " إنْ " نافية ، أي : ما يكونُ له ولدٌ ، فعلى قراءته يكونُ هذا الكلامُ جملتَيْنِ ، وعلى قراءةِ العامة يكون جملة واحدة . ثم قال - تعالى - : { لَّهُ ما فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } . واعلم أنَّه - تعالى - في كل مَوْضِعٍ نَزَّه نَفْسَه عن الولد ذكر كَوْنَه مَلِكَاً ومالِكاً لما في السموات وما في الأرضِ ؛ فقال في " مَرْيَم " : { إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } [ مريم : 93 ] ، والمعنى : أن من كان مَالِكاً لما في السَّموات وما في الأرْضِ ، ولكُلِّ ما فيها ، كان مَالِكاً لعِيسَى ولمَرْيم ؛ لأنهما كانا في السَّموات وفي الأرْضِ ، ولما هُو أعْظَم مِنْهُمَا في الذَّاتِ والصِّفَات ، وإذا كان مَالِكاً لما هُوَ أعْظَم مِنْهُمَا ، فبأنْ يكُون مَالِكاً لهُمَا أوْلَى ، وإذا كَانَا مَمْلُوكَيْنِ لَهُ ، فكَيْفَ يَعْقِلُ مع هذا تَوَهُّم كَونهما وَلَداً وزَوْجَةً . ثم قال - تعالى - : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } أي : إن الله - تعالى - كَافٍ في تَدْبِير المَخْلُوقَاتِ ، وفي حِفْظِ المحْدَثَاتِ ، فلا حَاجَة مَعَهُ إلى القَوْلِ بإثْبَاتِ آله آخرَ ، وهو إشارَةٌ إلى ما يَذْكُرُه المتَكَلِّمُون ؛ من أنَّهُ لمَّا كَانَ [ - تعالى - ] عالماً بِجَميع المَعْلُومَاتِ قَادِراً على كل المَقْدُورَاتِ ، كان كَافِياً في الإلهِيَّة ، فلو فَرَضْنَا آلهاً آخَر ، كان مُعَطَّلاً لا فَائِدَة فيه ، وذلك نَقْصٌ ، والنَّاقِص لا يَكُون إلهاً .