Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 42-42)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يَوْمَئِذٍ } فيه ثلاثة أوجُه : أحدها : أنه مَعْمُولٌ لـ { يَوَدُّ } أي : يَوَدُّ الذين كَفَروا يَوْمَ إذ جِئْنَا . والثاني : أنه مَعْمُول لـ { شَهِيداً } ، قاله أبو البَقَاء ؛ قال وعلى هذا يكُون " يود " صفة لـ " يوم " ، والعائد مَحْذُوفٌ ، تقديره : فيه ، وقد ذكر ذلك في قوله : { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي } [ البقرة : 48 ] ، وفيما قاله نظر . والثَّالث : أن " يوم " مَبْنِيٌّ ، لإضافته إلى " إذْ " قاله الحُوفيّ ، قال : لأنَّ الظرف إذا أضيفَ إلى غير مُتَمكِّنٍ ، جَازَ بناؤهُ معه ، و " إذْ " هنا اسْمٌ ؛ لأن الظروف إذا أُضِيفَ إليها ، خَرَجَتْ إلى مَعْنَى الاسميَّة ، من أجل تَخْصِيص المُضَافِ إليْها ، كما تخَصّص الأسْمَاء مع استحقَاقِها الجرّ ، والجرُّ ليس من علامَاتِ الظُّروف ، والتَّنْويِن في " إذْ " تنوين عوض على الصَّحيح ، فقيل : عِوضٌ من الجُمْلَة الأولى ، في قوله : { جِئْنَا مِن كُلِّ } أي : يومئذٍ جِئْنَا من كُلِّ أمَّة بشهيدٍ ، وجئنا بِكَ على هؤلاء شهيداً ، و " الرسول " على هذا اسْم جِنْسٍ ، وقيل : عِوَضٌ عن الجُمْلَة الأخيرةَ وهي { وَجِئْنَا بِكَ } ، ويكون المُراد بـ " الرسول " : محمد صلى الله عليه وسلم ، وكأن النَّظْم وعَصَوْك ، ولكن أبرز ظاهراً بضفة الرِّسَالة تَنْوِيهاً بقدره وشرفِه . وقوله : { وَعَصَوُاْ } فيه ثلاثة أوْجُه : أحدها : أنها جُمْلَة معطوفة على { كَفَرُواْ } فتكون صِلَةً ، فيكونون جَامِعِين بين كُفْرٍ ومَعْصِيَة ؛ لأن العَطْفَ يقتضي المُغَايَرَة ، وإذا كان ذَلِكَ ، فَيُجْمل عصيان الرَّسُول على المعَاصِي المغايرَة للكُفْر ، وإذا ثبت ذلك ، فالآيَةُ دالَّة على أن الكُفَّار مخاطبُون بفُرُوع الإسلام . وقيل : هي صِلَةٌ لموصول أخَر ، فيكون طَائِفَتَيْن ، وقيل : إنها في مَحَلِّ نصبٍ على الحال من { كَفَرُواْ } ، و " قد " مُرَادَة ، أي : وقد عَصَوا . وقرأ يحيى وأبو السَّمال : " وعَصَوِا الرسول " بكسر الواوِ على الأصْلِ . قوله : { لَوْ تُسَوَّىٰ } إن قيل إن " لو " على بابها كما هو قَوْل الجُمْهُور ، فَمَفْعُول { يَوَدُّ } محذوفٌ ، أي : يودُّ الَّذِين كَفَرُوا تَسْوية الأرْض بهم ، ويدل عليه { لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ } ، وجوابها حينئذٍ مَحْذُوف ، أي : لسُرُّوا بذلك . وإن قيل : إنها مصدريَّة ، كانت وهي وما بَعْدَها في محلّ مَفْعُول { يَوَدُّ } ، ولا جواب لها حينئذ ، وقد تقدَّم تحقيق ذلك في { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ } [ البقرة : 96 ] . قال أبو البقاءِ : " وعصوا الرسول " في موضع الحالِ ، و " قد " مُرَادةٌ ، وهي معْتَرِضَة بين " يود " وبين مَفْعُولها ، وهي " لو تسوى " و " لو " بمعنى المصدريَّة انتهى . وفي جَعْلِ الجنلة الحَاليَّة معترضة بين المَفْعُول وعامِله نَظَرٌ لا يَخْفَى ؛ لأنها من جُمْلَة متعلِّقَات العامِل الذي هو صِلَة للمَوْصُول ؛ وهذا نظير قولك : ضَرَب الذين جَاءُوا مُسْرِعين زَيْداً ، فكما لا يُقال : إن مُسْرِعين مُعْتَرض به ، فكذلك هذه الجملة . وقرأ أبو عمرو وابن كثير وعاصم : تُسَوَّى [ بضم التَّاءِ ، وتخفيف السِّين مبنياً للمفعُول ، وقرأ حمزة والكِسائي : " تَسَوَّى " ] بفتح التَّاء والتَّخفيف ، ونافع وابن عامر : بالتَّثْقِيل . فأما القراءة الأولَى ، فمعناها : أنَّهم يودُّون أن الله - سبحانه وتعالى - يُسَوِّي بهم الأرض : إمّا على أن الأرْض تَنْشَقُّ وتبتلِعُهم ، وتكون البَاءُ بمعنى " عَلَى " ، وإما على أنَّهُم يودُّون أن لو صارُوا تُرَاباً كالبَهَائِمِ ، والأصْل يودُّون أن الله - تعالى - يُسَوِّي بهم الأرض ، فَقُلِبَت إلى هَذَا ؛ كقولهم : أدْخَلْتُ القََلُنْسُوَة في رَأسِي ، وإمّا على أنَّهم يودُّون لو يُدْفَنُون فيها ، وهو كالقَوْلِ الأوَّل . وقيل : لو تُعْدَلُ بهم الأرْضُ ، أي : يُؤْخَذ ما عَلَيْها منهم فِدْيَة . وأما القِرَاءة الثانية : فأصلها " تتسوى " [ بتاءَيْن ] ، فحذفت إحداهما ، وأدغمت في السّين لقربها منها . وفي الثَّالِثَة حذفت إحداهما ، ومعنى القراءتين ظاهرٌ ممَّا تقدَّم ؛ فإن الأقوال الجاريةَ في القراءة الأولَى ، جاريةٌ في القراءتين الأخيرتَيْن غاية ما في البَابِ أنه نَسَب الفِعْل إلى الأرْض ظاهراً . قوله : { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّه } : فيه ستة أوْجُه : وذلك أن هذه الواو تَحْتَمِل أن تكون لِلعَطْف ، وأن تكون للحالِ . فإن كانت للعَطْف ، احْتمل أن تكُون من عطف المفرداتِ ، [ وأن تكون من عطف الجُمَلِ ، إذا تقرر هذا ] ، فقوله : { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّه } يجوزُ أن يكون عَطْفاً على مَفْعُول { يَوَد } أي : يودُّون تسوية الأرْضِ بهم ، وانتفاء كتمان الحديث ، و " لو " على هذا مَصدريَّة ، ويبعد جَعْلُها حرفاً لما سيَقَع لوُقُوع غَيْرِه ، ويكون و " لا يكتمون " عطفاً على مَفعُول " يود " المحذُوف ، فهذان وَجْهَان على تقدِير كَوِنِه من عطف المفردات . ويجوز أن يكون عَطْفاً على جُمْلة " يود " أخبر - تعالى - عنهم بخبرين : أحدهما : الودادةُ لِكَذَا . والثاني : أنهم لا يقدرُون على الكَتْمِ في مواطِنِ دون [ مَوَاطِن ] ، و " لو " على هذا مَصدريَّة ، ويجوز أن تكون [ لو ] حرْفاً لما سيقع لوقُوع غيره ، وجوابُهَا مَحْذُوف ، ومفعول " يود " أيضاً مَحْذُوف ، ويكون " ولا يكتمون " عطفاً على " يود " وما في حيزها ، ويكون - تعالى - قد أخبر عَنْهُم بثلاثِ [ جمل ] : الوَدَادَة ، وجُمْلَة الشرط بـ " لو " ، وانتفاء الكِتْمَان ، فهذان أيضاً وَجْهَان على تقدير كونِه من عطفة الجُمَل ، وإن كانت للحالِ ، جاز أن تكُون حالاً من الضمير في " بهم " ، والعامِل فيها " تسوى " ، ويجوز في " لو " حينئذٍ أن تكون مصدريَّة ، وأن تكون امتناعيَّة ، والتقدير : يُريدُون تَسْوِيَة الأرْض بهم غير كَاتِمين ، أو لَوْ تُسَوَّى بهم غير كَاتِمين لكان ذلك بُغْيَتهم ، ويجوز أن تكون حالاً من " الذين كفروا " ، والعامِل فيها " يود " ويكون الحالُ قيداً في الوَدَادَةِ ، و " لو " على هذا مصدريَّة في [ محل ] مفعُول الوَدَادَة ، والمعْنَى [ يومئذٍ ] يَودُّ الذين كفرُوا تسوية الأرْض بهم غَير كاتمين الله حَديثاً ، ويَبْعد أن تكون " لو " على هذا الوجه امتناعِيَّة ، للزوم الفَصْل بين الحَالِ وعامِلِها بالجُمْلَة ، و " يكتمون " يتعدى لاثْنَيْن ، والظَّاهِر أنه يَصِل إلى أحدهما بالحَرْف ، والأصل : ولا يكتُمون من اللَّه حديثاً . فصل قال عَطَاء : وَدُّوا لَوْ تُسوَّى بهم الأرْضُ ، وأنهم لم يكُونوا كتمُوا أمر مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ولا نعته ، وقال آخرُون : بل هو كلامٌ مُسْتأنَف ، يعني : ولا يكتُمون اللَّه حديثاً ؛ لأن جَوَارحَهُم تَشْهَد عليهم . قال سعيد بن جُبَيْر : قال رَجُل لابن عبَّاس : إني أجد في القُرْآن أشياء تختلفُ عليّ ، قال : هَاتِ ما اخْتَلَفَ عليك ، قال : قال تعالى : { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } [ المؤمنون : 101 ] { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [ الصافات : 27 ] وقال : { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } ، و { قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] فقد كتمُوا ، وقال : { أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } [ النازعات : 27 ] إلى قوله : { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [ النازعات : 30 ] ، فذكر خَلْق السَّماء قبل خلق الأرْضِ ، ثم قال { أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } [ فصلت : 9 ] إلى " طائِعين " . فذكر في هذه الآية خَلْق الأرض قبل خَلْق السَّماء ، وقال : { وكان الله غفوراً رحيماً } و " عزيزاً حكيماً " فكأنه كان ثم مَضَى . فقال ابن عباس : فلا أنْسَابَ بَيْنَهم في النَّفْخَة الأولى ، وقال - تعالى - : " ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض [ إلا من شاء الله ] " فلا أنساب عند ذلك ولا يتساءَلُون ، ثم في النَّفْخَة الأخيرَة أقْبَل بعضهم على بَعْض يتساءَلُون . وأما في قوله : ما كنا مشركين و { لا يكتمون الله حديثا } فإن الله يَغْفِر لأهْل الإخْلاَص ذُنُوبهم فيقول المُشْرِكُون : تعَالَوْا نقل : ما كُنا مُشركين ، فيختم على أفواههم ، وتنطقُ أيديهم وأرْجُلهم ، فَعِنْدَ ذلك عَرَفُوا أنَّ الله لا يَكْتُم حَديثاً ، وعنده { يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض } . وخلق الله الأرْضَ في يومين ثم خلق السَّماء ، ثم اسْتَوَى إلى السَّمَاء فَسَوَّاهُن في يومَيْن آخرَيْن ، ثم دَحَى الأرض ، وَدَحْيُها أن أخْرَج منها المَاءَ والمَرْعَى ، وخلق الجِبَال والآكَامَ ، وما بينهُمَا في يومين آخريْن ؛ فقال " خلق الأرض في يومين [ ثم دَحَى الأرض في يومين ؛ فخلقت الأرْضُ وما فيها من شيء في أربعةِ أيام ، وخلقت السماوات في يومين ] { وكان الله غفوراً رحيماً } أي : لم يَزَلْ كَذَلِك ، فلا يختلف عليك القُرَآن ؛ فإن كُلاًّ من عِنْد الله " . وقال الحسن : إنها مواطِنٌ : ففي مَوْطن لا يتكلَّمُون ، ولا تَسْمَع إلا هَمْساً ، وفي موطنٍ [ يعترفون على أنفسهم فهو قوله : { فَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ } [ الملك : 11 ] ، و [ في موطن يتكلمون ويكذبون ، ويقولون : { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] ، و { مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ } ] [ النحل : 28 ] ، وفي مواطن لا يتساءَلُون الرّجعة ، [ وفي مَوْطِن يتساءلُون الرجْعَة ] وآخر تلك المَوَاطِن ، أن يُخْتَمَ على أفْوَاهِهم ، وتتكلَّم جوارحُهم ، وهو قوله : { ولا يكتمون الله حديثاً } . وقال آخرون : [ قولهم ] : { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] أي : على حَسَبِ ما توهَّمنا في أنْفُسِنَا ، بل كُنَّا مُصيبين في ظُنُونِنَا حتى تَحقَّقنا الآن .