Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 74-74)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فقوله : { ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ } فاعل ، " فليقاتل " و " يشرون " يحتمل وَجهيْن : أحدهما : أن يكون بمعْنَى : يَشْتَرُون . فإن قيل : قد تقرّر أن البَاء إنما تَدْخُل على المَتْرُوك ، والظَّاهرُ هنا أنها دخَلَتْ على المأخُوذ : فالجواب : أن المراد بـ " الذين يشترون " المُنَافقون المبطِّئون عن الجِهَادِ أمروا بأنْ يُغَيِّروا ما بهم من النفاقِ ، ويُخْلِصُوا الإيمان باللَّه ورسُولِهِ ويُجَاهِدُوا في سَبِيل اللَّه ، فلم نَدْخُل إلا على المَتْرُوك ؛ لأن المُنَافِقِين تاركون للآخِرَةِ آخِذُون للدُّنْيَا ، وتقدير الكَلاَمِ : فَلْيُقَاتِل الذين يَخْتَارُون الحياة الدُّنْيَا ، وعلى هذا التقدير فلا ، بل حَذْفٌ تقديره : آمِنُوا ثم قَاتِلُوا ؛ لاستحالة حُصُول الأمْرِ بشَرَائِعِ الإسْلام قبل حُصُول الإسْلامِ . الثاني : أن " يشرون " بمعنى : يَبِيعُون . قال ابْنُ مُفَرِّعٍ : [ مجزوء الكامل ] @ 1829 - وَشَرَيْتُ بُرْداً لَيْتَنِي مِنْ بَعْدِ بُرْدٍ كُنْتُ هَامَهْ @@ قالوا : وبَرْد هو غلامه ، وشريتُه بمعنى : بِعْتُه ، وتَمَنَّى الموت بعد [ بَيْعِه ] فيكُون المراد بالذين يَشْرُون : المؤمِنُون المُتَخَلِّفُون عن الجِهَادِ ؛ المؤثِرُون الآجِلَة على العَاجِلَة ، وتصير هذه الآية في كَوْنِ شَرَى تحتمل الاشْتِرَاء والبَيْعِ باعْتِبَارَيْنِ ؛ قوله - تعالى - : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } [ يوسف : 20 ] على ما سَيَأتِي - إن شاء الله تعالى - وقد تقدم شيء من هذا أوَّل البقرة [ الآية 16 ] والجمهور على سُكُون لام " فليقاتل " لأنها وَقَعَتْ بعد الفَاءِ [ والواو ] فأشبهَت اللفظة اكتفاءً ، وقرئ بكسرها ، وهو الأصل وأجاز إسْكانَها وكَسْرَهَا كهذه الآية ، وقوله - تعالى - : { وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } [ الحج : 29 ] وقد قرئ بهما . والجمهور على بناء " فيقتل " للمفعُول ، ومحارب بن دثار ببنائه للفاعل . والأوَّل أظهر ؛ لقوله : { أَو يَغْلِبْ } [ " ويقتل " ] " ويغلب " عطف على شَرْط ، والفَاءُ في " فسوف " جوابُهُ لا يجُوزُ حَذْفُهَا والمشهور [ إظهار ] هذه الباءِ عند الفَاءِ ، وأدْغَمَها أبُو عمرو والكسائي ، وهِشَام وخلاد بخلاف عَنْه . والجمهور على " نؤتيه " بنون العظمة ، وطَلْحَة بن مصرف والأعمش : بياء الغَيْبَة ، وهما ظَاهِرَتَانِ . وقدم قوله " فيقتل " لأنها دَرَجَة شهادة وهي أعْظَم من غَيْرِهَا ، وثَنَّى بالغَلَبَة ، وهي تَشْمَل نوعين : قتل أعْدَاء اللَّه ، والظَّفَر بالغَنِيمَة ، والأولى أعْظَم من الثَّانِية . انتهى . فصل المعنى : أن من قَاتَل في سَبيل اللَّهِ سواءٌ صار مَقْتُولاً لِلكُفَّار ، أو غالباً ، فسوف نُؤتيه أجْراً عظيماً ، ولا واسطة بَيْن هَاتَيْن الحَالَتَيْنِ . [ و ] إذا كان الأجْر حَاصِلاً على كُلِّ تَقدِير ، لم يكُن عملٌ أشْرَف من الجِهَادِ ، وهذا يَدُلُّ على أن المُجاهِد لا بُدَّ وأنْ يُوَطِّن نَفْسَهُ على أنَّه لا بُدَّ مِنْ أحد أمْرَيْن : إمَّا أن يَقْتُله العَدُّوُّ ، وإمّا أن يغلبَ ، فإذا عَزَم على ذَلِك ، لم يفرَّ عن خَصْمه ، ولم يُحْجِم عن المُحَارَبة ، وإن دخل على غَيْر هذا [ العَزْم ] فما أسْرَعَ فِرَارَهُ . روى أبو هُرَيْرَة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تكَفَّل اللَّه لِمَن جَاهَد في سبيل اللَّه [ لا يُخرِجُهُ إلا جِهَادٌ في سَبِيلِه ] وتصدِيِق كلمته ، بأن يُدخلَه الجَنَّة ، أو يرجعه إلى مَسْكَنِه الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مع ما نال من أجرٍ أو غَنِيمَةٍ " . وعن أبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - ؛ أن رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مثلُ المُجَاهِد في سَبِيل اللَّه ؛ كمثل القَانِتِ الصَّائم الَّذي لا يَفْتُر من صلاةٍ ولا صيامٍ ، حتى يُرجِعه الله إلى أهْلِهِ بما يرجعُه من غَنِيمَة وأجْرٍ ، أو يتوفَّاه فَيَدْخُل الجَنَّة " .