Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 87-87)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وجه النَّظْمِ أنه - تعالى - يقول : من سَلَّم عليْكُم وحيَّاكُم ، فاقبلوا سَلامَهُ وأكْرِمُوه وعامِلُوه بناءً على الظَّاهِر ، وأما البَوَاطِن فلا يعْلَمُها إلا اللَّهُ الذي لا إله إلا هُو ، وإنما تَنْكَشِفُ بواطن الخَلْقِ في يَوْم القِيَامَة . قوله : " ليجمعنكم " جواب قَسَم مَحْذُوف . [ قال القُرْطُبِيُّ : اللامُ في قوله : " ليجمعنكم " ] لام قَسَم ، نزلت في الَّذِين شَكُّوا في البَعْثِ ، فأقْسَمَ الله - تعالى - بنفسه ، وكلُّ لامٍ بعدها نُونٌ مشَدَّدَةٌ فهي لامُ القَسَم وفي جملةِ هذا القَسَمِ مع جوابه ثلاثةُ أوجهٍ : أحدُها : أنها قي مَحَل رفعٍ خَبَراً ثانياً لقوله : " الله " ، و " لا إله إلا هو " : جُمْلَةُ خَبَر أوّل . والثاني : أنها خَبَر لقوله : " الله " أيضاً ، و " لا إله إلا هو " : جملة اعتراضٍ بين المُبْتَدأ وخبره . والثالث : أنها مُسْتَأنَفةٌ لا محلَّ لها من الإعْرَاب ، وقد تقدم إعْرَاب { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ البقرة : 255 ] و { لاَ رَيْبَ فِيهِ } [ البقرة : 2 ] في البقرة . قوله : { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } فيه ثلاثةُ أوجه : أحدُها : أنها على بابها من انتهَاءِ الغَايَة ، قال أبو حيان : ويكونُ الجَمْعُ في القُبُور ، أو تُضمِّن " ليجمعنكم " معنى " ليحشركم " فيُعَدَّى بـ " إلى " ، يعني : أنه إذا ضُمِّن الجَمْعُ معنى الحَشْر لم يَحْتج إلى تقدير مَجْمُوع فيه . وقال أبو البقاءِ - بعد أن جوَّز فيها أنْ تَكُون بمَعْنَى " في " - : " وقيل : هي على بابها ، أي : ليجْمَعَنَّكم في القُبُور ؛ فعلى هذا يَجُوز أن يكُون مَفْعُولاً به ، ويجُوز أن يكونَ حَالاً ، أي : ليجمَعَنَّكم مُفْضين إلى حِسَاب يوم القيامة " يريد بقوله " مفعولاً به " : أنه فَضْلَةٌ كَسَائِر الفضلات ، نحو : " سرتُ إلى الكُوفَةِ " ولكن لا يَصِحُّ ذلك إلا بأنْ يُضَمَّنَ الجمعُ مَعْنَى الحَشْرِ كما تقدَّم ، وأمَّا تقديره الحَالَ بـ " مفضين " فغيرُ جَائزٍ ؛ لأنَّه كونٌ مقيَّدٌ . والثاني : أنَّها بمعنى " فِي " أي : في يوم القِيَامَةِ ، ونظيره قولُ النَّابغة : [ الطويل ] @ 1885 - فَلاَ تَتْرُكَنِّي بِالوَعِيدِ كَأنَّنِي إلَى النَّاسِ مَطْلِيٌّ بِهِ القَارُ أجْرَبُ @@ أي : في النَّاسِ . والثالث : أنها بِمَعْنَى " مَعَ " ، وهذا غيرُ وَاضِح المَعْنَى . قال القُرْطِبي : وقيل : " إلى " وصلة في الكلام ، والمَعْنَى : " ليجمعنكم " يوم القيامة والقيامة بمعنى القِيام كالطِّلابة والطِّلاب ؛ قالوا : ودخلت التاءُ فيه للمُبَالَغَة ، كعلاَّمة ونَسَّابَة ؛ لِشدَّةِ ما يَقَع فيه من الهَوْل ، وسُمِّي بذلك لقيام الناس فيه للحساب ؛ قال تعالى : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ المطففين : 6 ] . وقال الزَّجَّاج : يجُوز أن يُقال : سمُيِّت القِيَامَة قِيَامة ؛ لقيام الناس من قبُورهم ؛ قال - تعالى - : { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ } [ المعارج : 43 ] . والجُمْلَة من قوله : { لاَ رَيْبَ فِيهِ } فيها وجهان : أحدهما : أنَّها في مَحَلِّ نصب على الحال من " يوم " ، فالضَّمِير في " فيه " يعودُ عليه . والثاني : أنها في مَحَلِّ نَصْبٍ نعتاً لمصدرٍ مَحْذُوف دَلَّ عليه " ليجمعنكم " أي : جمعاً لا رَيْبَ فيه ، والضميرُ يعود عليه والأولُ أظهرُ ، " ومن أصدق " ، تقدَّم نظيرُ هذه الجُمْلَة ، و " حديثاً " نصبٌ على التَّمييز . وقرأ الحُمْهُور : " أصدق " بصاد خَالِصَة ، وحمزة والكسائي : بإشمامها زاياً ، وهكذا كلُّ صَادٍ ساكِنَةٍ بعدها دالٌ ، نحو : " تصدقون " و " تصدية " ، وهذا كما فعل حَمْزَة في { ٱلصّرَاطَ } [ الفاتحة : 6 ] و { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ } [ الغاشية : 22 ] ، للمجانسة قصد الخِفَّةِ . فصل قوله : { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً } أي : قولاً ووَعْداً ، وهذا اسْتِفْهَام على سبيل الإنْكَار ، والمَقْصُود منه : وجُوب كَوْنه - تعالى - صادقاً ، وأن الكَذِب والخُلْفَ في قوله مُحَالٌ . قال ابن الخَطِيب : ظاهر الآيةِ يدُلُّ على أنَّه - تعالى - أثْبَت أن القِيَامة ستُوجَد لا مَحَالَة ، وجعل الدَّلِيل على ذلك مُجَرَّد إخْبَار الله - تعالى - عنه ، وهذا حَقٌّ ؛ لأن المَسَائِل الأصُولِيَّة على قِسْمَين : منها ما العلم بِصِحَّة النبُوَّة يَحْتَاج إلى العِلْم بِصِحَّتِه ، ومنها ما لا يكُون كَذَلِك . فالأوَّل : مثل عِلْمنا بافتقار العَالِم إلى صَانِعِ عالم بالمَعْلُومات قادرٍ على كل المُمْكِنَات ، فإنَّا ما لم نَعْلَم ذلك ، لا يمكننا العِلْمُ بصدقِ الأنْبِيَاء ، فكل مَسْألة ، هذا شَأنُها ، فإنه يَمْتَنِعُ إثباتُها بالقُرْآن وإخْبار الأنْبِيَاءِ - عليهم الصلاة والسلام - وإلا وقع الدَّوْر . وأما القسم الثَّاني : وهو جملة المَسَائِل التي لا يَتَوَقَّف العِلْم بِصِحَّة النُّبُوَّة على العِلْم بصحَّتِها ، فكل ذلك مِمَّا يمكن إثْبَاته بكَلاَم اللَّه - تعالى - وإخْبَاره ، ومَعْلُوم أن قِيَامَ السَّاعة كذلك ، فلا جَرَم أمْكَن إثْبَاتُه بالقُرْآنِ وبكلام الله - تعالى - ، فثبت أن الاستدلالَ على قِيَامِ القِيَامَةِ بإخْبَار اللَّه - تعالى - عنه استِدْلال صَحِيحٌ . انتهى . فصل استدلت المُعْتَزِلَة بهذه الآية على أنَّ كلام الله - تعالى - مُحْدَثٌ ، قالوا : لأنَّهُ تعالى وَصَفَهُ بكونه حَدِيثاً في هذه الآيَةِ وفي قَوْله - تعالى - : { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً } [ الزمر : 23 ] ، والحديث : هو الحَادِثُ والمُحْدَث . والجواب : أنكم تَحْكُمُون بحدُوثِ الكلام الذي هو الحَرْف والصَّوْت ، ونحن لا نُنَازعُ في حُدُوثهِ ، إنما [ الَّذِي ] نَدَّعِي قدمه شَيْء آخَر غير هذه الحُرُوف والأصْوَات ، والآيَةُ لا تدل على حُدُوث ذلك الشَّيْء ألْبَتَّةَ بالاتِّفَاقِ منَّا ومنْكُم ؛ أمَّا مِنَّا : فظاهِر ، وأما منكم : فإنَّكُم تَنْكِرُون وُجُود كلامٍ سوى هذه الحُرُوف والأصْوات ، فكَيْف يُمْكِنكُم أن تَقُولوا بدلالة هذه الآيَة على حُدُوثه .