Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 8-8)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلفوا في المُرَادِ بهذه القسمة على ثَلاثَةِ أقوال : القول الأوَّلُ : أن المُرَادَ بها في قسمة الميراث ، واختلفَ القائلون بهذا القول ، هل المرادُ به لوجوبُ أو النَّدْبُ ؟ فالقائلون بالوُجُوبِ اختلفوا ، فقال سعيدُ بْنُ المُسَيَّبِ والضَّحاك : كانت هذه قَبْلَ آية المواريث ، فَلَمَّا نَزَلَتْ آيةُ المواريث جعلت المواريثُ لأهْلَها ونسخت هذه الآية , وقال ابنُ عَبَّاسٍ والشَّعْبِيُّ والنَّخَعِيُّ والزُّهْرِيُّ : وهي محكمة . قل مُجَاهِدٌ : وهي واجبةٌ على أهل الميراثِ ما طالت به أنفسهم . قال الحَسَنُ : كانوا يُعْطون التابوت والأواني ورثّ الثياب والمتاع والشيء الذي يُسْتَحْيَا من قسمته ، وإن كان بَعْضُ الوَرَثَة صغاراً فقد اختلفوا فيه ، قل ابن عبَّاسٍ وغيره : إن كانت الورثة كباراً رضخوا لهم ، وإن كانت الوَرَثَةِ صغاراً اعتذروا إليهم ، فَيَقُولُ الولي : إني لا أملك هذا المال إنَّمَا هو الصغار ، ولو كان لي منه شيء لأعطيتكم . وقال بعضهم : ذلك حقٌّ واجب في أموال الصغار والكبار ، فإن كانُوا كِبَاراً تَوَلوا إعطاءَهم وإن كانوا صِغاراً أعطى وليهم ، وروى محمَّدُ بْنُ سِيرينَ أنَّ عبيدة السَّلْمَانِي قسم أموال أيتام ، وأمر بشاة فذبحت فصنع لهم طعاماً لأجل هذه الآية ، وقال : لولا هذه الآية لكان هذا من مالي . وقَالَ قَتَادَةُ عن يحيى بن معمر : ثلاث آياتٍ محكمات مذنيات تركهن النَّاسُ ، هذه الآية ، وآية الاستئذان { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } [ النور : 58 ] وقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ } [ الحجرات : 13 ] . وقال آخرون : ذلك على سبيل النَّدْبِ إذا كان الورثة كباراً ، فإن كَانُوا صغاراً فليس إلاَّ القول المعروف ، وهذا هو الَّذي عليه فقهاءُ الأمصار لأنَّه لو كان لهم حَقٌّ معين لبينه اللَّهُ - تعالى - كسائر الحقوق ، ولو كان واجباً لتوفّرت الدَّواعي على نقله لشدَّة حرص الفقراء والمساكين على تقريره ، ولو كان كَذَلِكَ لنقل على سبيل التَّوَاتُرِ . القول الثَّاني : أنَّ المراد بالقسمة الوصيَّة فَإذَا [ حضرها من لا يرث ] من الأقرباء اليتامى والمساكين أمر اللَّه تعالى الوصيّ أن يجعل لهم نصيباً من تلك الوصية ويقول لهم مع ذلك قولاً معروفاً . القول الثالث : أنَّ قوله : { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ } بَيَّن الذين يرثون والمراد من اليتامى والمساكين أي : الذين لا يرثون ثم قال : { فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ } أنَّهُ راجع إلى أولي القربى الذين يرثون . [ وقوله : { وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } راجع إلى اليتامى والمساكين الذين لا يرثون ] . وهذا القَوْلُ محكيٌّ عن سعيد بن جُبَيْرٍ ، وقدم اليتامى على المساكين ، لأنَّ ضعفهم أكثرُ وحاجتهم أشَدُّ فكان وضع الصدقات أفضل وأعظم في الأجر . قوله : { فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ } . في هذا الضمير ثَلاَثَةُ أوْجهٍ : أحدها : أنه يعود على المال ، لأنَّ القسمة تَدُلُّ عليه بطريق الالتزام . الثَّانِي : أنَّهُ يعود على " ما " في قوله : { مِّمَّا تَرَكَ } . الثَّالِثُ : أنَّهُ يعود على نفس القِسْمَةِ ، وإن كان مذكراً مراعاة للمعنى إذ المراد بالقسمة الشيء المقسوم ، وهذا على رأي من يرى ذلك ، وَأمَّا مَنْ يقول : القسمة من الاقتسام كالخبرة من الاختبار أو بمعنى القَسَم فلا يتأتى ذلك .