Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 10-12)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ } أي يوم القيامة وهم في النار وقد مقتوا أنفسهم حين عرض عليهم سيئاتهم وعاينوا العذاب فيقال لهم : { لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } أي لمقت الله إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم اليوم أنفسكم عند دُخُول العذاب قاله البغوي . واعلم أن الله تعالى عاد إلى شرح أحوال الكافرين المجادلين في آيات الله ، وهم المذكورون في قوله { مَا يُجَادِلُ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ غافر : 4 ] وبين أنهم في القيامة يعترفون بذنوبهم واستحقاقهم العذاب ويسألون الرجوع إلى الدنيا ليتلافوا ما فرط مِنْهُمْ . قوله " إذْ تُدْعَوْنَ " منصوب بمقدر يدل عليه ( هذا الظاهر ، تقديره مقتكم إذ تدعون ، وقدّره بعضهم : اذكروا إذ تدعون ) . وجوز الزمخشري أن يكون منصوباً بالمقت الأول . ورد عليه أبو حيان بأنه يلزم الفصل بين المصدر ومعموله بالأجنبي وهو الخبر ، وقال : هذا من ظواهر علم النحو التي لا تكاد تَخْفَى على المُبْتَدِىءِ ، فضلاً عن من يَدَّعِي من العجم أنه شيخ العرب والعجم ، قال شهاب الدين : وَمِثْلُ هذا لا يخفى على أبي القاسم ، وإنما أراد أنه دال على ناصبه ، ( و ) على تقدير ذلك فهو مذهب كوفي قال به . أو لأن الظَّرْفَ يُتَّسَعُ فيه ما لا يُتَّسَعُ في غيره ، وأيُّ غموض في هذا حتى يُنْحي عليه هذا الإنحاء ؟ ولله درّ القائل : @ 4321ـ حَسَدُوا الفَتَى إذْ لَمْ يَنَالُوا سَعْيَهُ فالقَوْمُ أعْدَاءٌ لَهُ وَخُصُومُ كَضَرَائِرِ الحَسْنَاءِ قُلْنَ لِوَجْهِهَا كَذِباً وَزُوراً إنَّهُ لَذَمِيمُ @@ وهذا الرد سبقه إليه أبو البقاء فقال : ولا يجوز أن يعمل فيه مقت الله ؛ لأنه مصدر أخبر عنه وهو قوله " أَكْبَرُ " فمن ثم أخذه أبو حيان ، ولا يجوز أن ينتصب بالمقت الثاني لأنهم لم يمقتوا أنفسهم وقت دعائهم إلى الإيمان إنما مَقتُوهَا يَوْمَ القيامة . والظاهر أن " مقت الله " واقع في الدنيا كما تقدم في تفسير الآية . وجوز الحسن أن يكون في الآخرة وضعفه أبو حيان بأنه يبقى " إذْ تُدْعَوْنَ " مفلّتاً من الكلام لكونه ليس له عامل مقدم فلا يفسر قائلاً فإذا كان المقت في الدنيا أمكن أن يضمر له عامل تقديره ( مقتكم ) . قال شهاب الدين : وهذا التجري على مثل الحسن يهون عليك تَجَرِّيه على الزمخشري ونحوه . واللام في " لَمَقْتُ " لام ابتداء ، أو قسم ، ومفعوله محذوف أي لمقت الله إياكم أو أنفسكم فهو مصدر مضاف لفاعله كالثاني . ولا يجوز أن تكون المسألة من باب التنازع في " أنفسكم " بين المقتين ؛ لئلا يلزم الفصل بالخبر بين المقت الأول ومعموله على تقدير إعماله . لكن قد اختلف النحاة في مسألة وهي التنازع في فِعْلَي التعجب فمن منع اعتل بما ذكرته لأنه لا يُفْصَلُ بين فعل التعجب ومعموله ، ومن جوز فقال : يلتزم ( إعمال ) الثاني حتى لا يلزم الفصل فليكن هذا منه ، والحق عدم الجواز فإنَّه على خلاف قاعدة التنازع . فصل ذكروا في تفسير مقتهم أنفسهم وجوهاً : الأول : أنهم إذا شاهدوا القيامة والجنة والنار مقتوا أنفسهم على إصرارهم على التكذيب بهذه الأشياء في الدنيا . الثاني : أن الأتباع يشتد مقتهم للرؤساء الذين دَعَوْهُم إلى الكفر في الدنيا ، والرؤساء أيضاً يشتد مقتهم للأتباع فعبر عن مقت بعضهم بعضاً بأنهم مقتوا أنفسهم كقوله تعالى : { فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [ البقرة : 54 ] ، والمراد قتل بعضهم بعضاً . الثالث : قال محمد بن كعب ( القُرَظِيّ ) : إذا خطبهم إبليس وهم في النار بقوله : { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } إلى قوله : { وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [ إبراهيم : 22 ] ففي هذه الحالة مقتوا أنفسهم ، وأما الذين ينادُون الكفار بهذا الكلام فهم خزنةُ جَهَنَّمَ . فصل المقت : أشد البغض وذلك في حق الله تعالى محال ، فالمراد منه الإنكار والزجر ، قال الفراء قوله { يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ } معناه ينادون أن مقت الله ، يقال : ناديت إن زيداً قائمٌ ، وناديت لَزَيْدٌ قائم . ثم إنه تعالى بين أن الكفار إذا خوطبوا بهذا الخطابُ قالوا : { رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ … } الآية : " اثنتين " نعت مصدر محذوف تقديره إمَاتَتَيْنِ اثْنَتَيْن . قال عباس وقتادة والضحاك : كانوا أمواتاً في أصلاب آبائهم فأحياهم الله في الدنيا ، ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها ، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة فهما موتان وحياتان ، وهو كقوله : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } [ البقرة : 28 ] . وقال السديّ : أميتُوا في الدنيا ثم أُحْيُوا في قبورهم للسؤال ثم أميتُوا في قبورهم ، ثم أُحْيُوا في الآخرة . وقوله { فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } أي من خروج من النار إلى الدنيا فنصلح أعمالنا ونعمل بطاعتك ، وَمَّر نظيرُ : { هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ } [ الشورى : 44 ] والمعنى أنهم لما عرفوا أن الذي كانوا عليه في الدنيا كان فاسداً باطلاً تمنوا الرجوع إلى الدنيا ليشتغلوا بالأعمال الصالحة . فإن قيل : الفاء في قوله : " فاعْتَرَفْنَا " يقتضي أن تكون الإماتةُ مرتين ( والإحياءُ مرتين ) سبباً لهذا الاعتراض فما وجه هذه السَّبَبِيَّةِ ؟ . فالجواب : لأنهم كانوا منكرين البعث فلما شاهدوا هذا الأحياء بعد الإماتة مرتين لم يبق لهم عذر في الإقرار بالبعث فلا جرم وقع هذا الإقرار كالمسبب عن تلك الإماتة والإحياء . واعلم أنهم لما قالوا فهل إلى خروج من سبيل فالجواب الصريح عنه أن يقال : لا أو نعم وهو تعالى لم يَقُلْ ذلك بل قال كلاماً يدل على أنه لا سبيل لهم إلى الخروج وهو قوله { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ } أي ذلك الذي أنتم فيه من العذاب والخلود من النار وأن لا سبيل لكم إلى خروج قط إنما وقع بسبب كفرهم بتوحيد الله ، أي إذا قيل لا إله إلا الله كفرتم وقلتمْ { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً } [ ص : 5 ] { وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ } أي تصدقوا ذلك الشرك . قوله " وَحْدَهُ " فيه وجهان : أحدهما : أنه مصدر في موضع الحال ، وجاز كونه معرفة لفظاً لكونة في قوة النكرة ، كأنه قيل : منفرداً . والثاني وهو قول يُونُسَ ـ : أنه منصوب على الظرف والتقدير : دُعِيَ عَلَى حِيَالِهِ . وهو مصدر محذوف الزوائد ، والأصل أوْحَدتُهُ إيحاداً . قوله " فَالحُكْمُ للهِ " حيث حكم عليكم بالعذاب السَّرْمَدِ . وقوله : " العَلِيِّ الكِبِيرِ " يدل على الكبرياء والعظمة الذي لا أعلى منه ولا أكبر .