Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 1-5)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : حم تنزيل من الرحمن الرحيم يجوز أن يكون " تنزيل " خبر " حم " على القول بانها اسم السورة ، . ويجوز أن يكون تنزيل خبر ابتداء مضمر ، أي هذا تنزيل . وقال الأخفش : تنزيل رفعت بالابتداء و " كتاب " خبره . قوله : " كتاب " قد تقدم أنه يجوز أن يكون خبراً لِتَنْزِيلُ ، ويجوز أن يكون خبراً ثانياً ، وأن يكون بدلاً من تنزيل ، وأن يكون فاعلاً بالمصدر ، وهو تنزيل أي نزل الكتاب ، قاله أبو البقاء . و { فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } صفة " لِكتَابٍ " . قوله : " قرآناً " في نصبة ستةُ أوجه : أحدها : هو حال بنفسه . و " عَرَبِيًّا " صفته ، أو حال مُوطِّئَة ، والحال في الحقيقة " عربياً " وهي حال غير متنقلة وصاحب الحال إما كتاب لوصفه بفصلت ، وما " آياته " ، أو منصوب على المصدر ، أي يقرأه قرآناً أو على الاختصاص والمدح ، أو مفعول ثانٍ " لفصلت " ، أو منصوب بتقدير فعل ، أي فصَّلْنَاهُ قُرْآناً . قوله : " لِقَومٍ " فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أن يتعلق " بفصلت " أي فصلتُ لهؤلاءِ وبينتُ لهم ؛ لأنهم هم المنتفعون بها وإن كانت مفصلة في نفسها لجميع الناس . الثاني : أن يتعلق بمحذوف صفة " لقرآناً " , أي كائناً لهؤلاء خاصةً ؛ لما تقدم من المعنى . الثالث : أن يتعلق بتنزيل . وهذا إذا لم تجعل " مِنَ الرَّحْمنِ " صفة له ؛ لأنك إن جعلت " من الرحمن " صفة له ، فقد أعملت المصدر الموصوف وإذا لم يكن " كتاب " خبراً عنه ، ولا بدلاً منه ؛ لئلا يلزم الإخبار عن الموصول أو المبدل منه قبل تمام صلته ، ومن يتسع في الظرف وعديله لم يبال بشيءٍ . وأما إذا جعلت " من الرحمن " متعلقاً به و " كتاب " فاعلاً به فلا يَضُرُّ ذلك ؛ لأنه من تتماته وليس بأجنبي . فصل اعلم أنه تعالى حكم على هذه السورة بأشياء : أولها : كونها تنزيلاً ، والمراد المنزل ، والتعبير عن المفعول بالمصدر مجاز مشهور ، كقوله : هذا بناء الأمير أي مبنيّه ، وهذا الدِّرهم ضربُ السُّلطان ( أي مضروبه ) ومعنى كونه منزلاً : أن الله كتبها في اللوح المحفوظ ، وأمر جبريل ، عليه ( الصلاة ) والسلام أن يحفظ الكلمات ثم ينزل بها على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويُؤَدِّيها إليه ، فلما حصل تفهيمُ هذه الكلمات بواسطة نزول جبريل عليه ( الصلاة ) والسلام سمي بذلك تنزيلاً . وثانيها : كون ذلك التنزيل من الرحمن الرحيم ، وذلك يدل على أن ذلك التنزيل نعمةٌ عظيمة من الله تعالى ، لأن الفعل المقرون بالصفة لا بد وأن يكون مناسباً لتلك الصفة ، فكونه تعالى رحمن رحيماً صفتان دالتان على كمال الرحمة ، فالتنزيلُ المضاف إلى هاتين الصفتين لا بدَّ وأن يكون دالاً على أعظم وجوه الرحمة والنعمة والأمر كذلك ؛ لأن الخَلْقَ في هذا العالم كالمرضى والمُحتاجين ، والقرآن مشتمل على كل ما يحتاج إليه المرضى من الأدوية ، وعلى ما يحتاج إليه الأصحاء من الأغذية ، فكان أعظم النعم من الله تعالى على أهل هذا العالم إنزال القرآن عليهم . وثالثها : كونه كتاباً ، وتقدم أن هذا الاسم مشتق من الكَتْبِ وهو الجمع ، فسمي كتاباً لأنه جمع فيه عِلْمَ الأولين والآخرين . ورابعها : قوله فصلت آياته ، أي ميزت وجعلت تفاصيل في معانٍ مختلفةٍ فبعضها وصف ذات الله ، وصفاتِ التنزيه والتقديس وشرح كمال علمه وقدرته ورحمته وعجائب أصول خلقه من السموات والكواكب وتعاقب الليل والنهار ، وعجائب أحوال النبات والحيوان وبعضها في المواعظ والنصائح ، وبعضها في تهذيب الأخلاق ورياضة النفس ، وبعضها في قَصَص الأنبياء وتواريخ الماضين ، وبالجملة فمن أنصف علم أنه ليس في بدء الخلق كتاب اجتمع فيه من العلوم المختلفة مثل ما في القرآن . وخامسها : قوله : قرآناً وقد سبق توجيه هذا الاسم . وسادسها : قوله عربياً أي إنما نزل بلغة العرب ، ويؤكده قوله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ } [ إبراهيم : 4 ] . وسابعها : قوله " لقوم يعلمون " أي جعلناه قرآناً لأَجْلِ أنا أنزلناه على قوم عربٍ بلغتهم ليفهموا منه المراد . وثامنها وتاسعها : قوله " بشيراً ونذيرا " يجوز أن يكونا نعتين لقرآناً ، وأن يكونا حالين ؛ إما من كتاب وإما من آياته ، وإما من الضمير المنوي في قرآناً . وقرأ زيد بن علي برفعهما على النعت لكتاب ، أو على خبر ابتداء مضمر ، أي هو بشير ونذير ، ومعناه بشيراً للمطيعين بالثواب ونذيراً للمجرمين بالعقاب . قال ابن الخطيب : والحق أن القرآن بشارة ونِذَارة إلا أنه أطلق اسم الفاعل عليه للتنبيه على كونه كاملاً في هذه الصفة كما يقال : شعر شاعر وكلام قائل . عاشرها : كونهم معرضين عنه لا يسمعونه ولا يتلفتون إليه ، فهذه الصفات العشرة التي وصف الله تعالى القرآن بها . فصل احتج القائلون بخلق القرآن بهذه الآية من وجوه : الأول : أنه وصف القرآن بكونه مُنَزَّلاً وتَنْزِيلاً ، والمنزَّلُ والتنزيلُ مشعر بالتغيير من حال إلى حال فوجب أن يكونَ مخلوقاً . الثاني : أن التنزيل مصدر ، والمصدر هو المفعول المطلق باتفاق النحويين . الثالث : أن المراد بالكتابة إما الكتابة ، وهي المصدر الذي هو المفعول المطلق وإما المكتوب الذي هو المفعول . الرابع : أن قوله : " فصلت آياته " ( بدل ) على أن متصرفاً يتصرف فيه بالتفصيل وذلك لا يليق بالقديم . الخامس : أنه إنما سمي قرآناً ، لأنه قُرِنَ بعض أجزائه ببعض وذلك يدل على كونه مفعول فاعل ومجعول جاعل . السادس : وصفه بكونه " عربياً " ، وإنما صحت هذه النسبة لأن هذه الألفاظ إنما دلت على هذه المعاني بحسب وضع العرب ، واصطلاحاتهم ، وما حصل بِجَعْلِ جاعل وفِعْلِ فاعل فلا بد وأن يكون مُحْدَثاً ومَخْلُوقاً . والجواب : أن كل هذه الوجوه المذكورة عائدة إلى اللغات وإلى الحروف والكلمات وهي حادثة . فصل ذهب قومٌ إلى أن القرآن من سائر اللغات كالإستبرق والسِّجيل فإنهما فارسيان والمِشْكَاة فإنها حبشية ، والقِسْطَاسِ ، فإنه من لغة الروم ، وهذا فاسد لقوله تعالى : " قرآناً عَرَبياً " ، وقوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ } [ إبراهيم : 4 ] . فصل قالت المعتزلة : الإيمان والكفارة والصلاة والزكاة والصوم والحج ، ألفاظ شرعية لا لغوية بمعنى أن الشرع نقل هذه الألفاظ عن مُسمَّياتها اللُّغويَّة الأصلية إلى مسميات أخرى . وهذا باطل ، وليس للشرع تصرفٌ في هذه الألفاظ إلا من وجهٍ واحد ، وهو أنه خَصَّص هذه الأسماء بنوعٍ معيَّنٍ من أنواع مسمَّيَاتها ، كما أن الإيمان عبارةٌ عن التصديق والصلاة عبارة عن الدعاء ، فخصَّصه الشرع بنوع معين من الدّعاء ، وكذا القول في البواقي . فصل تمسك القائلون بأن أفعال الله تعالى معلَّلةٌ بالمصالح والحكمة بهذه الآية فقالوا : إنها تدل على أنه إنما جعله قرآناً عربياً لأجل أن يعلموا المراد منه ، فدل على أنَّ تعليل أفعالِ الله وأحكامه جائز . فصل قال قوم : القرآن كله معلوم لقوله تعالى : قرآناً عربياً لقوم يعلمون يعني إنما جعلناه عربياً ليصير معلوماً والقول بأنه غير معلوم يقدح فيه . قوله : { فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } لا يصغُّون تكبراً . وهذه الآية تدل على أنه لا مُهْتَدِي إلا من هَدَاه الله ، ولا مُضِلَّ إلا من أضله الله . ولما وصف الله تعالى القرآن بأنهم أعرضوا عنه ولم يلتفتوا إليه بين أنهم صرحوا بهذه النفرة ، وذكروا ثلاثة أشياء : أحدها : قوله : " فِي أَكِنَّةٍ " ، قال الزمخشري : فإن قُلْتَ : هلا قيل : على قلوبنا أكنة ، كما قيل : وفي آذَانِنَا وقر ليكون الكلام على نمطٍ واحد ؟ قلت : هو على نمط واحد ؛ لأنه لا فرق في المعنى بين قولك : قلوبنا في أكنة ، وعلى قلوبنا أكنة ، والدليل عليه قوله تعالى : ( إنَّا ) جعلنا على قُلُوبِهِم ، ولو قيل : جعلنا قلوبهم في أكنةٍ لم يختلف المعنى ، وترى المطابيع منه لا يرون الطباق ( والملاحظة ) إلا في المعاني . قال أبو حيان : و " في " هنا أبلغ من على ، لأنهم قصدوا الإفراط في عدم القبول بحصول قلوبهم في أكنة احتوت عليها احتواء الظرف على المظروف ، فلا يمكن أن يصل إليها شيء كما تقول : المالُ في الكيسِ بخلاف قولك : المالُ على الكيس ، فإنه لا يدل على الحَصر ، وعدم الوصول دلالة الوعاء ، وأما " وجعلنا " فهو من إخبار الله تعالى فلا يحتاج إلى مبالغة . وتقدم تفسير الأكنة والوقر . وقرأ طلحة بن مصرف وِقْر بكسر الواو وتقدَّم الفرق بينهما . قوله : " مِمَّا تَدْعُونَا " من في " مِمَّا " وفي " ومِنْ بَيْننا " لابتداء الغاية والمعنى أن الحِجاب ابتداء منا وابتداء منك فالمسافة المتوسطة جهتنا وجهتك مستوعبة بالحجاب لا فراغ فيها ، فلو لم تأتٍ " مِنْ " لكان المعنى أن حجاباً حاصل وسط الجهتين . والمقصود المبالغة بالتبايُن المُفرِط ، فلذلك جيء بِمِنْ قاله الزمخشري . وقال أبو البقاء : هو محصول على المعنى ؛ لأن المعنى في أكنة محجوبةٍ عن سماع ما تدعُونا إليه . ولا يجوز أن يكون نعتاً لأَكنَّةٍ ؛ لأن الأكنة الأغشية ، وليس الأغشية مما تدعونا إليه . فصل وقالوا : يعنى المشركين قلوبنا في أكنة أغطية ، والأكنة جمع كنان ، كأغطية جمع غطاء ، والكِنان هو الذي جعل فيه السهام ، والمعنى لا نفقهُ ما تقول ، وفي آذاننا وقر أي صممٌ فلا نسمعُ ما تقول ، والمعنى : إنا في ترك القبول عنك بمنزلة من لا يفهم ولا يسمع ومن بيننا وبينك حجاب ، خِلاف في الدين ، فلا نوافقك على ما تقول فاعمل أنت على دينك إنّا عاملون على ديننا .