Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 20-23)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا } " حتى " غاية ليُحْشَرُ والمعنى حتى إذا جاءوا النار فيكون " ما " صلة . وقيل : فيها فائدة زائدة وهي تأكيد أن عند مجيئهم لا بد وأن تحصل هذه الشهادة كقوله تعالى : { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنْتُمْ بِهِ } [ يونس : 51 ] أي لا بد لوقت وقوعه من أن يكون وقت إيمانهم به . فصل في كيفية تلك الشهادة ثلاثة أقوال : الأول : أن الله تعالى يخلق الفهم والقدرة والنطق فتشهد كما يشهد الرجل على ما يعرفه . والثاني : أنه تعالى يخلق في تلك الأعضاء الأصوات والحروف الدالة على تلك المعاني . الثالث : أن يظهر في تلك الأعضاء أحوال تدل على صدور تلك الأعمال من ذلك الإنسان وتلك الأمارات تسمى شهادات كما يقال : يشهد هذا العالم بتغيرات أحواله على حدوثه . فصل قال ابن الخطيب : والسبب في تخصيص هذه الأعضاء الثلاثة بالذكر أن الحواسَّ الخمس وهي السمع والبصر ، والشَّمُّ والذَّوْقُ واللمسُ ، وآلة اللمس هي الجلد ، فالله تعالى ذكر هاهنا ثلاثة أنواع من الحواس وهي السمع والبصر واللمس ، وأهمل ذكر نوعين ، وهما : الذوق والشم ، فالذوق داخل في اللّمس من بعض الوجوه ؛ لأن إدراك الذوق إنما يتأتى بأن تصير جلدة اللسان مماسَّة لجرم ( الطعام وكذلك الشم لا يتأتى حتى تصير جلدة الحنك مماسةً لجرم ) المشموم فكانا داخلين في جنس اللَّمس . وإذا عرف هذا فنقول : نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : المراد من شهادة الجلود شهادة الفروج ، وهذا من باب الكنايات ، كما قال : { لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً } [ البقرة : 235 ] وأراد النكاح وقال : { أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ } [ النساء : 43 ] والمراد قضاء الحاجة ، وقال عليه الصلاة والسلام : " أَوَّلَ مَا يَتَكَلَّمُ مِنَ الآدميِّ فَخِذُهُ وكَفُّه " وعلى هذا التقدير فتكون هذه الآية وعيداً شديداً في إتيان الزنا ؛ لأن مقدمة الزنا إنما تحصل بالفخذ . وقال مقاتل : تنطق جوارحهم بما كتمته الأنفس من عملهم . قوله : " وَقَالُوا " يعني الكفار الذين يحشرون إلى النار { لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } هذا من جواب الجلود ، ومعناه أن القادر على خلقكم وإنطاقكم في المرة الأولى حال كونكم في الدنيا ثم ( على ) خلقكم وأنطاقكم في المرة الثانية وهي حال القيامة والبعث كيف يستبعد منه إنطاق الجوارح والأعضاء ؟ ! . قوله تعالى : { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ } أي تستخفون عند الإقدام على الأعمال القبيحة . وقال مجاهد تتقون ، وقال قتادة : تظنون . قوله { أَن يَشْهَدَ } يجوز فيه أوجه : أحدها : من أن يشهد . الثاني : خيفة أن يشهد . الثالث : لأجل أن يشهد وكلاهما بمعنى المفعول له . الرابع : عن أن يشهد أي ما كنتم تمتنعون ولا يمكنكم الاختفاء عن أعضائكم والاستتار عنها . الخامس : أنه ضمن معنى الظن وفيه بعد . فصل معنى الكلام أنهم كانوا يستترون عند الإقدام على الأعمال القبيحة ؛ لأن استتارهم ما كان لأجل قولهم من أن يشهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم لأنهم كانوا منكرين للبعث والقيامة ، وذلك الاستتار لأجل أنهم كانوا يظنون أن الله لا يعلم الأعمال التي يخفونها . رويَ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كنت مستتراً بأستار الكعبة فدخل ثلاثة نفر ثقفيان وقرشيّ أو قرشيان وثقفي كثير شحم بطونهم ، قليل فقه قلوبهم ، فقال أحدهم : أترون أن الله يسمع ما نقول ؟ قال الآخر : يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا ، وقال الآخر : إن كان يسمع إذا جهرنا سمع إذا أخفينا . فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ … } الآية . قيل : الثقفي عبد ياليل وختناه القرشيان ربيعة وصفوان بن أمية . قوله : " وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمْ " فيه أوجه : أحدها : أن " ذلكم " رفع بالإبتداء و " ظنكم " خبره و " الَّذِي ظَنَنْتُمْ " نعته " وَأَرْداكُمْ " حال و " قد " معه مقدرة على رأي الجمهور خلافاً للأخفش ، ومنع مكي الحالية للخلو من " قد " وهو ممنوع لما تقدم . والثاني : أن يكون " ظَنُّكُمْ " بدلاً ، والموصول خبره ، و " أَرْدَاكُمْ " حال أيضاً . الثالث : أن يكون الموصول خبراً ثانياً . الرابع : أن يكون " ظنكم " بدلاً أو بياناً ، والموصول هو الخبر ، و " أرْدَاكُمْ " خبر ثان . الخامس : أن يكون ظنكم والموصول والجملة من " أرْداكم " أخباراً إلا أن أبا حيان ردَّ على الزمخشري قوله : " وَظَنُّكُمْ وَأَرْدَاكُمْ " خبران قال : لأن قوله " وَذلِكُمْ " إشارة إلى ظنهم السابق فيصير التقدير : وظنكم بربكم أنه لا يعلم ظنكم بربكم فاستفيد من الخبر ما استفيد من المبتدأ وهو لا يجوز وهذا نظير ما منعه النحاة من قولك : سَيِّد الجارية مالكها . وقد منع ابن عطية كون " أَرْدَاكُمْ " حالاً ، لعدم وجود " قد " . وتقدَّمم الخلاف في ذلك . فصل قال المفسرون : وذلك ظنكم الذي ظننتم بربكم أي ظنكم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون أرداكم أهلككم . قال ابن عباس رضي الله عنهما ـ : طرحكم في النار { فأصبحتم من الخاسرين } وهنذا نص صريح في أن من ظن أنه يخرج شيء من المعلومات عن علم الله فإنه يكون من الهالكين الخاسرين . قال المحققون : الظن قسمان : أحدهما : حسن ، والآخر : فاسد . فالحسن أن يظن بالله عز وجل الرحمة والفضل والإحسان ، قال عليه الصلاة والسلام حكايةً عن الله عز وجل : " أنَا عِنْدَ ظَنِّّ عَبْدِي بي " وقال عليه الصلاة والسلام : " لاَ يمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلاَّ وهُوَ حَسَنُ الظَّنِّ بالله " . والظن القبيح أن يظن أنه تعالى أنه يعزب عن علمه بعض الأحوال . وقال قتادة : والظن نوعان : مُنْجِي ومُرْدِي فالمنجي قوله : { إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } [ الحاقة : 20 ] وقوله : { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ } [ البقرة : 46 ] والمردي هو قوله { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ } .