Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 81-89)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } . قوله { إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ } قيل : هي شرطية على بابها ، واختلف في تأويله ، فقيل : إن صح ذلك فأنا أول من يعبده ، لكنه لم يصح ألبتة بالدليل القاطع ، وذلك أنه علق العبادة بكَيْنُونَة الولد ، وهي محالٌ في نفسها ، فكان المعلق بها محالاً مثلها . فهو في صورة إثبات الكينونة والعبادة وفي معنى نفيهما على أبلغ الوجوه وأقواها . ذكره الزمخشري . وقيل : إن كان له ولد في زعمكم فأنا أول العابدين أي الموحِّدِين لله ، المكذبين لهذا القول . واعلم أن هذا التأويل فيه نظر ، سواء أثبتوا لله ولداً ، أو لم يُثْبِتُوا له ، فالرسول منكر لذلك الولد ، فلم يكن لزعمهم تأثير في كون الرسول منكراً لذلك الولد ، فلم يصلح جعل زعمهم إثبات الولد مؤثراً في كون الرسول منكراً للولد . وهذا التأويل قاله الواحدي . وقيل : العابدين بمعنى الأَنِفِين ، من عَبِدَ يَعْبَدُ إذَا اشْتَدَّ أنفه فهو عَبدٌ وعَابِدٌ ، ويؤيده قراءة السُّلَمِيَّ واليَمَانِيِّ : العَبِدِينَ دون ألف . وحكى الخليل قراءة غريبة وهي العَبْدين بسكون الباء وهي تخفيف قراءة السلمي ، فأصلها بالكسر . قال ابن عرفة : يقال : عَبِدَ بالكسر يَعْبَدُ بالفتح فهو عَبِدٌ . وقلَّ ما يقال : عابد والقرآن لا يجيء على القليل أو الشاذ يعني تخريج من قال : إن العابدين بمعنى الأَنِفِينَ لا يصح ، ثم قال كقول مجاهد . وقال الفرزدق : @ 4420ـ أُولَئِكَ آبَائِي فَجِئْنِي بِمِثْلِهِمْ وَأَعْبَدُ أَنْ أَهْجُو كُلَيْباً بِدَارِم @@ وقال آخر : @ 4421ـ مَتَى مَا يَشَأ ذُو الوُدِّ يَصْرِمْ خَلِيلَهُ وَيَعْبَدْ عَلَيْهِ لاَ مَحَالَةَ ظَالِمَا @@ قال ابن الخطيب : وهذا التعليق أيضاً فاسد ؛ لأن هذه الأنفة سواء حصل ذلك الزعم والاعتقاد أو لم يحصل . وقال أبو عبيدة : معناه الجاحدين ، يقال : عَبَدَنِي حَقِّي ، أي جَحَدَنِيهِ . وقال أبو حاتم : العَبِدُ بكسر الباء الشديدُ الغَضَب ، وهو معنى حسن ، أي إن كان له ولد على زعمكم فأنا أول من يغضب لذلك . وقيل : " إنْ " نافية ؛ أي ما كان ثم أخبر بقوله : { فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } أي الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له وتكون الفاء سببية . ومنع مكي أن تكون نافية . قال : " لأنه يوهم أنك إنما نفيت عن الله الولد فيما مضى دون ما هو آت ، وهذا محال " . ورد عليه بأن " كَانَ " قد تدل على الدوام . كقوله : " وَكَانَ اللهُ غَفَوراً رَحِيماً " إلى ما لا يحصى . والصحيح من مذاهب النحاة أنها لا تدل على الانقطاع والقائل بذلك يقول ما لم تكن قرينة كالآيات المذكورة . وروي عن عبد الله بن عباس ( رضي الله عنهما ) أن المعنى ما كان للرحمن ولدّ فأنا أول العابدين الشاهدين له بذلك ، جعل " إنْ " بمعنى الجَحْد ، وقال السدي معناه : ولو كان للرحمن ولد فأنا أو من عبده بذلك ولكن لا ولد له . وتقدم الخلاف في قراءتي " وَلَد " و " ولد " في مَرْيَمَ . ثم إن تعالى نزه نفسه فقال : { سُبْحَانَ رَبِّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } أي عما يقولون من الكذب وذلك أن إله العالم يجب أن يكون واجب الوجود لذاته ، وكلّ ما كان كذلك فهو لا يقبل التَّجْزِيءَ بوجه من الوجوه ، والولد عبارة أن ينفصل عن الشيء جزءٌ فيتولد عن ذلك الجزء شخص مثله ، وهذا إنما يعقل فيما تكون ذاته قابلة للتَّجْزِيء والتبعيض ، وإذا كان ذلك مُحَالاً في حق إله العالم امتنع إثباتُ الولد . ولما ذكر هذا البرهان القاطع قال : { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ } أي يخوضوا في باطلهم ، ويلعبوا في دنياهم { حَتَّىٰ يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } يعنى يوم القيامة . والمقصود منه التهديد ، يعني قد ذكرت الحجة على فساد ما ذكروا ، فلم يلتفتوا إليها ، لأجل استغراقهم في طلب المال والجاة ، والرياسة ، فاتركهم في ذلك الباطل ، واللعب حتى يصلوا إلى ذلك اليوم الموعود . قوله : " يُلاَقُوا " قراءة العامة من المُلاَقَاةِ . وابنُ مُحَيْصِن ويروى عن ابن عمرو " يَلْقُوا " من " لَقِِيَ " . قوله ( تعالى ) : { وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ } " في السماء " متعلق بـ " إله " لأنه بمعنى معبود في السماء معبود في الأرض ، وحينئذ فيقال : ( إنَّ ) الصلة لا تكون إلا جملة ، أو ما في تقديرها وهو الظرف وعديله . ولا شيء منها هُنَا . والجواب : أن المبتدأ حذف لدلالة المعنى عليه ، ولأن المحذوف هو العائد ، تقديره : وَهُوَ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ إلهُ ، وَهُوَ فِي الأَرْضِ إلَهُ ، وإنما حذف لطول الصلة بالمعمول ، فإن الجار متعلق " بإلَهٍ " ومثله : مَا أَنَا بالَّذِي قَائِلٌ لَكَ سُوءاً وقال أبو حيان : وحسنه طوله بالعطف عليه كما حسن في قولهم : " قَائِلٌ لَكَ شَيْئاً " طولُه بالمعمول . قال شهاب الدين : حصوله في الآية ، وفيما حكاه سواء ، فإن الصلة طالت بالمعمول في كليهما والعطف أمر زائدٌ على ذلك ، فهو زيادة في تحسين الحذف . ولا يجوز أن يكون الجارُّ خبراً مقدماً و " إله " مبتدأ مؤخراً ، لئلا تَعْرَى الجملةُ من رابطٍ ؛ إذ يصير نظير " جَاءَ الَّذِي فِي الدَّارِ زَيْدٌ " فإن جعلت الجار صِلةً ، وفيه ضمير عائد على الموصول وجلعت " إله " بدلاً منه ، فقال أبو البقاء : " جاء على ضعفه ؛ لأن الغرض الكلي إثبات الإلهية ، لا كونه في السموات والأرض فكان يفسد أيضاً من وجه آخر ، وهو قوله : { وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ } ؛ لأنه معطوف على ما قبله ، وإذا لم يقدر ما ذكرنا صار منقطعاً عنه ، وكان المعنى أنه في الإرض إله . انتهى . وقال أبو علي : نظرت فيما يرتفع به " إله " فوجدت ارتفاعه يصح بأن يكون خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير هُوَ الَّذِي في السماء هُو إله . وقال أبو حيان : ويجوز أن تكون الصلة الجار والمجرور ، والمعنى أنه فيهما بإلهيَّته ، ورُبُوبِيَّته ؛ إذ يستحيل حمله على الاستقرار ، وقرأ عُمَرُ ، وعَلِيٌّ ، وعبدُ الله في جماعةٍ وهو الذي في السماء اللهُ ضمَّن العلم أيضاً معنى المشتق فيتعلق به الجار ومثله : هُوَ حَاتِمٌ فِي طَيّىءٍ . أي الجواد فيهم . ومثله : فرعونُ العَذَابُ . فصل قال ابن الخطيب : وهذه الآية من أدل الدلائل على أنه تعالى غير مستقر في السماء لأنه تعالى بين في هذه الآية أن نسبته بإلهيته السماء كنسبته إلى الأرض ، فلما كان إلهاً للأرض مع أنه غير مستقر فيها فكذلك وجب أن يكون إلهاً للسماء مع أنه لا يكون مستقراً فيها . فإن قيل : أيُّ تعلق لهذا الكلام ينفي الولد عن الله عزّ وجلّ ؟ . فالجواب : تَعَلُّقُه به أنه تعالى خالق عيسى عليه الصلاة والسلام بمحض كُنْ فَيَكُون من غير واسطة النطفة والأب فكأنه قيل : إن كان هذا القدر لا يوجب كون عيسى ولداً للهِ عزّ وجلّ ؛ لأن هذا المعنى حاصل في تخليق السموات والأرض مع انتفاء حصول الولد به هناك . ثم قال : { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } الحكيم في تدبير خلقه العليم بِمَصَالِحِهِمْ . وقد تقدم في سورة الأنعام أن كونه حكيماً عليماً ينافي حصول الولد له . قوله : " تَبَاركَ " إما أن يكون مشتقاً من وجوب البقاء ، وإما من كثرة الخير ، وعلى التقديرين فكل واحد من الوجهين ينافي كون عيسى عليه الصلاة والسلام واجبَ البقاء والدوام ؛ لأنه حدث بعد أن لَمْ يَكُنْ ثم عند النصارى أنه قُتل ومَاتَ ومن كان كذلك لم يكن بينه وبين الباقي الأزلي الدائم مجانسة ومشابهة فامتنع كونه ولداً له ، وإن كانَ المرادُ بالبركة كثرةَ الخيرات مثل كونه خالقاً للسموات والأرض وما بينهما فَعِيسى لم يكن خالقاً لهما مع أن اليهود عندهم أخذوه وقتلوه وصلبوه ، والذي هذا صفته كيف يكون ولداً لمن كان خالقاً للسَّمَوات والأرض وما بينهما ؟ ثم قال : { وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } والمقصود منه التنبيه على أن كل من كان كاملاً في الذات ، والعلم ، والقدرة على الوصف المشروح فإنه يمتنع أن يكون ولده في العجز وعدم القدرة عن أحوال العالم بالحد الذي وصفته النصارى به . قوله : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } قرا الأَخَوانِ ، وأبنُ كثير بالياء من تحت ، والباقون بالتاء من فوق وهو في كلاهما مبني للمفعول . وقرىء بالخطاب مبنياً للفاعل . قوله : { وَلاَ يَمْلِكُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ } قرأ العامة يدعون بياء الغيبة ، والضمير للموصول . والسُّلَمِيٌّ وابنُ وَثَّاب بتاء الخطاب . والأَسْودُ بنُ يَزِيدَ بتشديد الدال ، ونقل عنه القراءة مع ذلك بالياء والتاء . وقوله : { إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقِّ } فيه قولان : أحدهما : أنه متصل ، والمعنى إلا من شَهِدَ بالحَقِّ ، كعُزَيْزٍ ، والملائكة فإنهم يملكون الشفاعة بتمليك الله إياهم لها وقيل : هو منقطع بمعنى أن هؤلاء لا يشفعون إلا فيمن شهد بالحق أي لكن من شهد بالحق يشفع فيه هؤلاء كذا قدروه . وهذا التقدير يجوز فيه أن يكون الاستثناءُ متصلاً على حذف المفعول تقديره : ولا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ فِي أَحَدٍ إلاَّ فِيمَنْ شَهِدَ . فصل ذكر المفسرون قولين في الآية : أحدهما : أن الذين يدعون من دون الملائكة وعيسى ، وعزير ، لا يشفعون إلا لمن شهد بالحق . الثاني : رُوِيَ أن النضْرَ بْنَ الحَارِثِ ونفراً معه قالوا : إن كان ما يقوله محمدٌ حقاً فنحن نتولى الملائكة فهم أحق بالشفاعة من مُحَمَّدٍ ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، والمعنى لا يقدر هؤلاء أنْ يَشفعوا لأحد . ثم استثنى فقال : إلاَّ من شهد بالحق أي الملائكة وعِيسَى وعُزير ، فإنهم يشفعون . فعلى الأول : تكون " من " في محل جر ، وعلى الثاني تكون " من " في محل رفع . والمراد بشهادة الحق قول : لا إله إلا الله كلمة التوحيد " وهم يَعْلَمُونَ " بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم . قوله تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ … } الآية ظن قوم أن هذه الآية وأمثالها في القرآن تدل على أن القوم مضطرونَ إلى الاعتراف بوجود الإله قال الجبائي : وهذا لا يصح لأن قوم فرعون قالوا : لا إله ( لهم ) غيره . وقوم إبراهيم قالوا : إنَّا لَفِي شَكِّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إلَيْهِ ( مُرِيبٍ ) . وأجيب : بأنا لا نسلم أن قوم فرعون كانوا منكرين لوجود الإله ، بدليل قوله تعالى : { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً } [ النمل : 14 ] وقال موسى عليه الصلاة والسلام ـ : { لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ } [ الإسراء : 102 ] على قراءة من فتح التاء من " عَلمتَ " وهذا يدل على أن فرعون كان عارفاً بالله . وأما قول قوم إبْراهيم ( عليه الصلاة والسلام ) ـ : { وَإِنَّا لَفِي شَكِّ مِمَّا تَدْعُونا إلَيْهِ } [ إبراهيم : 9 ] فهو مصورف إلى إثبات القيامة ، وإثبات التكليف ، وإثبات النبوة . قوله : { فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } أي لم يكذبون على الله فيقولون : إنَّ الله أمرنا بعبادة الأصنام ؟ . قوله تعالى : { وَقِيلِهِ يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ } قراءة حمزة وعاصم بالجر ، والبَاقُونَ بالنصب فأما الجر فعلى وجهين : أحدهما : أنه عطف على " الساعة " أي عنده علم قِيلِهِ ، أي قول محمد ، أو عِيسى والقَوْلُ والقَالُ والقِيلُ بمعنًى واحد . جاءت المصادر على هذه الأوزان . والثاني : أن الواو للقسم ، والجواب إما محذوف ، تقديره : لتُنْصَرُنَّ أو لأَفْعَلَنَّ بهم ما أريد وإما مذكور ، وهو قوله : إنَّ هَؤلاَءِ لاَ يؤْمِنُونَ . ذكره الزمخشري . وأما قراءة النصب ففيها ثمانية أوجه : أحدها : أنه منصوب على محل " الساعة " كأنه قيل : إنه يعلم الساعةَ ويعلم قِيلهُ كذا . الثاني : أنه معطوف على " سرهم ونَجْوَاهم " ( أي لا يعلم سِرَّهُمْ ) ولا يعلم قيله . الثالث : عطف على مفعول " يَكْتُبُونَ " المحذوف ، أي يكتبون ذلك ، ويكتبون قِيلَهُ كذا أيضاً . الرابع : أنه معطوف على مفعول يعلمون المحذوف ، أي يعلمون ذَلك ( ويعلمون ) قيله . الخامس : أنه مصدر أي قَالَ قِيلهُ . السادس : أن ينتصب بإضمار فعل ، أي اللهُ يعلَمُ قيلَ رَسُولِهِ . وهو محمدٌ صلى الله عليه وسلم ـ . السابع : أن ينتصب على محلّ " بالحَقِّ " ، أي شَهِدَ بالحقِّ وبِقيلِه . الثامن : أن ينتصب على حذف القسم ، كقوله : " فَذَاكَ أَمَانَةَ اللَّهِ الثَّرِيدُ " . وقرأ الأعرج وأبو قِلابة ، ومجاهد والحسن ، بالرفع ، وفيه أوجه : الرفع ، عطفاً على " علم الساعة " ، بتقدير مضاف ، أي وعنده علم قِيلِهِ ، ثم حذف ، وأقيم هذا مُقَامه . الثاني : أنه مرفوع بالابتداء ، والجملة من قوله : " يَا رَبِّ " إلى آخره هو الخبر . الثالث : أنه مبتدأ وخبره محذوف ، تقديره : وقيلهُ كَيْتَ وكَيْتَ مسموعٌ أو متقبلٌ . الرابع : أنه مبتدأ أو صلة القسم ، كقولهم : أيمُنُ اللهِ ، ولَعَمْرُ اللهِ ، فيكون خبره محذوفاً ، والجواب كما تقدم . ذكره الزمخشري أيضاً . واختار القراءة بالنصب جماعة . قال النحاس : القراءة البينة بالنصب من جهتين : أحدهما : أن التفرقة بين المنصوب ، وما عطف عليه مُغْتَفَرةٌ ، بخلافها بين المخفوض وما عطف عليه . والثانية : تفسير أهل التأويل بمعنى النصب . كأنه يريد ما قال أبو عبيدة قال : إنما هي في التفسير أم يحسبون أنا لا نسمع وسرهم ونجواهم ولا نسمع قيله يا رب . ولم يرتض الزمخشري من الأوجه المتقدمة شيئاً . وإنما اختار أن يكون قَسَماً في القراءات الثلاث . وتقدم تحقيقها . وقرأ أبو قِلاَبَةَ : يا ربِّ بفتح الباء ، على قلب الياء ألفاً ، ثم حذفهنا مجتزئاً عنها بالفتحة كقوله : @ 4423ـ … بِلَهْـفَ وَلاَ بِلَيْـتَ … @@ والأخفش يَطْردُها . قال ابن الخطيب بعد أن حكى قول الزمخشري ـ : وأقول : الذي ذكره الزمخشري متكلفٌ أيضاً وها هنا إضمار ، امتلأ القرآن منه ، وهو إضمار اذكر ، والتقدير في قراءة النصب : واذكر قيله يا رب ، وفي قراءة الجر : واذكر وَقْتَ قِيلِهِ يا رب ، وإذا وَجَبَ التزامُ إضمار ما جرت العادة في القرآن بالتزامه ، فالتزام إضماره أولى من غيره . وعن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) أنه قال في تفسير قوله : " وَقِيلِهِ يَا رَبِّ " المراد : وقيل يا ربِّ . الهاء زائدة . فصل القيلُ مَصْدَرٌ ، كالقَوْلِ ، ومنه الحديث : " أنه نَهَى عن قِيلَ وقَالَ " وحكى اللَّيْثُ عن العرب تقولُ : كَثُر فيه القِيلُ والقَالُ . وروى شَمِرٌ عن أبي زيد يقال : ما أحْسَنَ قِيلُكَ ، وقَوْلُكَ ، ومَقَالتُكَ ، ومَقَالُكَ . والضمير في " وَقِيلِهِ " لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمعنى يعلم قَوْلَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم شاكياً إلى ربه ، يا ربِّ إن هؤلاء قومٌ لا يؤمنون لما عرف إصرارهم ، وهذا قريب مما حكى الله عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال : { رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً } [ نوح : 21 ] ثم قال : " فَاصْفَحُ عَنْهُمْ " أي أعْرِضْ عنهم ، " وَقُلْ سَلاَمٌ " قال سيبويه : معناه المتاركة كقوله تعالى : { سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ } [ القصص : 55 ] ثم قال : " فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ " والمراد به التهديد . قوله : " فَسَوْفَ يَعْلَمُون " قرأ نافعٌ وابن عامر بتاء الخطاب التفاتاً ، والباقون بياء الغيبة نظراً لِمَا تَقَدَّم . فصل قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ـ ) قوله : { فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ } منسوخ ( بآية ) السَّيْفِ . قال ابن الخطيب : وعندي التزام النسخ في مثل هذه المواضع مشكل ؛ لأن الأمر لا يفيد الفعل إلا مرة واحدة فسقطت دلالة اللفظ ، فَأَيُّ حاجة إلى التزام النسخ ، وأيضاً فاللفظ المطلق قد يقيَّد بحسب العُرْف ، وإذا كان كذلك ، فلا حاجة فيه إلى التزام النسخ . والله أعلم بالصواب . روى أبو أمامةَ عن أُبَيِّ بنِ كعب ( رضي الله عنهم ـ ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأَ سُورة الزُّخْرُفِ كَانَ مِمَّن كَانَ يُقَالُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ : { يَا عِبَادِي لاَ خَوفٌ عَلَيْكُمْ اليَوْمَ ولا أَنَتُمْ تحزنونَ } ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِغَيْر حِسَابٍ " ( انتهى ) .