Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 44, Ayat: 51-59)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ } لما ذكر وعيد الكفار أردفه بِآيَاتِ الوعْد فقال : " إنْ المُتَّقِينَ " قال أهل السنة : كل من اتقى الشرك صدق عليه أنه متق ، فوجب أن يدخل الفساق هذا الوعد فقال : فِي مَقَام أَمِينٍ . وقرأ أهل المدينة والشام بضمِّ ميم " مُقَام " على المصدر ، أي في إقامة وقرأ الباقون فتح الميم أي في مَجْلِس أمنين آمنوا فيه من الغير . قال الزمخشري ( المقام ) بفتح الميم هو موضع القيام والمراد المكان وهو من الخاص الذي جُعل مستعملاً في المعنى العام وبالضم هو موضع الإقامة ، والأمين من قولك : أَمِنَ الرَّجُلُ أَمَانَةً فَهُو أَمِينٌ وهو ضد الخائن . فوصف به المكان استعارة ؛ لأن المكان المخيف كأنه يَخُون صَاحِبَه . قوله : " فِي جَنَّاتٍ " يجوز أن يكون بدلاً من قوله : " فِي مَقَام " بتكرير العامل ، ويجوز أن يكون خبراً ثانياً وقوله : " يَلْبَسُونَ " يجوز أن يكون حالاً من الضمير المستكن في الجارِّ ، وأن يكون خبراً لـ " إنّ " فيتعلَّق الجار به ، وأن يكون مستأنفاً . قوله : " مُتَقَابِلِينَ " حال من فاعل " يَلْبَسُونَ " . وتقدم تفسير السُّنْدُسِ والإسْتَبْرَقِ والمُقَام . قوله : " كذلك " في هذه الكاف وجهان : أحدهما : النصب نعتاً لمصدر ، أي نفعل بالمتقين فعلاً كذلك أي مثْلَ ذلك الفِعل . والثاني : الرفع على خبر ابتداء مضمر أي الأَمرُ كَذلِكَ . وقدر أبو البقاء قبله جملةً فقال : " تقديره : فَعَلْنَا ذَلِكَ ، والأَمْرُ كَذلِكَ " ، ولا حاجة إليه . والوقف على " كذلك " والابتداء بقوله : وَزَوَّجْنَاهُمْ . قوله : " بِحُورٍ عِينٍ " العامة على تنوين " حُورٍ " موصوفاً " بِعِينٍ " . وعكرمة لم يُنَوِّنْ ، أضافهن لأ ، هن يَنْقَسِمْن إلى " عِينٍ " وغير " عِينٍ " . وتقدم تفسير الحُور العِينِ . فإن قيل : المراد بجلوسهم متقابلين استئناس بعضهم ببعض ، والجلوس على هذه الصّفة موحش لأنه يكون كل واحد منهم مطلعاً على ما يفعل الآخر ، وأيضاً فالقليل الثواب إذا اطلع على حال من يكثر ثوابه ينغص عليه ! . فالجواب : أن أحوال الآخرة بخلاف أحوالِ الدنيا . فصل قال أبو عبيدة : معنى " وَزَوَّجْنَاهُمْ " أي جعلناهم أزواجاً ، كما يزوج النَّعْلُ بالنَّعْلِ أي جَعَلْنَاهُمْ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ . واختلفوا في هذا اللفظ هل يدل على حصول عقد التزويج أم لا ؟ فقال يونس : قوله تعالى : { وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } قَرَنَّاهُمْ بِهِنَّ وليس من عقد التزويج ، والعرب لا تقول : تَزَوَّجْتُ بِهَا ، وإنَّما تقول : تَزَوَّجْتُهَا . وقال الواحديُّ : ( ـ رحمه الله ـ ) : والتنزيل نزل على ما قال يونس ، وذلك قوله تعالى : { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا } [ الأحزاب : 37 ] ولو كان المراد تَزَوَّجْتُ بِهَا لقال : زَوَّجْنَاكَ بِهَا . فصل قال الواحدي : وأصل الحور البَيَاض ، والتَّحْوير التبييض ، وقد تقدم في تفسير الحَوَارِيِّينَ . وعين حوراء إذا اشتدَّ بَيَاضُ بَيَاضِهَا ، واشْتَدَّ سَوَادُ سَوَادِهَا ، ولا تسمى المرأة حَوْرَاءَ حتى يكون حَوَرُ عَيْنَيْهَا بَيْضَاء في لَوْن الجَسَد . وأما العِينُ فجمع عَيْنَاءَ ، وهي التي تكون عظيمةً العَيْنَيْنِ من النِّسَاء وَاسِعَتَهُمَا . قوله : " يَدْعُونَ فِيهَا " حال من مفعول " زَوَّجْنَاهُمْ " ومفعوله محذوف ، أي يدعون الخَدَمَ بكُلّ فَاكِهَةٍ وقوله : " آمِنِينَ " يجوز أن تكون حَالاً ثانيةً ، وأن تكون حالاً من فاعل " يَدْعُونَ " فتكون حالاً مُتَدَاخِلَةً ومعنى " آمنين " أي من نِفَارِهَا ومِنْ " مَـ " ـضَرَّتِهَا . وقال قتادة : آمنين من الموت ، والأوْصَاب ، والشَّيْطَان . قوله : " لاَ يَذُوقُونَ " يجوز أن يكون حالاً من الضمير في " آمِنِينَ " وأن يكون حالاً ثالثةً أو ثانيةً من مفعول " وزَوَّجْنَاهُمْ " ، و " آمِنينَ " حال من فاعل " يَدْعُونَ " كما تقدم ، أو صفة " لآمِنينَ " أو مستأنف . وقرأ عَمرُو بنُ عُبَيْد : لاَ يُذَاقُونَ مبنياً للمفعول . قوله : " إلاَّ المَوْتَة الأُوْلَى " فيه أوجه : أحدها : أنه استثناء منقطع ، أي لكن المَوْتَةَ الأُولى ، قَدْ ذَاقُوهَا . الثاني : أنه متصل ، وتأولوه بأن المؤمن عند موته في الدنيا يُرَى منزلته في الجنة لمعاينة ما يُعْطَاه منها أو لما يتيقنه من نعيمها . الثالث : أن " إلاَّ " بمعنى سوى . نقله الطبري وضَعَّفَهُ . قال ابن عطية : وليس تضعيفه بصحيح ، بل هو كونها بمعنى سوى مستقيم منتسق . الرابع : أن " إلاّ " بمعنى " بَعْدَ " ، واختاره الطبري . وأباهُ الجمهور ، لأن إلاَّ بمعنى بَعْدَ لم يَثْبتُ . وقال الزمخشري : فَإِن قلتَ : كيف استثنيت الموتةَ الأولى المَذُوقَةَ قبل دخول الجنة من الموت المنفي ذوقه منها ؟ . قُلْتُ : أريدَ أن يُقَالَ : لا يذقون فيها الموت البتة ، فوضع قوله : { إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ } موضع " ذَلِكَ " ، لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل فهو من باب التعليق بالمحال كأنه قيل : إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذَوْقُهَا في المستقبل ؛ فإنهم يذُوقُونَها في الجنَّة . قال شهاب الدين : وهذا عند علماء البيان يسمى نَفي الشيء بدليله ومثله قول النَّابغة : @ 4432ـ وَلاَ عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أنَّ سُيُوفَهُمْ بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الكَتائِبِ @@ يعني إن كان أحد يعد فُلُول السيوف من قراع الكتائب عيباً ، فهذا عيبهم لكن عَدّهُ من العيوب محال فانتفى عنهم العيب بدليل تعليق الأمر على المُحَال . وقال ابن عطية بعد ما حكاه عن الطبري : فتبين أنه نفى عنهم ذَوْقَ الموت ، وأنه لا ينالهم من ذلك غير ما تقدم في الدنيا . يعني أنه كلامٌ محمول على مَعْنَاه . وقال ابن الخطيب : إن من جرب شيئاً ووقف عليه وصح أن يقال : إنه ذَاَقَهُ ، وإذا صح أن يسمى ذَلِكَ العلمُ بالذوق صح أن يسمى تذكره أيضاً بالذوق . فقوله : { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ } يعني الذَّوْقَ الحاصِلَ بسبب تذكر الموتة الأولى . فإن قيل : أليس أنَّ أهل النار لا يذوقون الموت فلم بَشَّرَ أهل الجنة بهذا مع أن أهل النار يشاركونهم فيه ؟ . فالجواب : أن البشارةَ ما وقعت بدوام الحياة ، ( بل بدوام الحياة ) مع سابقة حصول تلك الخيرات والساعات فافترقا . قوله : " وَوَقَاهُمْ " الجمهور على التخفيف ، وقرأ أَبو حَيْوَةَ وَوَقَّاهُمْ بالتشديد على المبالغة ولا تكون للتعدية فإنه متعدٍّ إلى اثنيْنِ . قوله : " فَضْلاً " مفعول من أجله ، وهو مراد مَكِّيٍّ بقوله : مصدر عَمِلَ فيه " يَدْعُونَ " . وقيل : العامل فيه : " وَوَقَاهُمْ " . وقيل : آمنين . فهذا إنما يظهر على كونه مفعولاً من أجله ، على أنه يجوز أن يكون مصدراً ، لأن " يَدْعُونَ " وما بعده من باب التفضُّل ، فهو مصدر ملاقٍ لعامله في المعنى . وجعله أبو البقاء منصوباً بمقدر أي تَفَضَّلْنَا بذلك فضلاً أي تَفَضُّلاً . فصل احتج أهل السنة بهذه الآية على أن الثواب يحصل من الله ( تعالى ) فضلاً وإحساناً وأن كل ما وصل إليه العبد من الخلاص عن النار والفَوْزِ بالجَنَّة ، فإنما يحصل بفضل الله تعالى ، ثم قال : { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } وهذا يدل على أن الفضل أعلى من درجات الثواب المستحق ، لأنه وصفه بكونه فَوْزاً عظيماً ، وأيضاً فإن الملكَ العظيم إذا أعطى الأجير أجرته ، ثم خلع على إنسان آخر ، فإن تلك الخُلْعة أعلى حالاً من إعطاء تلك الأجرة . ولما بين الله تعالى الدلائل وشرح الوعد والوعيد قال : { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ } أي سَهَّلْنَا القرآن ، كناية عن غير مذكور " بِلِسَانِكَ " أي بلغتك . والباء للمصاحبة { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } يَتَّعظُونَ . قال القاضي : وهذا يدل علىأنه أراد من الكل الإيمان ولم يرد من أحَدٍ الكفر . وأُجِيبَ : بأن الضمير في قوله : { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } عائد إلى أقوام مخصوصين فيحمل ذلك على المؤمنين . قوله : " فَارْتَقِبْ " أي فانتظر ما يحِلُّ بهم { إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ } لما يحِلُّ بِكَ . فمفعولا الارتقاب محذوفان أي فارتقب النصر من ربك إنهم مرتقبون بك ما يتمنونه من الدوائر والغوائل ولن يضرك ذلك . روى أبو هريرة : ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَنْ قَرَأَ حَم الدخان في لَيْلِهِ أصبح يستغفر له سَبُعون أَلْف مَلَك " رواه البغوي في تفسيره . وروى الثَّعْلَبِيُّ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ : " من قرأ حم التي يذكر فيها الدخان في ليلة جمعةٍ أصبح مغفوراً له " " . وقال أبو أمامة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه سلم ( يقول ) : " من قرأ حم الدخان ليلة الجُمُعَةِ أو يوم الجمعة بَنَى الله له بيتاً في الجنة " . ( اللهم أسْعِدْنا بعظيم فضلك ، وأرحمنا برحمتك ) . ( والله تعالى أعلمُ بالصواب وإليه المرجعُ والمَآب ) .