Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 45, Ayat: 16-19)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ } يعني التوراة { وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ } والمراد بهذه الآية أنه تعالى بين أنه أنعم بنعم كثيرة على بني إسرائيل مع أنه حصل بينهم الاختلاف على سبي البغي والحسد ، والمقصود منه أن يبين أن طريقة قومِهِ كطريقة مَنْ تَقَدَّم . واعلم أن المراد بالكتاب التوراة أما الحكم ، فقيل : المراد به العِلْم والحُكْمُ . وقيل : المراد العلم بفصل الحكومات . وقيل : معرفة أحكام الله وهو علم الفقه . وأما النبوة فمعلومة { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } الحَلاَلاَت ، يعني المَنَّ والسَّلْوى { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ } . قال المفسرون : على عالَمِي زمانهم , قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) لم يكن أحد من العالمين أكرم على الله ولا أحبَّ إليه منهم . ثم قال : { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) يعني العلم بمَبْعَثِ محمد صلى الله عليه وسلم وما بين لهم من أمره وأنه يهاجر من تِهامةَ إلى يثربَ ، ويكون أنصاره من أهل يثربَ . وقيل : المراد بالبيِّنات المعجزات القاهرة على صحة نبوتهم والمراد معجزات موسى عليه الصلاة والسلام ـ . ثم قال تعالى : { فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ } وتقدم تفسير هذا في سورة " حم عسق " . والمراد من ذكر هذا الكلام التعجب من هذه الحالة ؛ لأن حصول العلم يوجب ارتفاع الخلاف ، وههُنَا صار مجيء العلم سبباً لحصول الاختلاف ؛ وذلك لأنهم لم يكن مقصودهم من العلم نفس العلم ، وإنما مقصودهم طلب الرِّيَاسَةِ والتَّقَدُّم ، فيجوز أنه علموا ثم عاندوا . ويجوز أن يريد بالعلم الإدلة التي توصل إلى العلم ، والمعنى أنه تعالى وضع الدلائل والبينات التي لو تأملوا فيها لعرفوا الحقَّ ، لكنهم اختلفوا وأظهروا النزاع على وجه الحسد ، ثم قال : { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بِيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } والمعنى أنه لا ينبغي أن يغتر المُبْطِل بِنعَم الدنيا ، فإنها وإن ساوت نِعَمَ المحقّ أو زادت عليها ، فإنه سيرى في الآخرة ما يسوؤه وذلك كالزجر لهم . ولما بين تعالى أنهم أعرضوا عن الحق بغياً وحسداً ، أمَرَ رسوله بأن يَعْدِلَ عن تلك الطريقة ، وأن يتمسَّك بالحقّ وأن لا يكون له غَرَض سوى إظهار الحق فقال : { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } أي جعلناك يا محمد على سنة وطريقة بعد موسى " مِنَ الأَمْر " من الدِّين { فَٱتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } يعني مراد الكافرين وأديانهم الخبيثة . قال الكلبي : إن رؤساءَ قريشٍ قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ارجع إلى دين آبائك فهم كانوا أفْضَلَ منْك وأسَنّ ، فأَنْزَل الله تَعَالَى هذه الآية . قوله : " عَلَى شَرِيعةٍ " هو المفعول الثاني لجَعَلْنَاك والشريعة في الأصل ما يرده الناس من الماء في الأنهار ، ويقال لذلك الموضع شريعة ، والجمع شرائع قال : @ 4443ـ وَفِي الشَّرَائِع مِنْ جَيْلاَن مُقْتَنَصٌ رَثُّ الثِّيابِ خَفِيُّ الشَّخْصِ مُنْسَرِبُ @@ فاستعير ذلك للدين ، لأن العباد يردون ما يحيى به نفوسهم . قوله : { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي إن اتبعت أهواءهم { وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } والمعنى إنك لو ملت أديانهم الباطلة لصرت مستحقاً للعذاب وهم لا يقدرون على دفع عذاب الله عنك ، وإنَّ الظالمين يتولى بعضهم بعضاً في الدنيا وأما في الآخرة ، فلا ولي لهم ينفعهم في إيصال الثوب ، وإزالة العقاب ، وأما المتقون المهتدون فالله وليهم وناصرهم .