Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 1-8)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { حـمۤ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًى } تقدم الكلام على نظير ذلك . والمراد ههنا بالأجل المسمى يوم القيامة ، وهو الأجل الذي ينتهي إليه السموات والأرض وهو إشارة إلى قيامها . قوله : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ } يجوز أن تكون " ما " مصدرية أي عن إنذارهم أو بمعنى الذي أي عن الذي أُنذِرُوهُ و " عن " متعلقة بالإعراض و " مُعْرِضُون " خبر الموصول . قوله : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ } حكم " أرأيتم " . ووقع بعد هذه " أََرُونِي " فاحتملت وجهين : أحدهما : أن تكون توكيداً لها ، ولأنهما بمعنى أخبروني ، وعلى هذا يكون المفعول الثاني ( لأَرَأَيْتُمْ ) قوله " مَاذَا خَلَقُوا " إلا أنه استفهام ، والمفعول الأول هو قوله : " مَا تَدْعُونَ " . الوجه الثاني : أن لا تكون مؤكدة لها وعلى هذا تكون المسألة من باب التنازع ، لأن ( أَرأَيْتُمْ ) يطلب ثانياً و " أروني " كذلك ، وقوله : " مَاذَا خَلَقُوا " هو المُتَنَازَعُ فيه ، وتكون المسألة من إعمال الثاني ، والحذف من الأول . وجوز ابن عطية في " أَرأَيْتُم " أن لا يتعدى ، وجعل " مَا تَدْعُونَ " استفهاماً معناه التوبيخ . وقال : " وتدعون " معناه تبعدون . وهذا رأي الأخفش ، وقد قال بذلك في قوله : { قَالَ أَرَءَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ } [ الكهف : 63 ] وقد تقدم . قوله : " مِن الأَرْضِ " هذا بيان للإبهام الذين في قوله : " مَاذَا خَلَقُوا " . قوله : " أَمْ لَهُمْ " هذه " أم " المنقطعة ، والشِّرْكُ المُشَارَكَةُ ، وقوله : " مِنْ قَبْلِ هَذَا " صفة لِكِتَابٍ أي بكتاب منزل من قبلِ هذا ، كذا قدرها أبو البقاء ، والأحْسن أن يقدر كون مطلق أي كائن من قبل هذا . قوله : " أَوْ أَثَارةٍ " العامة على أَثارة ، وهي مصدر على فَعَالةٍ ، كالسَّمَاحَةِ ، والغَوايَةِ والضَّلاَلَةِ ومعناها البقية من قولهم : سمنت الناقة على أثارةٍ من لَحْم إذَا كانت سَمِينةً ، ثم هزِلَتُ ، وبقي بقية من شَحْمِهَا ثم سمنت . والأثارة غلب استعمالها في بقية الشرف ، يقال : لِفُلانٍ أثارةٌ أي بقية شرف ، وتستعمل في غير ذلك قال الراعي : @ 4449ـ وََذَاتِ أَثَـارَةٍ أَكَلَـت عَلَيْهَـا نَبَاتـاً فـي أكَِمَّتِـهِ قَفَـاراً @@ وقيل : اشتقاقها من أثر كذا أي أسْنَدَهُ . ومنه قوله عمر : " ما خَلَّفْت به ذَاكِراً وَلاَ آثِراً " أي مسنداً له عن غيري . وقال الأعشى : @ 4450ـ إنَّ الَّـذِي فِيـهِ تَمَارَيْتُمَـا بُيِّـنَ لِلسَّامِـعِ وَالآثِـرِ @@ وقيل : فيها غير ذلك . وقرأ عَلِيٌّ وابن عَبَّاسٍ وزيدُ بنُ عَلِيٍّ وعكرمةُ في آخرين : أَثَرَةٍ دون ألف . وهي الواحدة وتجمع على أَثَر ، كقَتَرَةٍ ، وقَتَرٍ . وقرأ الكسائي : أُثْرَةٍ ، وإِثْرَة بضم الهمزة وكسرها مع سكون الثاء . وقتادة والسُّلَميّ بالفتح والسكون . والمعنى بما يُؤْثَرُ ويُرْوَى ، أي ائتوني بخبر واحد يشهد بصحة قولكم . وهذا على سبيل التنزيل للعلم بكذب المدعي . و " مِن عِلْمٍ " صفةٌ لأَثَارَةٍ . فصل قال أبو عُبَيْدَة والفَرَّاءُ والزَّجَّاجُ أثارة من علم أي بقية . قال المبرد أثارة ما يؤثر منْ عِلمٍ كقولك : هذا الحديثُ يُؤْثَر عَنْ فُلاَنٍ ، ومن هذا المعنى سيمت الأخبار والآثار ، يقال : جَاءَ في الأثر كَذَا وكَذَا . قال الواحدي : وكلام أهل اللغة في هذا الحرف يدور على ثلاثة أقوال : الأول : الأثارة واشتقاقها من أثرت الشيءَ أُثِيرُه إِثَارةً ، كأنها بقية تستخرج فتُثَارُ . والثاني : من الأثر الذي هو الرواية . والثالث : من الأَثَرِ بمعنى العلامة . قال الكلبي في تفسير الأثارة : أي بقية من علم يؤثر عن الأولين أي يسند إليهم . وقال مجاهد وعكرمة ومقاتل : رواية عن الأنبياء . وقال مجاهد : خاصة من علم . قال ابن الخطيب : وههنا قول آخر في تفسير ( قوله ) تعالى : { أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ } هو علم الخط الذي يخط في الرمل والعرب كانوا يخطونه وهو علم مشهور . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كَانَ نَبِيُّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطُّه خَطَّهُ عَلِمَ عِلْمَهُ " فعلى هذا الوجه معنى الآية ائتوني بعلم من قبل هذا الخط الذي تخطونه في الرمل على صحة مذهبكم في عبادة الأصنام . فإن صحّ تفسير الآية بهذا الوجه كان ذلك من بَابِ التَّهَكُّم بهم وأقوالهم ودلائلهم . قوله : " وَمَنْ أَضَلُّ " مبتدأ وخبر . وقوله " مَنْ لاَ يَسْتَجِيبُ " من نكرة موصوفة أو موصولة ، وهي مفعولة بقوله : " يَدْعُو " . قوله : { وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ } يجوز أن يكون الضَّمِيرانِ عائدين على مَنْ في قوله : { مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ } وهم الأصنام ويوقع عليهم من معاملتهم إياها معاملة العقلاء ولأنه أراد جميع مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ الله وغلب العقلاء ، ويكون قد راعى معنى " من " فلذلك جمع في قوله : " وهم " بعدما راعى لفظها فأفرد في قوله : " وَيَسْتَجِيبُ " وقيل : يعود على " مَنْ " في قوله : " ومَنْ أَضَلّ " وحُمِلَ أولاً على لفظها ، فأفرد في قوله : " يَدْعُو " ، وثانياً على معناها فجمع في قوله : { وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ } . فصل " ومن أضلّ " استفهام على سبيل الإنكار والمعنى لا أحد أبعد عن الحق وأقرب إلى الجهل ممن يدعو من دون الله الأصنام ، فيتخذها آلهة ويعبدها ، وهي إذا دُعِيَتْ لا تسمع ، ولا تجيب لا في الحال ولا في المآل إلى يوم القيامة . وإنما جعل ذلك غاية ، لأن يوم القيامة قد قيل : إنه تعالى يحييها ، ويخاطب منْ يعبدها ، فلذلك جعله الله تعالى حدًّا وإذا قامت القيامة وحشر الناس فهذه الأصنام تُعَادِي هَؤُلاَءِ العابدين . واختلفوا فيه فالأكثرون على أنه تعالى يُحْيِي هذه الأصنام يوم القيامة فتتبرأ من عبادتهم . وقيل : المراد عبدة الملائكة وعيسى ، فإنهم في يوم القيامة يظهرون عبادة هؤلاء العابدين وهو المراد بقوله : { وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } أي جاحدين كقوله : { تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } [ القصص : 63 ] . قوله تعالى : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ } هنا أقام ظاهرين مقام مضمرين ، إذ الأصل قالوا لها أي للآيات ولكنه أبرزهما ظاهرين لأجل الوصفين المذكورين . واللام في للحق للصلة . فصل لما تكلم في تقرير التوحيد ، ونَفْي الأضداد ، والأنداد تكلم في النبوّة وبين أن محمداً صلى الله عليه وسلم كلما عرض عليهم نوعاً من أنواع المعجزات قالوا : هذا سحر أي يسمون القرآن سحراً . قوله تعالى : { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } أم للإنكار والتعجب كأنه قيل : دع هذا واسمع القول المنكر العجيب ثم بين بطلان شبهتهم فقال : " قل " يا محمد " إِن افْتَرَيْتُهُ " على سبيل الفرض ، فإن الله يعاملني بعقوبة بُطْلاَن ذلك لافتراء ، وأنتم لا تقدرون على دفعه فكيف أقدر على هذه الفِرْيَةِ ؟ يعني لعقابه ، وهو المراد بقوله : { فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي لاَ تَقْدِرُونَ أن تردوا عني عذابه ، وإن عذبني الله على افْترائِي ، فكيف أفتري على الله من أجلكم ؟ ! ونظيره : { فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ } [ المائدة : 17 ] { وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } [ المائدة : 41 ] . ثم قال : { هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ } أي الله أعلم بما يخوضون فيه من التكذيب بالقرآن ، والقول فيه بأنه سحر . { كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } أي القرآن جاء من عنده فيشهد لي بالصدق ويشهد لكم بالكذب { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } لمن رجع عن الكفر وتاب . قال الزجاج : هذا دعاء إلى التوبة ، ومعناه غفور لمن تاب منكم رحيمٌ به .