Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 1-3)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ … } أول هذه السورة مناسب لآخر السورة المتقدمة . والمراد بالذين كفروا قيل : هم الذين كانوا يطعمون الجيش يوم بدر ، منهم أبو جهل والحارث بن هشام ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وغيرهم . وقيل : كفار قريش . وقيل : أهل الكتاب . وقيل : كل كافر . ومعنى صَدِّهِمْ عن سبيل الله ، قيل : صدوا أنفسهم عن السَّبيل ، ومنعوا عقولهم من اتِّباع الدليل . وقيل : صدوا غيرهم وَمَنَعُوهُم . قوله : { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يجوز فيه الرفع على الابتداء والخبر الجملة من قوله : { أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } ويجوز نصبه على الاشتغال بفعل مقدر يفسره " أضل " من حيث المعنى ، أي خَيَّبَ الَّذينَ كَفَرُوا . قوله : { أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } أي أبطلها فلم يقبلها وأراد بالأعمال ما فعلوا من إطعام الطعام ، وصلةِ الأرحام , قال الضحاك : أبطل كيدهم ومكرهم بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم وجعل الدائرة عليهم . قوله : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } يجوز فيه الوجهان المتقدمان ، وتقدير الفعل : " رَحِمَ الَّذِينَ آمَنُوا " . قوله : { وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ } والعامة على بناء الفعل نزل للمفعول مشدداً ، وزيد بن علي وابنُ مِقْسِم نَزَّلَ مبنيًّا للفاعل وهو اللهُ ، والأعمش أُنْزِلَ بهمزة التعدية مبنياً للمفعول . وقرىء : نَزَلَ ثلاثياً مبنياً للفاعل . قال سفيان الثوري : لم يخالفوه في شيء . قال ابن عباس : " الذين كفروا وصدوا " مشركُوا مكَّةَ والذين آمنوا وعملوا الصالحات الأَنْصَارُ . قوله : { وَهُوَ ٱلْحَقُّ } جملة معترضة بين المبتدأ والخبر المفسَّر والمفسِّر . قوله : { كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } حالهم . وتقدم تفسير " البال " في طه . قال ابن عباس ( رضي الله عنه ـ ) : معنى : أصلح ، أي عَصَمَهُمْ أيَّامَ حَيَاتِهِمْ يعني أن هذا الإصلاحَ يعود إلَى صلاح أعمالهم حتَّى لا يَعْصُوا . فصل قالت المعتزلة : تكفير السيئات مرتّب على الإيمان ، والعمل الصالح ، فمن آمن ولم يعمل صالحاً يبقى في العذاب خالداً . والجواب : لو كان كما ذكرتم لكان الإضلال مرتباً على الكفر والصّد ، فمن يكفر لا ينبغي أن تضل أعماله . أو نقول : إن الله تعالى رتَّب أمرين فمن آمن كفر سيئاته ، ومن عمل صالحاً أصلح باله . أو نقول : أي مؤمنٍ يتصور غير آت بالصالحات بحيث لا يصدر عنه صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا طعام ، وعلى هذا فقوله : " وعَملُوا " من عطف المسببِ على السبب كقول القائل : أَكَلْتُ كَثِيراً وشَبِعْتُ . فإن قيل : ما الحكمة في قوله : " وآمنوا بما نُزّل على محمد " مع أن قوله : " آمنوا وعملوا الصالحات " أفاد هذا المعنى ؟ . فالجواب : من وجوه : الأول : قوله : " الذين آمنوا " أي الله ورسوله ، واليوم الآخر ، وقوله : " آمَنُوا بِمَا نزل " أي بجميع الأشياء الواردة في كلام الله ورسوله تعميماً بعد أمور خاصة كقولنا : خلق الله السموات والأرض وكل شيء إما على معنى وكل شيء غير ما ذكرنا ، وإما على العموم بعد ذكر الخصوص . والثاني : أن يكون المعنى آمنوا من قبل بما نزل على محمد " وهُوَ الحَقُّ " المعجز الفارق بين الكاذب والصادق يعني آمنوا أولاً بالمعجز ، وأيقنوا أن القرآن لا يأتي به غير الله فآمنوا وعملوا الصالحات والواو للجمع المطلق . ( و ) يجوز أن يكون المتأخر ذكراً متقدماً وقوعاً ، وهذا كقول القائل آمن به وكان الإيمان به واجباً ويكون بياناً لإيمانهم ، كأنه قال : آمنوا وآمنوا بما نزل على محمد أي آمنوا وآمنوا بالحق كقول القائل : خرجتُ وخرجت مصيباً أي وكان خروجي جيداً ، حيث نجوت من كذا أو ربحت كذا ، فكذلك لما قال آمنوا بين أن إيمانهم كان بما أمر الله وأنزل الله لا بما كان باطلاً من عند غير الله . قوله : " ذلك " فيه وجهان : أظهرهما : أنه مبتدأ والخبر الجار بعده . الثاني : قال الزمخشري ـ : أنه خبر مبتدأ مضمر ، أي الأمر ذلك بسبب كذا . فالجار في محلِّ نصب قال أبو حيان : ولا حاجة إليه . قوله : { بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَاطِلَ } أي الشيطان . وقيل : قول كبرائهم ، ودين آبائهم { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ } يعني القرآن . وقيل : الحق هو الله تعالى : وعلى هذا فلا يكون قوله : " من ربهم " متعلقاً بالحق وإنما يتعلق بقوله تعالى : { ٱتَّبَعُواْ } أي اتبعوا من ربهم ، أو من فضل الله أو هداية ربهم اتبعوا بالحق ؛ وهو الله تعالى . ويحتمل أن يقال : قوله : { مِن رَّبِّهِمْ } عائد إلى الفريقين جميعاً ، أي من ربهم اتبع هؤلاء الباطل ، وهؤلاء الحق ، وأي من حكم ربهم ومن عند ربهم . قوله : " كذلك يضرب " خرجه الزمخشري على مثل ذلك الضرب يضرب الله للناس أمثالهم ( والضمير راجع إلى الفريقين أو إلى الناس على معنى أنه يضرب أمثالهم ) لأجل الناس ليعتبروا ( انتهى ) . فصل قال الزجاج : معناه كذلك بين الله أمثال حسنات المؤمنين وإضلال أعمال الكافرين . والمراد بالأمثال الأشكال . وقيل : بين كون الكافر متبعاً للباطل وكون المؤمن متبعاً للحق . والضمير في قوله { أَمْثَالَهُمْ } فيه وجهان : أحدهما : أنه يعود إلى الناس ، كأنه تعالى قال : يضرب للناس أمثال أنْفُسِهِمْ . والثاني : يعود إلى الفريقين السابقين ، والمعنى يضرب الله للناس أمثال الفريقين السَّابقين .