Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 27-27)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّؤْيَا } . " صَدَقَ " يتعدى لاثنين ، ثانيهما بحرف الجر ، يقال صَدَقََكَ فِي كَذَا ، وقد يحذف كهذه الآية ، وقوله : " بِالحَقِّ " فيه أوجه : أحدها : أن يتعلق بـ " صَدَقَ " . الثاني : أن يكون صفة لمصدر محذوف أي صِدْقاً مُلْتَبِساً بالحَقِّ . الثالث : أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من الرؤيا ، أي ملتبسةً بالحق . الرابع : أنه قسم وجوابه : لَتَدْخُلُنَّ فعلى هذا يوقف على الرؤيا ، ويبتدأ بما بعدها . ( قال الزمخشري . وعلى تقديره قَسَماً إما أن يكون قَسَماً بالله فإن الحقَّ من أسمائه ، وأما أن يكون قسماً بالحق الذي هو نقيض الباطل . وقال ابن الخطيب : ويحتمل وجهين آخرين : أحدهما : فيه تقديم وتأخير تقديره صدق الله ( و ) رسوله الرؤيا بالحق الرؤيا أي الرسول الذي هو رسول بالحق . الثاني : أن يقال تقديره صدق الله ( و ) رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن فيكون تفسيراً للرؤيا بالحق يعني أن الرؤيا هي وَاللهِ لَتَدْخُلُنَّ . فصل ذكر المفسرون أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في المنام قبل أن يخرج إلى الحديبية أنه يدخل هو وأصحابه المسجد الحرام ويَحْلِقُونَ رُؤُسَهُمْ ويُقَصِّرونَ ، فأخبر أصحابه ففرحوا ، وحسبوا أنهم دخلوا مكة عامَهُم ذلك فلما انصرفوا ولم يدخلوا شقَّ عليهم ذلك فأنزل الله هذه الآية . وروى مُجَمَّعُ بنُ جارية الأنصاريُّ قال : شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرفنا عنها إذ النَّاسُ يهزّون الأبَاعِرَ فقال بعضهم : ما بال الناس ؟ قالوا : أُوحيَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فخرجنا نزحف فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم واقفاً على راحلته على كرَاع الغَمِيم ، فلما اجتمع الناس قرأ : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً } فقال عمر : أَوَ فَتحٌ هو يا رسول الله ؟ قال : نعم والذي نفسي بيده . ففيه دليل على أن المراد من الفتح صلح الحديبية وتحقيق الرؤيا كان في العام المقبل فقال تعالى : { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّؤْيَا بِٱلْحَقِّ } أراها إياه في مَخْرَجِهِ إلى الحديبية أنه يدخل هو وأصحابه المسجِدَ الحَرَامَ صدق وحق ) . قوله : " لَتَدْخُلُنَّ " جواب قسم مضمر أو لقوله : " بالحَقِّ " على ذلك القول . وقال أبو البقاء : و " لَتَدْخُلُنَّ " تفسير الرؤيا أو مستأنف أي والله لتدخلن ، فجعل كونه جواب قسم قسماً تفسيراً للرؤيا . وهذا لا يصح البتة وهو أن يكون تفسيراً للرؤيا غير جواب القسم ، إلا أن يريد أنه جواب قسم ولكنه يجوز أن يكون هو مع القسم تفسيراً وأن يكون مستأنفاً غير تفسير ، وهو تفسير من عبارته . قوله : { إِن شَآءَ ٱللَّهُ } فيه وجوه : أحدها : أنه ذكره تعظيماً للعبادة الأدب كقوله تعالى : { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الكهف : 23و24 ] . الثاني : أن الدخول لما وقع عام الحديبية وكان المؤمنون يريدون الدخول ، ويأبون الصلح قال : لَتَدْخُلُنَّ ولكن لا بجلادتكم ولا بإرادتكم وإنما تَدْخُلُنَّ بمشيئة الله ( تَعَالَى . الثالث : أن الله تعالى لما قال في الوحي المنزَّل على النبي صلى الله عليه وسلم ـ : " لتدخلن " ذكر أنه بمشيئة الله ) تعالى ، لأن ذلك من الله وَعْدٌ ، ليس عليه دينٌ ولا حقٌّ واجبٌ ؛ لأن من وعد بشيء لا يحققه إلا بمشيئة الله ، وإلا فلا يلزمه به أحدٌ . ( فصل قال البغوي : معناه وقال لتدخلن . وقال ابن كيسان : لَتْدخُلُنَّ من قوله رسول الله صلى لله عليه وسلم لأصحابه حكاية عن رؤياه ، فأخبر الله عن رسوله أنه قال ذلك ، وإنما استثنى مع علمه بدخولها بإخبار الله تعالى تأدباً بأدب الله تعالى حيث قال : { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الكهف : 23و24 ] . وقال أبو عبيدة : " إِلاَّ " بمعنى إذ مجازه إذْ شاءَ الله كقوله : { إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [ البقرة : 278 ] وقال الحُسَيْنُ بن الفضل : يجوز أن يكون الاستثناء من الدخول لأن بين الرؤيا وتصديقها سنة ومات في السنة ناس فمجاز الآية لتدخلن المسجد الحرام كلكم إذْ شَاءَ الله . وقيل : الاستثناء واقع على الأمر لا على الدخول ؛ لأن الدخول لم يكن فيهن شك كقول النبيّ صلى الله عليه وسلم عند دخول القبر : " وإِنَّا إنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ " فالاستثناء راجع إلى اللحوق لا إلى الموت ) . قوله : " آمِنينَ " حال من فاعل لَتَدْخُلُنَّ وكَذَا " مُحَلِّقِينَ ومُقَصِّرِينَ " . ويجوز أن تكون " مُحَلِّقِينَ " حالاً من " آمِنينَ " فتكون متداخلةً . فصل . قوله : { مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ } إشارة إلى أنكم تتمون الحج من أوله إلى آخره فقوله : " لَتَدْخُلُونَّ " إشارة إلى الأول وقوله : " محلقين " إشارة إلى الآخر . فإن قيل : محلقين حال الداخلين ، والدَّاخل لا يكون إلا مُحْرِماً والمحرم لا يكون مُحَلّقاً . ( فالجواب : أن قوله : " آمِنينَ " مُتَمَكِّنِين من أن تُتِمُوا الحجَّ مُحَلِّقِينَ ) . قوله : " لاَ تَخَافُونَ " يجوز أن يكون مستأنفاً ، وأن يكون حالاً ثالثةً ، وأن يكون حالاً ( إما ) من فاعل لتدخلن ، أو من ضمير " آمنين " أو " محلِّقين أو مقصرين " فإن كانت حالاً من آمنين أو حالاً من فاعل لتدخلن فهي حال للتأكيد وآمنين حال مقارنة وما بعدها حال مقدرة إلا قوله : " لا تخافون " إذا جعل حالاً فإنها مقارنة أيضاً . فإن قيل : قوله : " لا تخافون " معناه غير خائفين ، وذلك يحصل بقوله تعالى : { آمِنِينَ } فما الفائدة في إعادته ؟ . فالجواب : أن فيه كمال الأمن ؛ لأن بعد الحق يخرج الإنسان عن الإحرام فلا يحرم عليه القتال ولكن عند أهل مكة يحرم قتال من أحْرَمَ ومن دَخَلَ الحَرَمَ فقال : تَدْخُلُونَ آمِنِينَ وتَحْلِقُوَن , ويبقى أَمنُكُمْ بعد إحلالكم من الإحْرَام . قوله : { فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ } أي ما لم تعلموا من المصلحة ، وأن الصلاح كان في الصلح ، وأن دخولكم في سنتكم سبب لوطء المؤمنين والمؤمنات وهو قوله تعالى : { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ … } [ الفتح : 25 ] الآية . ( فإن قيل : الفاء في قوله : " فعلم " فاء التعقيب ، فقوله " فعلم " عقبت ماذا ؟ . فالجواب : إن قلنا : إن المراد من " فَعَلِم " وقت الدخول فهو عقيب صَدَقَ ، وإن قلنا : المراد فعلم المصلحة فالمعنى علم الوقوع والشهادة لا علم الغيب . والتقدير : لما حصلت المصلحةُ في العام القابل فعلم ما لم تعلموا من المصلحة المتجددة . { فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ } أي من قبل دخولهم المسجد الحرام " فَتْحاً قَرِيباً " وهو فتح الحديبية عند الأكْثَرين . وقيل : فتح خيبر . ثم قال : { وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } [ الفتح : 26 ] وهذا يدفع وَهَمَ حدوثِ علمه في قوله : " فَعَلِمَ " ؛ لأن قوله : { وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } [ الفتح : 26 ] يفيد سَبْقَ علْمِهِ ) .