Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 61-61)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا } : الضميرُ المرفوعُ لليهودِ المعاصرينَ ؛ فحينئذ : لا بُدَّ من حذفِ مضافٍ ، أي : وإذا جاءَكُمْ ذريتُهم ، أو نَسْلُهم ؛ لأنَّ أولئك المجعولَ منهم القردَةُ والخنازيرُ ، لم يَجِيئُوا ، ويجوزُ ألاَّ يقدَّر مضافٌ محذوفٌ ؛ وذلك على أن يكونَ قولُه { مَنْ لَعَنَهُ الله } إلى آخره عبارةً عن المخاطَبِينَ في قوله تعالى : { يَٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } [ المائدة : 19 ] ، وأنه مِمَّا وُضِع فيه الظاهرُ موضعَ المضْمَرِ ، وكأنه قيل : أنْتُمْ ، كذا قاله أبو حيان ، وفيه نظرٌ ؛ فإنه لا بدَّ من تقدير مضافٍ في قوله تعالى : { وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ } [ المائدة : 60 ] ، تقديره : وجعل من آبائِكُمْ أو أسْلافِكُمْ ، أو مِنْ جِنْسِكُمْ ؛ لأن المعاصِرِينَ ليسوا مجعولاً منهم بأعيانِهِم ، فسواءٌ جعله مِمَّا ذكر أم لا ، لا بُدَّ من حذف مضاف . قوله تعالى : { وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ } هذه جملةٌ حاليةٌ ، وفي العامل فيها وجهان : أحدهما - وبه بدأ أبو البقاء - : أنه " قَالُوا " ، أي : قالُوا كذا في حَالِ دخولهم كفرةً وخُرُوجهم كفرةً ، وفيه نظرٌ ؛ إذ المعنى يأبَاهُ . والثاني : أنه " آمَنَّا " ، وهذا واضحٌ ، أي : قالوا آمنَّا في هذه الحالِ ، و " قَدْ " في " وَقَدْ دَخَلُوا " " وَقَدْ خَرَجُوا " لتقريب الماضِي من الحال ، وقال الزمخشريُّ : " ولمعنى آخرَ ، وهو : أنَّ أماراتِ النفاقِ كانَتْ لائحةً عليهم ؛ فكان الرسولُ - عليه السلام - متوقِّعاً لإظهار الله تعالى - ما كتموه ، فدَخَلَ حرفُ التوقُّعِ ، وهو متعلِّقٌ بقوله " قَالُوا آمَنَّا " ، أي : قالوا ذلك وهذه حالهم " ، يعني بقوله : " وهُو متعلِّقٌ " ، أي : والحال ، وقوةُ كلامه تُعْطِي : أنَّ صاحبَ الحالِ وعاملَها الجملةُ المَحْكِيَّة بالقَوْل ، و " بالكُفْرِ " متعلقٌ بمحذُوفٍ ؛ لأنه حالٌ من فاعلِ " دَخَلُوا " ، فهي حال من حال ، أي : دَخَلُوا ملتبسين بالكُفْر ، أي : ومعهُمُ الكُفْرُ ؛ كقولهم : " خَرَجَ زَيْدٌ بِثيَابِهِ " ، وقراءةِ من قرأ : { تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } [ المؤمنون : 20 ] ، أي : وفيها الدُّهْنُ ؛ ومنه ما أنشدَ الأصمعيُّ : [ الطويل ] @ 2002 - وَمُسْتَنَّةٍ كَاسْتِنَانِ الْخَرُو فِ قَدْ قَطَعَ الحَبْلَ بِالْمِرْوَدِ @@ أي : ومِرْوَدُهُ فيه ، وكذلك " بِهِ " أيضاً حالٌ من فاعل " خَرَجُوا " . فالبَاءُ في قوله تعالى : { دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ } ، يُفيدُ أنَّ الكُفْرَ معهم حالةَ الدُّخُولِ والخُرُوجِ من غيْرِ نُقْصَانٍ ، ولا تَغْيِير ألْبَتَّة ، كما تَقُولُ : " دَخَلَ زَيْدٌ بِثَوْبِهِ وخَرَجَ " أي : ثوْبُهُ حال الخُرُوجِ ، كما كَانَ حَالَ الدُّخُول . وقوله : " وَهُمْ " مبتدأ ، و " قَدْ خَرَجُوا " خبرُه ، والجملةُ حالٌ أيضاً عطفٌ على الحالِ قبلَها ، وإنما جاءتِ الأولَى فعليَّةً والثانيةُ اسميةً ؛ تنبيهاً على فرطِ تهالِكهم في الكُفْرِ ؛ وذلك أنهم كان ينبغي لهم ، إذا دخلُوا على الرسول - عليه الصلاة والسلام - أنْ يُؤمنُوا ؛ لِما يَرَوْن من حُسْنِ شيمته وهَيْبَته ، وما يظهرُ على يديهِ الشريفة من الخوارقِ والمعجزاتِ ؛ ولذلك قال بعض الكَفَرَةِ : " رَأيْتُ وَجْهَ مَنْ لَيْسَ بِكَذَّابٍ " ، فلمَّا لم يَنجَعْ فيهم ذلك ، أكَّد كفرهم الثاني بأنْ أبْرَز الجملة اسميةً صدْرُها اسمٌ ، وخبرها فعلٌ ؛ ليكون الإسنادُ فيها مرتين ، وقال ابن عطية : " وقوله : " وَهُمْ " تخليصٌ من احتمالِ العبارةِ أن يدخُلَ قومٌ بالكُفْرِ ، ثم يؤمنوا ، ويخرجَ قومٌ ، وهم كَفَرَة ، فكان ينطبِقُ على الجميع ، وهم قد دخلوا بالكفر ، وقد خَرَجوا به ، فأزال اللَّهُ الاحتمال بقوله : { وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ } ، أي : هُمْ بأعيانهم " ، وهذا المعنى سبقه إليه الواحديُّ ، فبسطه ابن عطيَّة ، قال الواحديُّ : { وهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ } أكَّد الكلام بالضَّمير ، تعييناً إياهم بالكفر ، وتمييزاً لهم عن غيَرِهِمْ ، وقال بعضهم : معنى " هُم " التأكيدُ في إضافة الكُفْر إليهم ، ونَفْيِ أن يكون من الرسولِ ما يوجبُ كفرَهُمْ ؛ مِنْ سوءِ معاملته لهم ، بل كان يلطفُ بهم ويعاملُهم أحسنَ معاملةٍ ، فالمعنَى : أنهم هم الذين خَرَجُوا بالكُفْر باختيار أنفُسِهِمْ ، لا أنَّكَ أنْتَ الذي تسبَّبْتَ لبقائِهم في الكُفْر ، وقال أبو البقاء : " ويجوز أن يكون التقديرُ : وقد كانوا خرجُوا به " ، ولا معنى لهذا التأويلِ ، والواوُ في قوله تعالى : { وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ } تحتمل وجهين : أحدهما : أن تكون عاطفةً لجملةِ حالٍ على مثلها . والثاني : أن تكونَ هي نفسُها واوَ الحال ؛ وعلى هذا : يكونُ في الآية الكريمة حجةٌ لمن يُجِيزُ تعدُّدَ الحال لذي حالٍ مفردٍ من غير عطف ، ولا بدل إلا في أفعلِ التفضيل ، نحو : " جَاءَ زَيْدٌ ضَاحِكاً كَاتِباً " ؛ وعلى الأول : لا يجوزُ ذلك إلا بالعطفِ أو البدلِ ، وهذا شبيهٌ بالخلاف في تعدُّد الخبر . قوله تعالى : " وإذا جَاءُوكم " يعني : هؤلاء المُنَافِقِين وقيل : هُم الذين آمَنُوا بالذي أنْزِلَ على الَّذِين آمَنُوا وجْهَ النَّهار ، دَخَلوا على النَّبِيِّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - ، وقالوا : آمَنَّا بِكَ وصدَّقْنَاك فيما قُلْتَ ، وهُمْ يُسِرُّون الكُفْر . { وقَدْ دخلُوا بالكُفْرِ وهُمْ قَدْ خَرَجوا به } أي : دخلوا كافِرِين وخرَجُوا كافِرِين ، واللَّه أعلَمُ بما يَكْتُمُون ، والغرض منه : المُبَالَغَةُ فِيمَا في قُلُوبِهِم من الجدِّ والاجتِهَادِ في المكر بالمُسْلِمِين ، والكَيْدِ والبُغْضِ والعَداوَةِ لهم . قالت المُعْتَزِلَةُ : إنَّه تعالى أضَافَ الكُفْرَ إليْهِم حالَتَي الدخُول والخُرُوج على سبيل الذَّمِّ ، وبالَغَ في تَقْرِيرِ تِلْكَ الإضَافَةِ بقوله : { وهم قد خَرَجوا بِهِ } ، فدلَّ هذا على أنَّه من العَبْدِ لا من اللَّه تعالى . والجوابُ : المُعارضَةُ بالْعِلْمِ والداعي .