Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 56-60)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } . هذا الجار متعلق " بخَلَقْتُ " . واختلف في الجن والإنس ، قيل : المراد بهم العموم والمعنى إلا لآمرهم بالعبادة وليقروا بها ، وهذا منقول عن علي بن أبي طالب ، ويؤيده : { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً } [ التوبة : 31 ] أو يكون المعنى : ليطيعوني وينقادوا لقضائي ، فالمؤمن يفعل ذلك طوعاً والكافر كرهاً ، فكل مخلوق من الجِنّ والإنس خاضع لقضاء الله متذلّل لمشيئته ، لا يملك أحد لنفسه خروجاً عما خلق عليه . أو يكون المعنى : إلا معدين للعبادة ، ثم منهم من يتأتى منه ذلك ، ومنهم من لا ، كقولك : هَذَا القَلَمُ بَرَيْتُهُ لِلْكِتَابَةِ ، ثم قد يكتب به ، وقد لا يُكْتَب وقيل : المراد به الخصوص ، أي ما خلقت السعداءَ من الجنِّ والإنس إلا لعبادتي ، والأشقياء منهم إلا لمعصيتي . قاله زيد بن أسلم . قال : هو ما جُبلوا عليه من السعادة والشقاوة ، ويؤيده قوله : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ } [ الأعراف : 179 ] . وقال مجاهدٌ : معناه إِلاَّ ليعْرفُون . قال البغوي : وهذا أحسن ؛ لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده ، بدليل قوله : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [ الزخرف : 87 ] ، وقيل : إلا ليعبدون أي إلا ليوحدون ، فأما المؤمن فيُوَحِّده في الشدة والرخاء ، وأما الكافر فيوحده في الشّدة والبلاء دون النعمة والرخاء قال تعالى : { فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [ العنكبوت : 65 ] وقيل : المراد وما خلقت الجِنَّ والإِنْسَ المؤمنين . وقيل : الطائعين . قال شهاب الدين : والأول أحسنُ . فصل في تعلق الآية بما قبلها أن بعثة الأنبياء منحصرة في أمرين عبادة الله وهداية الخلق ، فلما قال تعالى : { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } [ الذاريات : 54 ] بين أن الهداية قد سقطت عند اليأس ، وأمّا العبادة فهي لازمة للخلق المطلق وليس الخلق المطلق للهداية ، وقيل : إنه لما بين حال من قبله فِي التكذيب ذكر هذه ليتبين سُوءَ صنيعهم ، حيث تركوا عبادة الله الذي خلقهم للعبادة . فإِنْ قِيلَ : ما الحكمة في أنه لم يذكر الملائكة مع أنهم من أصناف المكلفين وعبادتهم أكثر من عبادة غيرهم من المكلَّفين ، قال تعالى : { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } [ الأنبياء : 26 ] وقال : { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } [ الأعراف : 206 ] . فالجواب من وجوه : أحدها : أنه تقدم أن الآية سيقت لبيان قُبْح ما يفعله الكَفَرَةُ ، من ترك ما خُلِقُوا له . وهذا مختص بالجِنِّ والإنس ؛ لأن الكفر موجودٌ في الجنِّ والإنس بخلافِ الملائكة . الثاني : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مبعوثاً إلى الجنِّ والإنس ، فلما قال : " وَذَكِّرْ " بين ما يذكر به وهو كون الخلق للعبادة ، وخصص أمته بالذكر أي ذكر الإنس والجن . الثالث : أن عباد الأصنام كانوا يقولون : إن الله تعالى عظيم الشأن خلق الملائكة وجعلهم مقربين ، فهُم يعبدون الله وخلقهم لعبادته ونحن لنزول درجتنا لا نصلح لعبادة الله فنعبد الملائكة وهم يعبدون الله كما قالوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] فقال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } ولم يذكر الملائكة لأن الأمر فيهم كان مسلماً من القوم ، فذكر المتنازع فيه . الرابع : فعل الجن يتناول الملائكة ، لأن أصل الجن من الاستتار ، وهم مُسْتَتِرُون عن الخلق فذكر الجن لدخول الملائكة فيهم . قوله : { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ } أي يرزقوا أحداً من خَلْقِي ، ولا أن يرزقوا أنفسهم { وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } أي يطعموا أحداً من خلقي . وإنما أسند الإطعام إلى نفسه لأن الخلق عِيالُ الله ومن أطعم عيالَ أحدٍ فقد أطعمَهُ ، قال عليه الصلاة والسلام : " اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي " ، أي لم تطعم عبدي . فصل استدل المعتزلة بقوله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } على أن أفعال الله تعالى معلّلة بالأغراض وأجيبوا بوجوه تقدمت منها : أن اللام قد تثبت لغير الغرض كقوله تعالى : { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } [ الإسراء : 78 ] وقوله : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [ الطلاق : 1 ] ومعناه المقارنة فمعناه : قرنت الخلق بالعبادة أي خلقتهم ، وفرضت عليهم العبادة . ومنها : قوله تعالى : { ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ } [ الزمر : 62 ] و [ الرعد : 16 ] . ومنها : ما يدل على أن الإضلال بفعل الله كقوله تعالى : { يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ النحل : 93 ] وأمثاله . ومنها : قوله تعالى : { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ } [ الأنبياء : 23 ] وقوله : { وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ } [ إبراهيم : 27 ] و { يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } [ المائدة : 1 ] . وقوله تعالى : { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } معناه : أن النفع يعود إليهم لا لي . فإن قيل : ما الفائدة في تكرير الإرادتين مع أن من لا يريد من أحدٍ رزقاً لا يريد أن يُطْعِمَهُ ؟ ! . فالجواب : أن السيِّدَ قد يطلب من العبد المتكسّب له ، فيطلب منه الرزق ، وقد يكون للسَّيدِ مالٌ وافر يستغني به عن التكسب لكنه يطلب من العبد قضاءَ حوائجه وإحضار الطعام بين يديه ، فقال : لا أريد ذلك ولا هذا . وقد طلب الرزق على طلب الإطعام من باب الارتقاء من الأدنَى إِلى الأعلى . فإن قيل : ما فائدة تخصيص الإطعام بالذكر مع أن المراد عدم طلب فعل منهم غير التعظيم ؟ ! . فالجواب : أنه لما عمم النفي في الطلب الأول بقوله : " من رزق " وذلك إشارة إلى التعميم بذكر الإِطعام ونفي الأدنى يستتبعه نفي الأعلى بطريق الأولى ، فكأنه قال : ما أريد منهم من غِنًى ولا عَمَلٍ . فإن قيل : المطالب لا تنحصر فيما ذكره فإن السيِّد قد يشتري العبد لا لطلب عمل منه ، ولا لطلب رزق ولا للتعظيم ، بل يشتريه للتجارة ! فالجواب : أن عموم قوله : { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ } يتناول ذلك . قوله : " أَنْ يُطْعِمُونِ " قيل : فيه حذف مضاف أي يطعموا خَلْقِي كما تقدم في التفسير . وقيل : المعنى أن يَنْفَعُون فعبر ببعض وجوه الانتفاعات لأن عادة السادة أن ينتفعوا بعبيدهم ، والله مُسْتَغْنٍ عن ذلك . قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ } يعني لجميع خلقه ، وهذا تقرير لعدم طلب الرزق ، وقوله : " ذو القُوَّةِ " تقرير لعدم طلب العمل لأن من يطلب رزقاً يكون فقيراً محتاجاً ، ومن يطلب عملاً يكون عاجزاً لا قوة له فكأنه يقول : ما أريدُ منهم من رزق فإني أنا الرزّاق ، ولا العمل فإِني قَوِيّ . وروي أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قرأ : إِنِّي أنا الرزَّاق ، وقرأ ابن مُحَيْصِن : الرَّازق ، كما تقدم في قراءته : { وَفي السَّمَاء رازِقُكمْ } . قوله : " المَتِينُ " العامة على رفعه ، وفيه أوجه : إما النعت للرزَّاق ، وإما النعت لِذُو ، وإما النعت لاسم " إِنَّ " على الموضع . وهو مذهب الجَرْمِيِّ والفراء ، وغيرهما . وإما خبر بعد خبر ، وإما خبر مبتدأ مضمر . وعلى كل تقدير فهو تأكيد ، لأن " ذو القوة " يفيد فائدتَهُ . وقرأ يَحْيَى بْنُ وَثَّاب والأعمشُ المَتِينِ - بالجر - فقيل : صفة " القوة " ، وإنما ذكر وصفها لكوْن تأنيثِها غيرَ حَقِيقيٍّ . وقيل : لأنها في معنى الأيْدِ . وقال ابن جنِّي : هو خفض على الجوار كقولهم : " هَذا جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ " يعني أنه صفة للمرفوع ، وإنما جر لما جاور مجروراً . وهذا مرجوحٌ لإمكان غيره ، والجوار لا يصار إليه إلا عند الحاجة . فصل قال تعالى : " ما أريد " ولم يقل : إني رازق بل قال على الحكاية عن الغائب إن الله هو الرزّاق فما الحكمة فيه ؟ . قال ابن الخطيب : نقول : قد رُوِيَ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ : إنِّي أنا الرَّزَّاق . وأما على القراءة المشهورة فالمعنى : قُلْ يا محمد إن الله هو الرزَّاق ، أو يكون من باب الالتفات من التكلم إلى الغيبة ، أو يكون قل مضمراً عند قوله : " مَا أُرِيدُ " أي قل يا محمد : ما أريد منهم من رزق فيكون بمعنى قوله : { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } [ ص : 86 ] ويكون على هذا قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ } ، ولم يقل : القوي ، بل قال : ذُو القوة ، لأن المقصود تقرير ما تقدم من عدم إرادة الرزق ، وعدم الاستعانة بالغير لكن في عدم طلب الرزق لا يكفي كون المستغني بحيث يرزق واحداً ، فإن كثيراً من الناس يرزق ولده وعبده ويسترزق والملك يرزق الجند ، ويسترزق ، فإذا كثر منه الرزق قل منه الطلب لأن المسترزِقَ منه يكثر الرزق ، لا يسترزق من رزقه فلم يكن ذلك المقصود يحصل إلا بالمبالغة في وصف الرازق ، فقال : الرزَّاق ، وأما ما يُغني عن الاستعانة بالغير ، فهو دون ذلك لأن القوي إذا كان في غاية القوة يعين الغير ، فإذا كان دون ذلك لا يعين غيره ولا يستعين به استعانة قوية بل استعانة ما وتتفاوت بعد ذلك ، ولما قال : { وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } كفاه بيان نفس القوة فقال : " ذُو القوة " ، لأن قولنا : ذُو القوة في إفادة معنى القوي دون إفادة القَوِيّ ، لأن ذلك لا يقال في الوصف اللازم البين ، يقال في الآدمي : ذُو مَال ومتمول ، وذو جَمال ، وجميل ، وذو خلق حسن إلى غير ذلك مما ( لا ) يلزم لزوماً بيناً . ولا يقال في الثلاثة : ذات فردية ، ولا في الأربعة : ذات زوجية ، وهذا لم يرد في الأوصاف الحقيقية فلم يسمع ذو الوجود ولا ذو الحياة ولا ذو العِلم ، ويقال في الإنسان : ذو علم ، وذو حياة لأنها فيه عرض لا لازم بين . وفي صفات الفعل يقال : الله تعالى ذُو الفضل كثيراً ( وذو الخلق قليلاً ) ؛ لأن " ذا كذا " بمعنى صاحب والصحبة لا يفهم منها اللزوم فضلاً عن اللزوم البين . ويؤيد هذا قوله تعالى : { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [ يوسف : 76 ] فجعل غيره ذا علم ووصف نفسه بالفعل فبين ذي العِلم والعليم فرق وكذلك بين ذي القوة والقويّ ، ويؤيده أيضاً قوله تعالى : { فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ } [ غافر : 22 ] وقوله : { ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْقَوِيُّ } [ الشورى : 19 ] وقال : { لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [ المجادلة : 21 ] لأن هذه الصور كان المراد بها بيان القيام بالأفعال العظيمة وههنا المراد عدم الاحتياج ومن لا يحتاج إلى الغير يكفيه من القوة قدر ( ما ) . ومن يقوم مستبداً بالفعل لا بد له من قوة عظيمة ، لأن عدم الحاجة قد يكون بترك الفعل والاستغناء عَنْه . فصل قوله : " المَتِينُ " ، لأن ذا القوة كما تقدم لا يدل إلا على أن له قوةً ما ، فزاد في الوصف المتانة وهو الذي له ثبات لا يتزلزل وهو مع المتين من باب واحد لفظاً ومعنى ، فإن معنى مَتْن الشيء هو أصله الذي عليه ثباته والمتن هو الظهر الذي عليه أساس البدن والمتانة مع القوة كالعزّة مع القوي حيث قرن العزة مع القوة في قوله : " قَوِيٌّ عَزِيزٌ " وقوله : " القَوِيّ العَزِيزُ " . قوله تعالى : { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } قد تقدم الكلام على الفاء في وجه التعلق . والمراد بالذين ظلموا : كفار مكة . ومعنى ذنوباً أي نصيباً من العذاب { مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ } أي مثل نصيب أصحابهم الذين هلكوا من قوم نوح وعادٍ ، وثمود . والذنوب : في الأصل الدلو العظيمة المملوءة ماء ، وفي الحديث الشريف : " فَأُتي بذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ " فإن لم تكن مَلأَى فهو الدَّلْو ، ثم عبر به عن النَّصيب ، قال علقمة : @ 4530 - وَفِي كُلّ حَيٍّ قَدْ خَبَطْتُ بِنِعْمَةٍ فَحُقَّ لِشَأْسٍ مِنْ نَدَاكَ ذَنُوبُ @@ ويجمع في القلة على أَذْنِبَةٍ ، وفي الكثرة على ذَنَائِبَ . وقال المَلكُ لما أنشد هذا البيت نَعَمْ وأَذْنِبَة . وقال الزمخشري : الذَّنُوب الدلو العظيمة ، وهذا تمثيل أصله في السّقاة يقتسمون الماء فيكون لهذا ذنوب ولهذا ذنوب قال الشاعر : @ 4531 - لَنَا ذَنُوبٌ ولَكُم ذنُوبُ فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَلَنَا القَلِيبُ @@ وقال الراغب : الذنوب الدلو الذي له ذنب انتهى . فراعى الاشتقاق . والذنوب أيضاً الفَرَسُ الطّويل الذّنب وهو صفة على فَعُول . والذَّنوب لحم أسفل المَتْن . ويقال : يَوْم ذَنُوب أي طويل الشّر استعارة من ذلك . قوله : { فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } أي بالعذاب . ووجه مناسبة الذنوب أن العذاب منصبّ عليهم كما يُصَبُّ الذَّنُوبُ ، قال تعالى : { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } [ الحج : 19 ] وقال تعالى : { ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ ٱلْحَمِيمِ } [ الدخان : 48 ] والذّنوب كذلك فكأنه قال : نصبّ فوق رؤوسهم ذَنُوباً من العذاب كذنوب صُبّ فوق رؤوس أولئك . ووجه آخر وهو أن العرب يستقون من الآبار على النَّوْبَة ذنوباً فذنوباً وذلك وقت عيْشِهم الطيب ، فكأنه تعالى قال : { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } من الدنيا وطيباتها " ذَنُوباً " إذا ملأوه ولا يكون لهم في الآخرة من نصيب كما كان عليه حال أصحابهم استقوا ذنوباً وتركوها ، وعلى هذا فالذنوب ليس بعذاب ولا هلاك وإنما هو رَغَدُ العيش . قال ابن الخطيب : وهو أليق بالعربية . قوله تعالى : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } يعني يوم القيامة . وقيل : يوم بدر ، وحذف العائد لاستكمال شُرُوطه ، أي يُوعدونه . روى الثعلبي عن أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَرَأَ سُورَة " وَالذَّارِيَاتِ " أُعْطِيَ مِنَ الأَجْرِ عَشْرَ حَسَنَاتِ بِعَدَدِ كُلّ رِيحٍ هَبَّتْ وَجَرَتْ فِي الدُّنْيَا " ( والله سبحانه وتعالى أعلم وأشفق وأرحم ) .