Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 59-62)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } متعلق بـ " تَعْجَبُونَ " ولا يجيء فيه الإعمال ، لأن من شرط الإعمال تأخير المعمول عن العوامل ، وهنا هو متقدم ، وفيه خلاف بعيد . وعليه تتخرج الآية الكريمة فإن كُلاًّ من قوله : " تَعْجَبُونَ " و " تَضْحَكُونَ " و " لاَ تَبْكُونَ " يطلب هذا الجار من حيث المعنى . والعامة على فتح التاء والجيم من " تَعْجَبُون " و " تَضْحَكُون " . والحسن بضم التاء وكسر الجيم والحاء من غير واو عاطفة بين الفعلين . وهي أبلغ من حيث إنهم إذا أضحكوا غيرهم كان تجرؤهم أكثر . وقرأ أُبَيٌّ وعبدُ الله كالجماعة ، إلا أنهما بلا واوٍ عاطفة كالحَسَن ، فيحتمل أن يكون يضحكون حالاً ، وأن يكون استثناءً كالتي قبلها . فصل قال المفسرون : المراد بالحديث القرآن . قال ابن الخطيب : ويحتمل أن يكون إشارة إلى حديث أزفت الآزفة ، فإنهم كانوا يتعجبون من حَشْر الأجساد ، والعظام البالية . وقوله : ( وَتَضْحَكُونَ ) أي استهزاء من هذا الحديث كقوله تعالى في حق موسى - عليه الصلاة والسلام - : { فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } [ الزخرف : 47 ] . ويحتمل أن يكون إنكاراً على مطلق الضحك مع سماع حديث القيامة أي أتضحكون وقد سمعتم أن القيامة قربت فكان حقاً أن لا تضحكوا حينئذ . وقوله : " وَلاَ تَبْكُونَ " مما تسمعون من الوعيد ، روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما رؤي بعد هذه الآية ضاحكاً إلا تبسماً . وقال أبو هريرة : " لما نزل قوله { أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ } الآية قال أهل الصفة : " إنا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ " ثم بكَوْا حتى جرت دموعهم على خدودهم ، فلما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكاءهم بكى معهم فبكينا لبكائه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لاَ يَلِجُ النَّار مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ، وَلاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُصرٌّ علَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بكم ، وَأَتى بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فيَغْفِرُ لَهُمْ وَيَرْحَمُهُمْ إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " . قوله : " وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ " أي غافلون لاهون . وهذه الجملة يحتمل أن تكون مستأنفةً ، أخبر الله عنهم بذلك ، ويحتمل أن تكون حالاً أي انتفى عنكم البكاء في حال كونكم سامدين . والسمود ، قيل : الإعراض والغفلة عن الشيء ، وقيل : اللهو ، يقال : دَعْ عَنَّا سُمُودَك أي لهوَك . رواه الوالبيُّ والعَوْفِيُّ عن ابن عباس - ( رضي الله عنهما ) - وقال الشاعر : @ 4578 - أَلاَ أَيّهَا الإنْسَانُ إنَّكَ سَامِدٌ كَأَنَّكَ لاَ تَفْنَى وَلاَ أَنْتَ هَالِكُ @@ فهذا بمعنى لاه لاعب . وقيل : الخُمُودُ . وقيل : الاستنكار ، قال ( رحمه الله ) : @ 4579 - رَمَى الْحِدْثَانُ نِسْوَة آلِ سَعْدٍ بِمْقدَارٍ سَمَدْنَ لَهُ سُمُودَا فَرَدَّ شُعُورَهُنَّ السُّودَ بِيضاً وَرَدَّ وُجُوهَهُنَّ الْبِيضَ سُودَا @@ فهذا بمعنى الخمود والخشوع ، وقال عكرمة وأبو هريرة : السمود القيامة بلغة حِمْيَر ، يقولون : يا جَارِيَةُ اسمُدِي لنا أي غنِّي ، فكانوا إذا سمعوا القرآن تَغَنَّوْا وَلَعِبُوا . وقال الضحاك : أَشِرُونَ . وقال مجاهد غضاب يَتَبَرْطَعُونَ . وقال الراغب : السامد اللاهي الرافع رأسه من قولهم : بَعِيرٌ سَامِدٌ في سَيْرِهِ . وقيل : سمد رأسه وسبده أي استأصل شعره . وذكر باسم الفاعل لأن الغفلة دائمة وأما الضحك والعجب فهما أمران يتجددان ويعدمَان . وقال الحسن سامدون أي واقفون للصلاة قبل وقوف الإمام ، لما رُوِيَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خرج والناس ينتظرونه قياماً فقال : مَا لِي أَرَاكُمْ سَامِدِينَ . حكاه الماوردي . وروى المَهْدَوِيُّ عن علي أنه خرج إلى الصلاة فرأى الناس قياماً فقال : مَا لِي أَرَاكُمْ سَامِدِينَ . وروي عن علي أن معنى " سامدون " أن يجلسوا غير مصلين ولا منتظرين الصلاة . وتسميد الأرض أن يجعل فيها السماد وهو سِرْجينٌ وَرَمَادٌ . واسْمَأدَّ الرجال اسْمِئْدَاداً أي وَرِم غضباً . قوله : { فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ } هذا الأمر يحتمل أن يكون عاماً ، ويحتمل أن يكون التفاتاً أي اشتغلوا بالعبادة ، ولم يقل : واعبدوا الله إما لكونه معلوماً من قوله : " فَاسْجُدُوا لِلَّهِ " وإما لأن العبادة في الحقيقة لا تكون إلاَّ لله . وروى عكرمة عن ( ابن عباس رضي الله عنهما ) أن - النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجنّ والإنس . وروي عن عبد الله - ( رَضِيَ الله عنه ) - قال : أول سورة أنزلت فيها السجدة النَّجم ، فسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسجد مَنْ خَلْفَهُ إلا رجلاً رأيته أخذ كَفًّا من تراب ، فسجد عليه فرأيته بعد ذلك قتل كافراً وهو أميةُ بْنُ خَلَفٍ . وروى زيد بن ثابت - ( رضي الله عنه ) - قال : قرأت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّجْمِ فلم يسجُدْ فيها ، وهذا يدل على أن سجود التلاوة غيرُ واجب ، قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : إن الله لم يكتبها علينا إلا أن يشاءَ وهو قولُ الشَّافِعِيِّ وأحْمَد . وذهب قومٌ إلى أنه واجبٌ على القارىء والمستمع جميعاً . وهو قول سفيانَ الثوريِّ وأصحابِ الرأي . وروى الثعلبي في تفسيره عن أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " مَنْ قَرَأَ سورة النجم أُعطي من الأجر ( عشر حسنات ) بعَدَدِ مَنْ صَدَّقَ بمُحَمَّد وكَذَّبَهُ " ( انتهى ) .