Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 14-14)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : " أغَيْرَ اللَّهِ " مفعول أوّل لـ " أتَّخِذُ " و " ولياً " مفعولٌ ثانٍ ، وإنما قدَّم المفعول الأوَّل على فعله لمعنى ، وهو إنكار أن يُتَّخَذَ غَيْرَ اللَّهِ وليّاً لا اتّخَاذ الوليّ ، ونحوه قولك لمن يُهِينُ زيداً وهو مستحقٌّ للإكرام : " أزيداً أهَنْتَ " ؟ ! أنْكَرْتَ أن يكون مِثْلَهُ مُهَاناً . وقد تقدَّم هذا موضحاً في قوله : { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ } [ المائدة : 116 ] ، ومثله : { أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً } [ الأنعام : 164 ] ، { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ } [ الزمر : 64 ] { ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ } [ يونس : 59 ] { ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ } [ الأنعام : 143 ] وهو كثيرٌ ، ويجوز أن يكُونَ " أتخذ " متعدّياً لواحدٍ ، فيكون " غير " مَنْصُوباً على الحال من " ولياً " ؛ لأنه في الأصل صِفَةٌ له ، ولا يجوز أن يكُونُ استثناءً ألْبَتَّةَ ، كذا منعه أبو البقاء ، ولم يُبَيَّنْ وجهه . والذي يظهر أنَّ المَانِعَ تقدُّمه على المستثنى منه في المعنى ، وهو " وَلياً " . وأمَّا المعنى فلا يَأبى الاستثناء ؛ لأن الاستفهام لا يُرَادُ به حقيقته ، بل يُراد به الإنْكَار ، فكأنه قيل : لا أتَّخذُ وليَّا غير اللَّه ، ولو قيل كذا لكان صحيحاً ، فظهر أنَّ المانع عنده إنما هو التَّقْدِيمُ على المستثنى منه ، لكن ذلك جائز وإن كان قليلاً ، ومنه : [ الطويل ] @ 2118 - ومَا لِي إلاَّ آل أحْمَدَ شِيعَةٌ وَمَا لِيَ إلاَّ مَشْعَبَ الحَقِّ مشْعَبُ @@ وقرأ الجمهور " فَاطرِ " بالجر ، وفيها تخريجان : أحدهما - وبه قال الزمخشريّ والحوفيّ وابن عطيّة - : صفة للجلالة المجرورة بـ " غير " ، ولا يَضُرُّ الفَصْلُ بين الصِّفَةِ ، والموصوف بهذه الجملة الفعلية ومفعولها ؛ لأنها ليست بأجنبيةٍ ، إذ هي عاملةٌ في عامل الموصوف . الثاني - وإليه نَحَا أبو البقاء - : أنه بَدَلٌ من اسم اللَّهِ ، وكأنه فَرَّ من الفَصْلِ بين الصٍّفةِ وموصوفها . فإن قيل : هذا لازمٌ له في البدل ، فإنه فَصَل بين التَّابع ومتبوعه أيضاً ، فيقال : إنَّ الفَصْلَ بين البدلِ والمبدل فيه أسهل ؛ لأن البَدَلَ على نِيَّةِ تَكْرَارِ العامل ، فهو أقربُ إلى الفَصْلِ ، وقد يُرجَح تخريجه بوَجْهٍ آخر ، وهو أنَّ " فاطر " اسم فاعل ، والمعنى ليس على المُضِيِّ حتى تكون إضافته غير مَحْضَةٍ ، فيلزم وَصْفُ المعرفة بالنَّكرة ؛ لأنه في نيَّةِ الانفصال من الإضافة ، ولا يقال : اللَّهُ فَاطِرُ السموات والأرض فيما مضى ، فلا يُرَادُ حالٌ ولا استقبالٌ ؛ لأن كلام اللِّهِ - تبارك وتعالى - قديمٌ متقدّمٌ على خَلْقِ السموات ، فيكون المراد به الاسْتِقْبَال قطعاً ، ويَدُلُّ على جواز كونه في نيَّة التَّنْوين ما يأتي ذكره عن أبي البَقَاءِ قريباً . وقرأ ابن أبي عَبْلَةَ برفعه ، وتخريجه سَهْلٌ ، وهو انه خبر مبتدأ محذوف . وخرَّجه ابن عطية على أنه مبتدأ ، فيحتاج إلى تقدير خَبَرٍ ، والدلالَةُ عليه خفيَّةٌ بخلاف تقدير المبتدأ ، فإنه ضمير الأول ، أي : " هو فاطر " . وقرئ شاذاً بنصبه ، وخرَّجه أبو البقاء على وجهين : أحدهما : أنه بَدَلٌ من " ولياً " قال : " والمعنى على هذا أجْعَلُ فاطر السموات والأرض غير اللِّهِ " ، كذا قدَّرَهُ ، وفيه نظر ؛ لأنه جعل المفعول الأول ، وهو " غير الله " مفعولاً ثانياً ، وجعل البدل من المفعول الثاني مفعولاً أوَّل ، فالتقدير عَكْسُ التركيب الأصلي . والثاني : أنه صِفَةٌ لـ " ولياً " قال : ويجوز أن يكون صَفَةٌ لـ " وَليّاً " والتنوين مُرَادٌ . قال شهاب الدين : يعني بقوله : " التنوين مُرَاد " أنَّ اسم الفاعل عاملٌ تقديراً ، فهو في نِيَّةِ الانْفِصَالِ ، ولذلك وقع وَصْفاً للنكرة كقوله : { هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } [ الأحقاف : 24 ] . وهذا الوجه لا يَكَادُ يَصِحُّ ، إذ يصير المعنى : أأتَّخِدُ غير اللَّهِ وليّاً فاطر السموات إلى آخره ، فيصف ذلك الوَلِيّ بأنه فاطر السَّموات . وقرأ الزُّهري : " فَطَرَ " على أنه فِعْل ماضٍ ، وهي جملة في مَحَلِّ نصب على الحال من الجلالةِ ، كما كان " فاطر " صفتها في قراءة الجمهور . ويجوز على رأي أبي البقاءِ أن تكون صِفَةً لـ " وليَّاً " ، ولا يجوز أن تكون صَفَةً للجلالة ؛ لأن الجملة نكرةٌ . والفَطْرُ : الشَّقُّ مُطْلقاً ، وقيَّدَهُ الرَّاغب بالشَّقِّ طولاً ، وقيَّدَهُ الواحدي بشقِّ الشيء عند ابتدائه . والفطرُ : إبداع وإيجاد شيء على غير مثال ، ومنه { فَاطِرِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْض } ، أي : أوجدها على غير مثال يُجْتدى . وعن ابن عبَّاس : ما كنتُ أدْرِي ما معنى فَطَر وفَاطِر ، حتَّى اختصم إليَّ أعْرَابيَّان في بِئرٍ ، فقال أحدهما : " إنا فَطَرتُهَا " ، أي : أنْشَأتُهَا وابتدأتها . ويقال : فَطَرْتُ كذا فَطْراً وفَطَر هو فُطوراً ، وانْفَطَرَ إنْفَطَاراً وفَطَرْتُ الشَّاة : حَلَبْتُهَا بأصْبُعَيْنِ ، وفَطرْتُ العَجينَ : خبزته في وَقْتِهِ . وقوله تبارك وتعالى : { فِطْرتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } [ الروم : 30 ] إشارة منه إلى ما فَطَرَ ، أي : أبدع وركز الناس من معرفته [ ما ركز ] ، ففطرة اللِّهِ ما رُكِّز من القُوَّةِ المُدْرِكة لمعرفته ، وهو المُشَارُ إليه بقوله تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [ الزخرف : 87 ] . وعليه : " كُلُّ مولودٍ يُوْلَدُ على الفِطْرَةِ " الحديث . وهذه الآية الكريمة نزلت حين دعا إلى الله آباءه فقال تعالى : يا محمد { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً } رباً معبوداً وناصراً ومعيناً . قوله : { وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ } القراءة المَشْهُورة ببناء الأوَّل للفاعل ، والثَّاني للمفعول ، والضمير للِّهِ تعالى ، والمعنى : وهو يَرْزق ولا يُرْزَق ، وهو موافق لقوله تعالى : { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } [ الذاريات : 57 ] . وقرأ سعيد بن جبير ، ومجاهد بن جبر ، والأعمش ، وأبو حيوة ، وعمرو بن عبيد ، وأبو عمرو بن العلاء في رواية عنه : " وَلاَ يَطْعَمُ " بفتح الياء والعين ، بمعنى : ولا يَأكل ، والضميرُ لله تعالى أيضاً . وقرأ ابن أبي عَبْلَة ويمان العماني : " وَلاَ يُطْعِم " بضم الياء ، وكسر العين كالأول ، فالضميران - أعني هو والمُسْتَكنُّ في " يطعم " - عائدان على اللهِ تعالى ، والضميرُ في ولا يُطْعِم للولِيّ . وقرأ يعقوب في رواية أبي المأمون : " وهو يُطْعَمُ ولا يُطْعِم " ببناء الأوَّل للمفعول ، والثَّاني للفاعل ، على عَكْسِ القراءة المشهورة ، والضمائر الثلاثة أعني هو والمستترين في الفعلين للولي فقط أي : وذلك الولي يُطعمه غيره ، ولا يُطْعِمُ هو أحداً لعَجْزِه . وقرأ الأشْهَبُ : " وهو يُطْعِمُ ولا يُطْعِم " ببنائهما للفاعل . وذكر الزمخشري فيهما تخريجين ثانيهما لنفسه ، فإنه قال بعد أن حَكَى القراءة : وفُسِّر بأنَّ معناه وهو يُطْعِم ولا يِسْتطْعمِ . وحكى الأزهري : أطعمت بمعنى اسْتَطْعَمْتُ ، ونحوه : أفَدْت ، ويجوز أن يكون المعنى : هو يُطْعِمُ تارةً ، ولا يُطْعم أخرى على حسب المَصَالِحِ ، كقولك : هو يعطي ويمنع ، ويَقْدر ويبسط ويغني ويُفْقر . قال شهابُ الدين : هكذا ذكر أبو حيَّان هذه القراءات . وقراءةُ الأشهب هي كقراءة ابن أبي عَبْلَةَ والعماني سواء لا تَخَالُفَ بينهما ، فكان ينبغي أن يذكر هذه القراءة لهؤلاء كُلِّهم ، وإلاَّ يوهم هذا أنهما قِرَاءتانِ مُتغَايرَتَانِ ، وليس كذلك . وقُرئَ شاذّاً : " يَطْعَمُ " يفتح الياء والعين ، " ولايُطعم " بضم الياء وكسر العين ، أي : وهو يأكل ، ولا يطعم غيره ، ذكر هذه القراءة أبو البقاء قال : " والضميرُ راجع على الوَليّ الذي هو غَيْرُ اللِّهِ " . فهذه ست قراءات ، وفي بعضها - وهو تَخَالُفُ الفعلين - من صناعة البَديع تَجنيسُ التشكيل ، وهو أن يكون الشَّكْلُ فارقاً بين الكلمتين ، وسمَّاهُ أسَامةُ بن منقذ تجنيس التَّحْريفِ ، وهو تَسْمِيَةٌ فَظِيعَةٌ ، فتسميتهُ بتجنيس التَّشْكيل أوْلَى . قوله : { قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ } يعني من هذه الأمَّةِ ، والإسلامُ بمعنى الاسْتِسْلام لأمرِ اللِّهِ تعالى . وقيل : أسْلمَ أخْلَصَ ، و " مَنْ " يجوز أن تكون نكرة موصوفةً واقعةً موقع اسم جمع أي : أوَّل فريق أسلم ، وأن تكون موصولةً أي : أوَّل الفريق الذي أسْلَم ، وأفرد الضمير في " أسلم " إمَّا باعتبار " فريق " المُقَدَّر وإمَّا باعتبار لَفْظِ " مَنْ " ، وقد تقدَّم الكلام على " أول " وكيف يُضَاف إلى مفرد بالتأويل المذكور في سورة البقرة . قوله : " ولا تَكُونَنَّ " فيه تأويلان : أحدهما : على إضمار القول ، أي : وقيل لي : لا تكونن . قال أبو البقاء : " ولو كان مَعْطُوفاً على ما قبله لَفظاً لقال : وأنْ لا أكون " وإليه نَحَا الزمخشري فإنه قال : " ولا تَكُونَنَّ : وقيل لي لا تكونَنَّ ، ومعناه : وأُمرت بالإسْلامِ ، ونُهيت عن الشِّرْكِ " . والثاني : أنه مَعْطُوفٌ على معمول " قُلْ " حَمْلاً على المعنى ، والمعنى : قل إني قيل لي : كُنْ أوَّلَ مَنْ أسلم ، ولا تكوننَّ من المشركين ، فهما جميعاً محمولان على القَوْلِ ، لكن أتى الأوَّل بغير لفظ القول ، وفيه معناه ، فَحُمِلَ الثاني على المعنى . وقيل : هو عَطْفٌ على " قل " أُمِرَ بأن يقول كذا ، ونهي عن كذا .