Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 2-2)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنَّ هذا الكلام يحتمل أن يكون المراد منه ذكر دليل آخر من دلائل إثبات الصانع سبحانه وتعالى ، ويحتمل أن يكون المراد منه ذكرُ الدليل على صحة المعاد وصحة الحَشْرِ . أمَّا الأول فتقريره : أنَّهُ - تعالى - لمَّا اسْتَدَلَّ بِخَلْقِهِ السَّمواتِ وتَعَاقُبِ الظُّلماتِ والنُّور على وجود الصَّانع الحكيم أتْبَعَهُ الاسْتِدلالِ بخلقه الإنسان على إثبات هذا المَطْلُوب ، فقال : " هُو الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ " ، والمراد منه خلق آدم [ لأن آدَمَ خلق ] من طِينٍ ، وهو أبو البَشَرِ ، ويُحتملُ أنَّ [ يكون ] المراد كَوْنَ الإنسان مَخْلُوقاً من المَنيِّ ، ومن دَمِ الطَّمْثِ ، وهما يَتَولدَانِ من الدَّمِ ، والدَّمُ إنَّما يَتَولَّدُ من الأغْذِية [ والأغذية ] إمَّا حيوانية أو نَبَاتيَّة ، فإن كانت حَيوانِيَّة كان الحالُ في [ كيفية ] تولُّد ذلك [ الحيوان كالحال في كيفية تَوَلُّدِ الإنسان مخلوفاً من الأغذية النباتية ، ولا شك أنها متولّدة من الطين ، فثبت أن كل إنسان متولد من الطين . إذا عرفت هذا فنقول : هذا الطِّينُ قد تَوَلدت النُّطفة منه بهذا الطريق المذكور . ثم تولّد من النُّطفَة أنواع الأعضاء المختلفة في الصِّفة ، والصورة ، واللون ، والشكل ] مثل القلب والدِّماغ والكبد ، وأنواع الأعضاء البسيطةِ كالعظام والغَضارِيفِ والرِّبَاطَاتِ والأوتار تولد الصفات المختلفة في المادة المُتَشَابِهَةِ ، وذلك لا يمكنُ إلاَّ بتقْدير مُقدِّرٍ حكيمٍ . وإن قلنا : المقصود من هذا الكلام تقرير أمر المعاد ، فلأن خَلْقَ بَدَنِ الإنسان وترتيبه على هذه الصفات المختلفة إنَّما حَصَل بقُدْرَةِ فاعل حكيم ، وتلك الحكمة والقدرة باقيةٌ بعد موت الحَيَوانِ ، فيكون قادراً على إعَادتِهَا وإعَادَةِ الحياة فيها ؛ لأنَّ القادِرَ على إيجادها من العَدَم قادرٌ على إعَادَتِهَا بطريق الأوْلَى . قوله : " مِنْ طينٍ " فيه وَجْهَان : أظهرهما : أنه متعلّق بـ " خَلَقَكُمْ " ، و " مِنْ " لابتداء الغَايَةِ . والثاني : أنه متعلِّقٌ بمحذوف على أنه حَالٌ ، وهل يحتَاج في هذا الكلام إلى حذف مضاف أم لا ؟ فيه خلاف . ذهب [ جماعة ] كالمهدويِّ ومكي ، إلى أنه لا حَذْفَ ، وأنَّ الإنسان مَخْلُوقٌ من الطين . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ مَولُودٍ يُولَدُ إلاَّ ويُذَّرُ على النُّطْفَةِ مِنْ تُرَابِ حُفْرَتِهِ " . وقيل : إنَّ النُّطْفَةَ أصْلُهَا الطِّينُ كما تقدَّم . وقال أكْثرُ المُفَسِّرينَ : ثَمَّ محذوفٌ ، أي : خَلَقَ أصْلكم أو أباكم من طينٍ ، يعنون آدم وقَصَّتُهُ مشهورة . وقال امرؤ القيس : [ الوافر ] @ 2102 - إلَى عِرْقِ الثَّرَى رَسَخَتْ عُرُوقِي وهَذَا المَوْتُ يَسْلُبُنِي شَبَابِي @@ قالوا : أراد بعِرْقِ الثَّرى آدم عليه الصلاة والسلام لأنَّه أصلُه . فصل في بيان معنى " خلقكم من طين " قوله : { خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ } [ يعني أباكم ] آدم خاطبهم به ، إذ كانوا من ولدِهِ . قال السُّديُّ : بَعَثَ اللهُ جِبْرِيلَ إلى الأرض لِيأتِيَهُ بطَائفةٍ منها ، فقالت الأرْضُ : إنِّي أعُوذُ باللَّهِ منك أنْ تنقض مني ، فرجع جبريل ، ولم يأخذ ، قال يَا رَبَّ : إنَّها عَاذَتْ بِكَ ، فبعث مِيكَائيل فاسْتَعَاذَتْ ، فرجع ، فبعث ملك الموت ، فَعَاذَتْ منه باللَّهِ ، فقال : وأنا أعوذُ بالله أن أخالف أمره فأخذ من وجه الأرض فخلط الحمراء والسوداء والبيضاء فلذلك اختلفت ألوان بني آدم ، ثُمَّ عَجَنَهَا بالماء العَذْبِ والمِلْح والمُرّ ، فلذلك اختلفت أخلاقهم ، فقال اللَّهُ لِمَلكِ الموت : " رحم جبريل وميكائيلُ الأرْضَ ، ولم ترحمهما لا جَرَمَ أجعل أرواح من خُلِقَ من هذا الطِّين بَيَدِكَ " . وروي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : " خَلَق اللهُ آدَمَ مَنْ تُرَابٍ ، وجَعَلَهُ طِيناً ، ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى كان حَمَأ مَسْنُوناً ، ثُمَّ خَلَقَهُ وصوَّرَهُ وتركه حتَّى كان صَلْصَالاً كالفخَّارِ ، ثُمَّ نفخَ فيه رُوحَهُ " قال القرطبي : عن سعيد بن جُبَيْرٍ قال : " خَلَقَ اللِّهُ آدَمَ من أرضٍ يقالُ لها دَجْناء " . قال الحسن : " وخَلقَ جُؤجُؤهُ من ضَرِيَّة " قال الجوهري : " ضَرِيَّة " قرية لبني كِلابٍ على طريق " البصرة " ، وهي إلى " مَكَّةَ " أقربُ . وعن ابن مسعود قال : إنَّ الله بعث إبليس ، فأخَذَ من أديم الأرْضِ عَذْبِها وملحها ، فخلقَ منه آدم عليه الصلاة والسلام فكلُّ شيء خلقه من عَذْبها ، فهو صائرٌ إلى الجَنَّةِ ، وإن كان ابن كافر ، وكُلُّ شيء خَلَقَهُ من ملحها فهو صائرٌ إلى النَّارِ وإنْ كان ابن تَقِي ؛ فَمِنْ ثمَّ قال إبليسُ : { أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } [ الإسراء : 61 ] ؛ لأنَّه جاء بالطينة ؛ فسمي آدم ، لأنه خُلِقَ من أديم الأرض . وعن عبد الله بن سلام قال : خلق الله آدم في آخر يوم الجمعة . وعن عبد الله بن عباس قال : " لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَم كان رأسُه يَمَسّ السماءِ - قال - فوطده إلى الأرض حتَّى صار ستِّينَ ذِرَاعاً في سَبْعَةِ أذْرُعٍ عَرْضاً " . وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - في حديث فيه طول : وحَجَّ آدمُ - عليه السلام - من " الهِنْدِ " أربعين حجَّةُ على رِجْلَيْهِ ، وكان آدمُ حين أُهبط تمسح رأسه السَّمَاء فمن ثَمَّ صَلِعَ ، وأوْرثَ ولَدُهُ الصَّلعَ ، ونفَرَت من طوله دواب الأرض ، فصارت وحشاً من يومئذٍ ، ولَمْ يَمُتْ حتىَّ بلغ ولده وولدُ ولدِه أربعين ألفاً وتوفي على ثور الجَبَلِ الذي أنزل ؛ فقال شيث لجبريل : " صَلِّ عَلَى آدَمَ " فقال له جبريلُ : تقدَّم أنْتَ فصلِّ على أبيك كبر عليه ثلاثين تكبيرة ، فأما خمس فهي الصلاة ، وخمس وعشرون تفضيلاً لآدم . وقيل : وكبِّرْ عليه أربعاً ، فجعل بنو شيث آدم في مَغَارةٍ ، وجَعَلوا عليها حافظاً لا يَقْرَبُهُ أحدٌ من بني قابيل ، وكان الذين يأتونه ويَسْتَغْفِرُون له " بنو شيث " وكان عُمْرُ آدم تسعمائة سنة وستاً وثلاثين سنةً . قوله : " ثُمَّ قَضَى " إذا كان " قَضَى " بمعنى أظهر فـ " ثُمَّ " للترتيبِ الزماني على أصلها ؛ لأنَّ ذلك متأخِرٌ عن خَلْقِنا ، وهي صفة فعل ، وإن كان بمعنى " كَتَب " و " قََدَّر " فهي للترتيب في الذِّكرِ ؛ لأنَّها صِفَةُ ذاتٍ ، وذلك مُقدَّمٌ على خَلْقِنا . قوله : { وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ } مبتدأ وخبر ، وسوَّغَ الابتداء هنا شيئان : أحدهما : وَصْفُهُ ، كقوله : { وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ } [ البقرة : 221 ] . والثاني : عَطْفُهُ بـ " ثمَّ " والعطفُ من المُسَوِّغَاتِ . قال الشاعر : [ البسيط ] @ 2103 - عِنْدِي اصْطِبَارٌ وشَكْوَى عِنْدَ قَاتِلَتِي فَهَلْ بأعْجَبَ مِنْ هَذَا امْرُؤٌ سَمِعَا ؟ @@ والتنكير في الأجلين للإبهام ، وهنا مُسَوَّغُ آخر ، وهو التفصيل كقوله : [ الطويل ] @ 2104 إذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَه ُ بِشِقٍّ وَشِقٌ عِنْدّنَا لَمْ يُحَوَّلِ @@ ولم يَجِبْ هُنا تقديمُ الخبر إن كان المبتدأ نكرةً ، والخبرُ ظرفاً ، قال الزمخشري : " لأنَّه تخصَّصَ بالصفة فقاربَ المعرفة " . قال أبو حيَّان : " وهذا الذي ذَكَر من كَوْنِهِ مُسَوِّغاً للابتداء بالنكرة لكونها وُصِفَتْ لا تتعيَّنُ ، لجواز أنْ يكونَ المُسَوِّغُ التفصيلَ " ثُمَّ أنشد البيت : @ - 2105 إذَا مَا بَكَى … … @@ قال شهابُ الدين : والزمخشري لم يَقُلْ : إنَّهُ تعيَّن ذلك حتَّى يُلْزِمَهُ به ، وإنَّما ذكر أشْهَرَ المسِّوغات فإنَّ العطف والتفصيل قَلَّ مَنْ يذكرُهما في المسوِّغات . قال الزمخشري : " فإنْ قٌلت : الكلامُ السَّائِرُ أن يُقال : " عندي ثَوْبٌ جيِّدٌ ، ولي عبدٌ كَيِّسٌ " فما أوجب التقديم ؟ . قلت : أوجبه أنَّ المعنى : وأيُّ أجَلٍ مسمى عنده ، تعظيماً لشأن الساعة ، فلمَّا جرى فيها هذا المعنى أوجب التقديم " . قال أبو حيان : وهذا لا يجوز ؛ لأنه إذا كان التقدير : وأيُّ أجلٍ مسمى عنده كانت " أي " صفة لموصوف محذوف تقديره : وأجل أي أجل مسمى عنده ولا يجوز حذفُ الصفةِ إذا كانت " أيّا " ولا حَذْفُ موصوفها وإبقاؤها . لو قلت : " مررتُ بأيِّ رجل " تريدُ برجلٍ أيِّ رجل لم يَجُزْ . قال شهاب الدين : ولم أدْرِ كيف يؤاخَدُ من فَسَّر معنًى بلفظٍ لم يَدَّع أن ذلك اللَّفْظَ هُوَ أصْلُ كلام المفسر ، بل قال : معناه كيت وكيت ؟ فكيف يلزمه أنْ يكَون ذلك الكلام الذي فَسَّر به هو أصْل ذلك المُفَسَّر ؟ على أنَّه قَدْ وَرَدَ حَذْفُ موصوف " أيّ " وإبقاؤها كقوله : [ المتقارب ] @ 2106 - إذا حَارَبَ الحَجَّاجُ أيَّ مُنَافِقٍ عَلاَهُ بِسَيفٍ كُلَّمَا هَزَّ يَقْطَعُ @@ قوله : " ثُمَّ " أنْتُم تَمْتَرُونَ " قد تقدَّم الكلامُ على " ثُمَّ " هذه . و " تمترون " تَفْتَعُون من المِرْيَةِ ، وتقدَّم معناها في " البقرةِ " عند قوله : { مِنَ ٱلْمُمْتَرِين } [ البقرة : 147 ] . وجعل أبو حيَّان هذا من باب الالْتِفَاتِ ، أعني قوله : " خَلَقكُمْ ثُمَّ أنْتُم تَمْتَرُون " ، يعني أنَّ قوله : " ثُمَّ الذين كفروا " غائبٌ ، فالْتَفَتَ عنه إلى قوله : " خَلَقَكُمْ ثُمَّ أنْتُم " ثُمَّ كأنَّه اعترض على نفسه بأنَّ خَلْقَكم وقضاءَ الأجلِ لا يَخْتَصُّ به الكُفَّار ، بل المؤمنون مِثْلُهم في ذلك . وأجاب بأنَّه إنَّما قَصَدَ الكُفَّار تَنْبِيهاً لهم على خَلْقِهِ لهم وقُدرَتِهِ وقضائه لآجالهم . قال : " وإنِّما جَعَلْتُه من الالتِفَاتِ ؛ لأن هذا الخطابَ ، وهو " ثُمَّ أنْتُم تَمْتَرُونَ " لا يُمكِن أنْ يَنْدَرجَ فيه مَن اصْطَفاَهُ الله تعالى بالنبوَّة والإيمان " وأجَلٌ مسمَّى " مُسَمَّو ؛ لأنه من مادة الاسم ، وقد تقدَّم ذلك ، فقُلبت الواوُ ياءً ، ثم الياء ألفاً " . وتمترون أصله " تَمْتَرِيُون " فَأعِلَّ كنَظَائِرِه . فصل في معنى " قضى " والقضاء قد يَرِدُ بمعنى الحكم ، والأمر قال تعالى : { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ } [ الإسراء : 23 ] وبمعنى [ الخبر والإعلام ، قال تعالى : { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ } [ الإسراء : 4 ] وبمعنى صفة الفعل إذا تَمَّ ، قال تعالى : ] { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَات } [ فصلت : 12 ] ومنه قولهم : " قضى فلان حاجةَ فلانٍ " . وأمَّا الأجَلُ فهو في اللُّغَةِ عبارةٌ عن الوَقْتِ المضروب لإنقضاء المُدَّةِ ، وأجَلُ الإنسان هو المؤقت المضروب ؛ لانقضاء عُمْرِهِ . وأجَلُ الدَّيْنِ : مَحلُّهُ لانْقِضَاءِ التأخير فيه ، وأصْلُهُ من التَّأخيرِ يُقال : أجلَ الشَّيء يَأجَلُ أجُولاً وهو آجلٌ إذا تأخَّرَ ، والآجلُ نقيض العَاجِلِ ، وإذا عُرِفَ هذا فقوله ، " ثُمَّ قَضَى أجَلاً " معناه : أنَّهُ - تعالى - خَصَّصَ موت كُلَّ واحَد بوقتٍ مُعَيَّنٍ ، " وأجلٌ مُسَمَّى عِنْدهُ " قال الحَسَنُ : وقتادة ، والضحَّاكُ : الأجَلُ الأوّل من الولادَةِ إلى الموت . والأجَلُ الثاني : مِنَ الموتِ إلى البَعْثِ ، وهو البَرْزَخُ وروي عن ابن عبَّاسٍ ، وقال : لِكُلِّ أحَدٍ أجلان أجل من الولادة إلى الموت أدنى ، وأجَلٌ من الموتِ إلى البعثِ ، فإنْ كَانَ بَرّاً تقياً وصولاً للرَّحمِ زيد له من أجل البعث في أجل العُمر ، فإن كان بالعكس قاطِعاً للرحَّمِ نُقِصَ من أجَل العُمر وزيد في أجَلِ البَعْثِ مخافة . [ وقال مجاهد ] وسعيد بن جُبَيْرٍ : الأجَلُ الأوَّلُ أجَلُ الدنيا ، والثَّاني أجَلُ الآخرة . وقال عطيةُ عن ابن عبَّاس : الأجَلُ الأوَّل : النَّوم ، والثاني : الموتُ . وقال أبو مُسْلِمٍ : المرادُ بالأجَلِ الأوَّلِ : آجال الماضين من الخَلْقِ وقوله : { وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ } : المرادُ منه آجَالُ الباقين ، فخصَّ هذا الأجل الثاني ، بكونه مُسَمًّى عِندهُ ؛ لأن الماضين لما ماتوا صارت آجالهُمْ معلومة ، فلهذا المعنى قال : " وأجل مسمى عنده " وقيل : الأجَلُ الأوَّلُ : الموت ، والأجَلُ المُسَمَّى عِنْدَ الله تعالى هو أجَلُ القيامة لأن مُدَّة حياتهم في الآخرة ، لا آخِرَ لها ولا انْقِضَاءَ ، ولا يَعْلَمُ أحد كيفية الحالِ في هذا الأجَلِ إلاَّ الله تعالى . وقيل : الأجَلُ الأوَّلُ مقدار ما يُقضى من عمر كُلّ واحدٍ ، والثاني : مقدارُ ما بَقِيَ من عمر كُلِّ أحدٍ . وقيل : هما وَاحِدٌ - يعني " جعل لأعماركم مُدَّة تنتهون إليها " . وقوله : " وأجَلٌ مُسَمًّى عنده " يعني : وهو أجلٌ مُسَمًّى عنده لا يعلمه غيره . قال حكماءُ الإسلامِ : إنَّ لكل إنسان أجَلَيْنِ : أحدهما : الطبيعي . والثاني : الآجالُ الاخْتِرامِيَّةُ ، فالطَّبيعيُّ هو الذي لو بَقِيَ ذلك المِزَاجُ مَصُوناً من العوَارض الخارجية ، لانْتَهَتْ مدّةُ بَقَائِه إلى الأوْقَات الفلانية ، وأمَّا الآجال الاخترامية فهي التي تحصلُ بسبب من الأسباب الخارجية كالغَرَقِ ، والحَرْقِ ، ولَدْغِ الحشرات وغيرها من الأمور المُعْضِلَةِ . وقوله : { ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ } أي : تشكُّون في البَعْثِ . وقيل : تمترون في صحة التوحيد .