Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 35-35)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَإِن كَانَ كَبُرَ } : هذا شَرْطٌ ، جوابه " الفاء " الداخلة على الشرط الثَّاني ، وجواب الثَّاني محذوف ، تقديره : فإن استطعت أن تبتغي فافعل ، ثم جُعِلَ الشَّرْطُ الثاني وجوابه جَواباً للشَّرْط الأوَّل ، وقد تقدَّم مِثْلُ ذلك في قوله : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ } [ البقرة : 38 ] إلاَّ أن جوابَ الثاني هناك مُظْهَرٌ . و " كان " في اسمها وجهان : أحدهما : أنه " إعراضهم " ، و " كَبُرَ " جملةٌ فعلية في محل نصب خبراً مقدَّماً على الاسم ، وهي مسألة خلاف : هل يجوزُ تقديمُ خبر " كان " على اسمها إذا كان فِعْلاً رافعاً لضمير مستتر أم لا ؟ وأمَّا إذا كان خبراً للمبتدأ ، فلا يجوز ألْبَتَّةَ لئلاَّ يَلْتَبِسَ بباب الفاعل ، واللَّبْسُ هنا مَأمُونٌ . ووَجْهُ المنع اسْتصْحَابُ الأصل ، و " كَبُرَ " إذا قيل : إنه خبر " كان " ، فهل يحتاج إلى إضمار " قَدْ " أم لا ؟ والظاهر أنه لا يَحْتَاجُ ؛ لأنه كَثُرَ وُقُوعُ الماضي خبراً لها من غير " قد " نَظْماً ونَثْراً ، وبعضهم يخص ذلك بـ " كان " ويمنعه في غيرها من أخواتها إلا بـ " قد " ظَاهِرَةً أو مُضْمَرَةً ، ومن مجيء ذلك في خبر أخواتها قَوْلُ النابغة : [ البسيط ] @ 2152 - أمْسَتْ خَلاءً وأمْسَى أهْلُهَا احْتَمَلُوا أخْنَى عَلَيْهَا الَّذِي أخْنَى عَلَى لُبَدِ @@ والثاني : أن يكون اسمها ضمير الأمر والشأن ، والجملة الفعلية مُفَسِّرٌ له في مَحَلِّ نصب على الخبر ، فإعراضُهُمْ مرفوعٌ بـ " كَبُر " ، وفي الوجه الأول بـ " كان " ، ولا ضمير في " كَبُرَ " على الثاني ، وفيه ضميرعلى الأول ، ومثل ذلك في جواز هذين الوجهين قوله تعالى : { وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ } [ الأعراف : 137 ] { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا } [ الجن : 4 ] ، فـ " فرعون " يحتمل أن يكون اسْماً ، وأن يكون فاعلاً ، وكذلك " سَفِيهُنَا " ، ومثله أيضاً قولُ امرئ القيس : [ الطويل ] @ 2153 - وإنْ تَكُ قَدْ سَاءَتْكِ مِنِّي خَلِيقَةٌ فَسُلِّي ثِيَابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُلِ @@ فـ " خليقة " يحتمل الأمرين ، وإظهار " قد " هنا يُرَجِّحُ قول من يشترطها ، وهل يجوز في مثل هذا التركيب التَّنَازعُ ، وذلك أن كُلاًّ من " كان " وما بعدها من الأفعال المذكورة في هذه الأمثلة يطلب المَرْفُوعَ من جهة المعنى ، وشروط الإعمال موجودة . قال شهاب الدين : وكنت قديماً سألت الشيخ - يعني أبا حيَّان - عن ذلك ، فأجاب بالمَنْعِ مُحْتَجّاً بأن شَرْطَ الإعمال ألاَّ يكون أحَدُ المُتنازِعَينِ مُفْتَقِراً إلى الآخر ، وألاَّ يكون من تمام معناه و " كان " مُفْتَقِرةٌ إلى خبرها ، وهو من تمام معناها ، وهذا الذي ذكره من المَنْعِ ، وترجيحه ظَاهِرٌ ، إلاَّ أن النحويين لم يذكروه في شروطِ الإعمال . وقوله : " وإن كان كَبُرَ " مُؤوَّلٌ بالاسْتِقْبَالِ ، وهو التَّبَيُّنُ والظهور فهو كقوله : { إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ } [ يوسف : 26 ] أي : إن تَبَيَّنَ وَظَهَر ، وإلاَّ فهذه الأفعالُ قَدْ وَقَعَتْ وانقضت فكيف تَقَعُ شرطاً ؟ وقد تقدَّم أنَّ المُبَرِّدَ يُبْقي " كان " خَاصَّةً على مُضِيِّهَا في المعنى مع أدوات الشَّرْطِ ، وليس بشيء . وأمَّا : " فإن استطعت " فهو مستقبل معنى ؛ لأنه لم يَقَعْ ، بخلاف كونه " كَبُرَ عليه إعراضهم " ، وقدِّ القَمِيص ، و " أن تبتغي " مفعول الاسْتِطَاعَةِ . و " نفقاً " مفعول الابْتِغَاءِ . والنَّفَقُ : السَّرَبُ النَّافِدُ في الأرض ، وأصله من جحرة اليَرْبُوع ، ومنه : النَّافِقَاءُ ، والقَاصِعَاءُ ، وذلك أن اليربوع يَحْفُرُ في الأرض سَرَباً ويجعل له بَابَيْنِ ، وقيل : ثلاثة : النَّافِقَاءُ ، والقَاصِعَاءُ والدَّابِقَاءُ ، ثم يَرِقُّ بالحفر ما تقارب وجه الأرض ، فإذا نَابَهُ أمْرٌ دفع تلك القِشْرَةٌ الرقيقة وخرج ، وقد تقدَّم اسْتِيفَاءُ هذه المادَّةِ عند قوله : { يُنْفِقُونَ } [ البقرة : 3 ] ، و { ٱلْمُنَافِقِين } [ النساء : 61 ] . وقوله " في الأرض " ظاهرة أنه متعلقٌ بالفعل قَبْلَهُ ، ويجوز أن يكون صِفَةً لـ " نَفَقاً " فيتعلّق بمحذوفٍ وهُوَ صِفَةٌ لمجرَّد التوكيد ، إذ النَّفَق لا يكون إلاَّ في الأرض . وجوَّز أبو البقاء مع هذين الوجهين أن يكون حالاً من فاعل " تبتغي " ، أي : وأنت في الأرض . قال وكذلك في السماء . ويعني من جواز الأوجه الثلاثة ، وهذا الوَجْهُ الثالث ينبغي ألاَّ يجوز لِخُلُوِّهِ عن الفائدة . والسُّلَّمُ : قيل المِصْعَدُ ، وقيل : الدَّرَجُ ، وقيل : السَّبَبُ تقول العرب : اتَّخِذْني سُلَّماً لحاجتك ، أي : سبباً . قال كعب بن زهير : [ الطويل ] @ 2154 - وَلاَ لَكُمَا مَنْجًى مِن الأرْضِ فَابْغِيَا بِهَا نَفَقاً أوْ السَّمواتِ سُلَّما @@ وهو مُشْتَقٌ من السَّلامة ، قالوا : لأنه يسلم به إلى المصعد والسُّلَّم مُذَكَّرٍ ، وحكى الفرَّاء تأنيثه . قال بعضهم : ليس ذلك بالوَضْعِ ، بل لأنه بمعنى المَرْقَاة ، كما أنَّث بعضهم الصوت في قوله : [ البسيط ] @ 2155 - … سَائِلْ بَنِي أسَدٍ مَا هَذِهِ الصَّوْتُ @@ لمَّا كان في معنى الصَّرْخة . فصل في نزول الآية روى ابن عباس أن الحرث بن عامر بن نوفل بن عبد مَنَافٍ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مَحْضَرٍ من قريش ، فقالوا : يا محمد ائْتِنَا بآية من عند الله ، كما كانت الآنبياء تفعل فإنا نصدق بك ، فأبى أن يأتيهم بآية من عند الله ، كما كانت الأنبياء تفعل فإنا نصدق بك ، فأبى الله أن يأتيهم بآية ، فأعرضوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فَشَقَّ ذلك عليه ، فنزلت هذه الآ ية . والمعنى : وإن عَظُمَ عليك إعْرَاضُهُمْ عن الإيمان وشَقَّ ذلك عليك . وكان - عليه الصَّلاة والسَّلام - يَحْرِصُ على إيمان قومه أشَدَّ الحرص وكانوا إذا سألوا آيَةً أحَبَّ أن يريهم اللَّهُ ذلك طَمَعاً في إيمانهم ، فقال الله عزَّ وجلَّ : " فإن استطعت أن تبتغي " أي : تطلب وتتَّخِذَ نَفَقاً - سَرَباً - في الأرض فتذهب فيه ، أو سُلَّماً دَرَجاً ومِصْعَداً في السماء فَتَصْعَدَ فيه فتأتيهم بآية فافعل ، ولو شاء الله لَجَمَعَهُمْ على الهُدَى فآمنوا كلهم ، وهذا يَدُلُّ على أنه - تعالى - لا يريد الإيمان من الكافر ، بل يريد إبقاءه على الكُفْرِ ، وتقريره : أن قُدْرَةَ الكافر على الكُفْرِ إمَّا أن تكون صَالِحَةً للإيمان ، أو غير صالحة له ، فإن لم تكن صَالِحَةً له فالقُدْرةُ على الكُفْرِ مُسْتَلْزِمةٌ للكفر وغير صالحة للإيمان ، وخالق هذه القُدْرَةِ يكون قد أرادَ الكُفْرَ منه لا مَحَالَة ، وأما إن كانت هذه القُدْرةُ كما أنها صالحةٌ للكُفْرِ ، فهي أيضاً صالحة للإيمان ، فيكون نسبة القُدْرة إلى الطَّرفين مستويةً ، فيمتنع رُجْحَانُ أحد الطَّرَفَيْنِ على الآخر إلاّ لِدَاعِيةٍ مرجّحة ، وحصول تلك الدَّاعية ليس من العبد ، وإلاّ لزم التَّسَلْسُلُ ، فثبت أن خالق تلك الدَّاعيةِ هو الله تعالى ، وثبت أن مَجْمُوعَ القدرة مع الداعية الخالصة ويجب الفِعْلَ ، فثبت أن خالقَ مجموع تلك القدرة مع تلك الداعية المستلزمة لذلك الكفر مريد لذلك الكفر وغير مُريدٍ لذلك الإيمان . قوله : { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } نهي له عن هذه الحالة وهو قوله : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَى } فإنَّ من يكفر لسابق علم الله فيه ، وهذا النَّهْيُ لا يقتضي إقدامه على مثل مثل هذه الحالة كقوله : { وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } [ الأحزاب : 1 ] لا يَدُلُّ على أنه - عليه الصلاة والسلام - أطاعهم وقَبِلَ دِينَهُمْ ، والمقصود أنه لا ينبغي أن يشتد تَحَسُّرُكَ على تكذيبهم ، ولا تَجْزَع من إعراضهم عنك ، فإنَّك لو فعلت ذلك قرب حالك من حال الجاهل ، والمقصُودُ تبعيده عن مثل هذه الحالة .