Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 37-37)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذا من شُبُهَاتِ مُنْكِرِي نُبُوَّةِ محمَّد صلى الله عليه وسلم لأنهم قالوا : لو كان رَسُولاً من عند الله فَهَلاَّ أنْزِلَ عليه آيَةٌ قَاهِرةٌ . روي أنَّ بعض المُلْحِدَةِ طعن فقال : لو كان مُحَمَّدٌ قد أُوتِيَ بآية مُعْجِزَةٍ لما صَحَّ أن يقول أولئك الكُفَّار : لولا نُزِّل عليه آيَةٌ ، ولما قال : { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلٍ آيَة } . والجواب أن القرآن مُعْجِزَةٌ قاهرة وبَيِّنَةٌ باهرة ؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - تَحَدَّاهُمْ به فَعَجَزُوا عن مُعَارضَتِهِ ، فَدَّلَ على كونه مُعْجزاً . فإن قيل : فإذا كان الأمر كذلك ، فكيف قالوا : { لولا نُزِّلَ عليه آية من ربّه } . فالجواب من وجوه : الأول : لَعَلَّ القوم طَعَنُوا في كَوْنِ القرآن مُعْجِزَةً على سبيل اللِّجَاجِ والعِنَادِ ، وقالوا : إنه من جِنْسِ الكتب ، والكتاب لا يكون من جِنْسِ المُعْجِزَاتِ كالتَّوْرَاةِ والإنجيل والزَّبُورِ ، فلأجل هذه الشُّبْهَةِ طلبوا المُعْجِزَةَ . الثاني : أنهم طلبوا مُعْجِزَاتٍ [ قاهرة ] من جِنْسِ مُعْجِزَاتِ سَائِرِ الأنبياء مثل " فلق البحر " و " إظْلال الجَبَل " و " إحْيَاء الموتى " . الثالث : أنهم طلبوا مَزيد الآياتِ على سبيل التَّعَنُّتِ واللِّجَاجِ مثل إنْزَالِ الملائكة ، وإسْقاطِ السماء كِسَفاً . الرابع : أن يكون المراد ما حَكَاهُ الله عن بعضهم في قوله : { وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الأنفال : 32 ] . ثم إنّه - تعالى - أجابهم بقوله : { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلَ آيَة } ، أي : أنّه قادرٌ على إيجاد ما طَلَبْتُمُوهُ ، وتحصيل ما اقْتَرَحْتُمُوهُ ، ولكن أكثرهم لا يعلمون . قوله : " من رَبِّه " فيها وجهان : أحدهما : أنها متعلِّقة بـ " نُزِّل " . والثاني : أنها متعلِّقةٌ بمحذوف ؛ لأنها صِفَةٌ لـ " آية " ، أي : آية [ كائنة ] من ربِّه . وتقدَّم الكلامُ على " لَوْلاَ " وأنّها تَحْضِيضيَّةٌ . فصل في المراد بالآية معنى قوله تعالى : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ، أي : ما عليهم في إنزالها ، واختلفوا في تفسيرها على وُجُوه : أحدها : أن يكون المُرَادُ أنه - تعالى - لما أنزل آية باهرة ومعجزة قاهرة ، وهي القرآن كان طلب الزيادة جارٍ مجرى التحكُّم والتَّعَنُّتِ الباطل ، وهو أنه سبحانه له الحُكْمُ والأمر ، فإن شاء فعل ، وإن شاء لم يفعل ؛ لأن فَاعليَّتَهُ لا تكون إلا بحسب محض المَشِيئةِ على قول أهل السُّنَّة ، أو على وفقِ المصْلَحَةِ على قول المعتزلة ، وعلى التقديرين فإنها لا تكون على وفْقِ اقْتِرَاحاتِ الناس ومُطالبَاتِهِمْ ، فإن شاء أجابهم إليها ، وإن شاء لم يُجِبْهُمْ . الثاني : أنه لمَّا ظهرت المعجزة القاهرةُ ، والدلالة الكافية لم يَبْقَ لهم عُذْرٌ ولا عِلَّةٌ ، فبعد ذلك لو أجَابَهُمُ الله - تعالى - إلى اقتراحهم فَلَعَلَّهُمْ يقترحون اقْتِرَاحاً ثانياًُ وثالثاً ورابعاً إلى ما لا نهاية له ، وذلك يفضي إلى ألاَّ يَسْتَقِرَّ الدليل ولا تَتِم الحجة ، فوجب سَدُّ هذا الباب في أوَّلِ الأمر والاكتفاء بما سَبَقَ من المعجزة القاهرة . الثالث : أنّه - تعالى - لو أعطاهم ما طَلَبُوا من المُعْجِزَاتِ القاهرة فلو لم يؤمنوا عند ظُهُورهَا لاسْتَحَقُّوا عذاب الاسْتِئْصَالِ ، فاقتضت رَحْمَتُهُ صَوْنَهُمْ عن هذا البلاءِ ، فما أعطاهم هذا المطلوب رَحْمَةً منه - تعالى - لهم ، وإن كانوا لا يعلمون كَيْفِيَّةَ هذه الرحمة . الرابع : أنَّه - تعالى - علم منهم أن طَلَبَهُمْ هذه المعجزات لأجْل العنادِ لا لطلب فائدةٍ ، وعلم أنه - تعالى - لو أعْطَاهُمْ مَطْلُوبَهُمْ لم يؤمنوا ، فلهذا السبب ما أعطاهم ؛ لأنه لا فائدة في ذلك .