Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 46-46)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ ٱللَّهُ } المفعول الأوَّل محذوف ، تقديره : أرأيتم سَمْعَكُمْ وأبصاركم إن أخذها اللَّهُ ، والجملة الاسْتِفْهَامِيَّةُ في موضع الثاني ، وقد تقدَّم أن أبا حيَّان يجعله من التَّنازُعِ ، وجوابُ الشرط مَحْذُوفٌ على نحو ما مَرَّ . وقال الحوفي : وحَرْفُ الشَّرْطِ وما اتَّصَلَ به في موضع نَصْبٍ على الحالِ ، والعاملُ في الحالِ " أرأيتم " كقولك : " اضْرِبْهُ إن خرج " أي : خارجاً ، وجواب الشَّرْطِ ما تقدَّم مما دَخَلَتْ عليه هَمْزَةُ الاستفهام وهذا إعرابٌ لا يَظْهَرُ . ولم يُؤتَ هنا بـ " كاف " الخطاب ، وأتِيَ به هناك ؛ لأن التَّهْديدَ هناك أعْظَمُ فَنَاسَبَ التأكيد بالإتيان بـ " كاف " الخطاب ولمَّا لم يُؤتَ بالكافِ وجَبَ بروز علامةِ الجَمْعِ في التاء لئلا يَلْتَبِسَ ، ولو جيء معها بالكافِ لاسْتُغْنِيَ بها كما تقدَّمَ ، وتوْحِيدُ السَّمْعِ ، وجَمْعُ الأبصارِ مفهومٌ مما تقدَّم في " البقرة " . قوله : " مَنْ إلهٌ " مبتدأ وخبر ، و " مَنْ " استِفْهَامِيَّةٌ ، و " غيرُ الله " صِفَةٌ لـ " إله " و " يأتيكم " صِفَةٌ ثانية ، و " الهاء " في " به " تعود على " سمعكم " . وقيل : تعود على الجميع ، ووُحِّد ذهَاباً به مذهب اسم الإشارةِ . وقيل : تعود على الهدى المدلول عليه بالمعنى . وقيل : يَعُودُ على المَأخُوذِ والمختُومِ المدلول عليهما والخَتْمِ ، والاستفهامُ هنا للإنكارِ . والجمهور : " بِهِ انظر " بكسر الهاء على الأصل ، وروى المُسَيَّبي عن نافعٍ " بهُ انظر " بضم الهاء [ وهي لغةُ من يقرأ " فخسفنا بهو وبدارهُو الأرض " فحذف " الواو " لالتقاء الساكنين ، فصارَ " به انظر " والباقون بكسرها . وقرأ حمزة ، والكسائي " يَصْدِفُونَ " بإشْمَامِ الزَّاي , والباقون بالصاد . فصل في معنى الآية قال ابنُ عبَّاسٍ : المعنى : أيُّها المشركونُ إنْ أخَذَ الله ، أي : أذهب وانْتَزَعَ سَمْعَكُمْ وأبْصَارَكُمْ ، وختم على قلوبكم ، أي : طبع على قلوبكم فلم تَعْقِلِ الهُدَى . وقيل : معناه : أزال عقولكم حتى تصيروا كالمَجَانين . وقيل : المُرَادُ من هذا الخَتْمِ الأمانة . فصل في إثبات الصانع المرادُ من هذا الكلام الدِّلالةُ على وُجُودِ الصانع الحكيم المُخْتَار ؛ لأن أشْرَفَ أعضَاءِ الإنْسَانِ هو السَّمْعُ والبصر والقَلْبُ ، والأذن محل القوة الساَّمعة ، والعَيْنُ مَحَلُّ القوة البَاصِرَةِ ، والقَلْبُ مَحَلُّ الحياة والعِلْمِ والعَقْلِ ، فلوْ زالَتْ هذهِ الصِّفَات عن هذه الأعضاء اخْتَلَّ أمْرُ الإنسان ، وبَطَلَتْ مَصَالِحُهُ في الدنيا والدِّين . ومن المعلوم بالضرورة أن القَادِرَ على تحصيل هذه القُوَى فيها ، وصونها عن الآفَاتِ ليس إلا الله تعالى ، وإذا كان الأمْرُ كذلك كان المُنَعِمُ بهذه النعم العظيمة هو الله سُبْحَانَهُ وتعالى . قوله : { ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَات } . " كيف " مَعْمُول لـ " نُصرِّفُ " ونَصبُها : إمَّا على التَّشْبيه بالحالِ ، او التشبيه بالظَّرْفِ ، وهي مُعْلِّقةٌ لـ " انظر " فهي في مَحَلِّ نصب بإسْقَاطِ حرفِ الجرِّ ، وهذا ظاهرٌ مما تقدَّم . و " نُصَرِّف " : نُبَيِّنُ ، و " يَصْدِفُون " معناه : يُعْرِضُونَ ، يقال : صَدَف عن الشيء صَدفاً وصدوفاً وصدافيةً ، وصادَفْتُهُ مُصادفَةً أي : لقِيتُهُ عن إعْراضٍ من جهتِهِ . قال عِدِيُّ بْنُ الرقَاعِ : [ البسيط ] @ 2177 - إذَا ذَكَرْنَ حَدِيثاً قُلْنَ أحْسَنَهُ وهُنَّ عَنْ كُلِّ سُوءٍ يُتَّقَى صُدُفُ @@ " صُدُف " جمع " صَدُوف " كـ " صُبُر " في جمع " صَبُور " . وقيل : معنى " صَدَف " : " مال " ، مأخوذة من الصَّدَفِ في البعيرِ ، وهو أن يميل خُفُّهُ من اليد إلى الرِّجْلِ من الجانب الوَحْشِيّ . و " الصَّدَفُ " جمع " صَدَفَة " ، وهي المحَارَةُ التي تكون فيها الدُّرَّة . قال : [ البسيط ] @ 2178 - وَزَادَهَا عَجَباً أنْ رُحْتُ فِي سُبُلٍ وَمَا دَرَتْ دَوَرانَ الدُّرِّ في الصَّدَفِ @@ و " الصَّدَفُ " و " الصُّدُف " بفتح الصاد والدال وضمّهما , وضم الصاد وسكون الدال ناحية الجَبَلِ المُرْتفعِ ، وسيأتي لهذا مزيدُ بيان . فصل في دفع شبهة للمعتزلة قال الكعبي : دلَّت هذه الآية على أن اللَّه - تعالى - مَكَّنَهُمْ من الفَهْمِ ، ولم يخلق فيهم الإعْرَاضَ والصَّدَّ ، ولو كان تعالى هو الخَالِق للكفر فيهم لم يكن لهذا الكلامِ مَعْنَى . واحْتَجَّ أهل السُّنَّةِ بعين هذه الآيَةِ قالوا : إنه - تعالى - بيَّن أنه بالغ في إظهار هذه الدلالة وفي تقريرها ، وإزالة الشبهات عنها ، ثم إنهم مع هذه المُبَالَغةِ القَاطِعَةِ للعُذْرِ ما زادوا إلاَّ تَمَادِياً في الكُفْرِ والعنادِ ، وذلكَ يَدُلُّ على أن الهُدَى والإضْلالَ لا يحصلان إلاَّ بهداية الله - تعالى - وإضْلالِهِ ، فَدَلالَةُ الآية على قولنا أقوى من دَلالتهَا على قولهم .