Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 50-50)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا بقية الكلام على قوله : " لولا أنزل عليه آية من ربه " فقال الله تعالى : قل لهؤلاء الأقوام : إني بُعِثْتُ مبشّراً ومنذراً وليس لي أن أتَحَكَّمَ على اللَّهِ . واعلم أن القَوْمَ كانوا يقولون : إن كنت رَسُولاً من عند الله فَاطْلُبْ من الله حتى يُوَسِّعَ عَلْينَا مَنَافِعَ الدُّنْيَا وخَيْرَاتِهَا ، فقال الله تعالى : قل لهم " إني لا أقول لكم عندي خزائن الله " ، فهو - تعالى - يؤتي المُلْكَ من يشاء ، ويُعِزُّ من يَشَاءُ ، ويُذِلُّ من يشاء ، لا بيدي . الخَزَائنُ : جمع " خزانة " ، وهو اسم للمكان الذي يخزن فيه الشيء ، وخَزْنُ الشيء إحرازه بحيث لا تَنَالُهُ الأيْدِي . قوله : { وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْب } في مَحَلِّ هذه الجملة وَجْهَان : أحدهما : النَّصْبُ عَطْفاً على قوله : { عِنْدِي خزائِنُ ٱللَّهِ } لأنه من جملة المَقُول ، كأنه قال : " لا أقُولُ لكم هذا القول ، ولا هذا القول " . قال الزمخشري . وفيه نَظَرٌ من حيث إنه يُؤدِّي إلى أنه يصير التقدير : ولا أقُولُ لكم : لا أعلم الغَيْبَ وليس بصحيح . والثاني : أنه معطوف على " لا أقول " لا مَعْمُولٌ له ، فهو أمَرَ أن يخبر عن نَفْسِهِ بهذه الجُمَلِ الثلاث فهي معمولة للأمر الذي هو " قل " ، وهذا تخريج أبي حيَّان قال بعد أن حكى قول الزَّمخشري : " ولا يتَعيَّنُ ما قاله ، بل الظَّاهرُ أنه مَعْطُوفٌ على لا أقول " إلى آخرة . فصل في معنى الآية والمعنى : أن القوم يقولون : إن كنت رَسُولاً من عند اللَّهِ ، فلا بُدَّ وأن تخبرنا عمَّا سَيَقَعُ في المستقبل من المَصَالِحِ المضارِّ حتى نَسْتَعِدَّ لتحصيل تلك المنافع ، ولدفع تلك المَضَارِّ ، فقال تعالى : " قل : إني لا أعلم الغيب ولا أقول : إنّي ملك " ومعناه : أنهم كانوا يقولون : { مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاق } [ الفرقان : 7 ] ويتزوج ويخالط الناس ، فقال تعالى : قل لهم : إني لست من الملائكة . فصل في بيان فائدة هذه الأحوال اختلفوا في الفائدةِ من ذكر هذه الأحْوَالِ الثلاثة ، فقيل : المرادُ منه أن يَظْهِرَ الرسول من نَفْسِه التَّواضُع للّه ، والاعتراف بِعُبُوديَّتِهِ حتى لا يعتقد فيه مثل اعتقاد النَّصارى في المسيح عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ . وقيل : إن القوم كاوا يَقْتَرِحُون عليه إظْهَارَ المعجزات القاهرة ، كقولهم : { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُر لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } [ الإسراء : 90 ] فقال تعالى في آخر الآية : { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } [ الإسراء : 93 ] يعني : أنَا لا أدَّعِي إلاَّ الرسالةَ والنُّبُوَّة ، وهذه الأمور التي طلبتموها ، فلا يمكن تحصيلها إلاَّ بقدرة الله . وقيل : المُرَادُ من قوله : { لا أقُولُ لكُمْ عِنْدِي خزائِنُ ٱللَّهِ } ، أي : لا أدَّعي كوني مَوْصُوفاً بالقُدْرَةِ ، ولا أعلم الغَيْبَ ، أي : ولا أدَّعي كَوْنِي موصوفاً بعلم الله تعالى ، وبمجموع هَذَيْنِ الكلامين حَصَلَ أنه لا يدَّعِي الإلهيَّة . ثُمَّ قال : { وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ } وذلك ؛ لأنه ليس بعد الإلهيَّةِ دَرَجَةٌ أعلى حالاً من الملائكة فصار حاصل الكلام كأنَّهُ يقول : لا أدَّعي الإلهية ، ولا أدَّعي الملكيَّة ، ولكن أدَّعي الرِّسالة ، وهذا مَنْصِبٌ لا يمتنع حصُوله [ للبشر ] فكيف أطْبَقْتُمْ على استنكار قولي . فصل في رد شبهة الجبائي في تفضيل الملائكة قال الجُبَّائي : دَلَّتِ الآية على أنَّ الملكَ أفْضَلُ من الأنبياء ؛ لأن [ معنى الكلام ] لا أدَّعي مَنْزِلَةً أقْوَى من مَنْزِلَتِي ، ولولا أن المَلك أفضل ، وإلاَّ لم يصح . قال القاضي : إن كان الغرض بها نفي طريقة التَّواضُعِ ، فالأقرب يَدُلُّ على أن الملكَ أفْضَلُ ، وإن كان المراد نَفْيَ قدرته عن أفعالٍ لا يقوى عليها إلاَّ الملائكة لم يَدُلَّ على كونه أفْضَلَ . قوله : { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ } . يَدُلُّ على أنه لا يعمل إلاَّ بالوَحْي ، وأنه لم يكن يحكم من تِلْقَاء نفسه في شيء من الأحكام ، وأنَّهُ ما كان يجتهد ، ويؤكد ذلك قوله تعالى : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } [ النجم : 3 ، 4 ] . واسْتَدَلَّ نُفَاةُ القياس بهذا النصّ ، قالوا : لأنَّهُ عَلَيْه الصَّلاةُ والسَّلامُ ما كان يَعْمَلُ إلا بالوَحْي النَّازِلِ ، فوجبَ ألاَّ يجوز لأحدٍ من أمَّتِهِ أن يعمل إلاَّ بالوَحْيِ النَّازل ، ولقوله تعالى : { وَٱتَّبِعُوهُ } [ الأعراف : 158 ] وذلك ينفي جواز العمل بالقياسِ . ثم أكَّدَ ذلك بقوله : { هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } ، وذلك لأن العمل بغير الوَحْي يجري مجرى عَمَل الأعمى ، والعملُ بمقتضى نزول الوَحْي يجري مجرى عملِ البصيرِ ، ثم قال تعالى : { أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } . والمراد منه التنبيه على أنه يجب على العَاقِلِ أن يعرف الفَرْقَ بين هذيْنِ البَابَيْنِ ، وألاَّ يكون غَافِلاً عن معرفة الله .