Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 60, Ayat: 1-1)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ } الآية . وجه تعلق أول هذه السورة بآخر ما قبلها ، هو أن آخر تلك السورة تشتمل على الصفات الجميلة [ اللائقة بحضرة الله - تعالى - من الوحدانية وغيرها ] ، وأول هذه السورة يشتمل على حرمة الاختلاط مع من لم يعترف بتلك الصفات . قوله : { عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ } . هذان مفعولا الاتخاذ . و " العَدو " لما كان بزنةِ المصادر وقع على الواحد فما فوق . وأضاف العدو لنفسه تغليظاً في جرمهم . روى مسلم عن علي - رضي الله عنه - قال : " بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد ، فقال : " ائْتُوا روضة " خَاخٍ " فإنَّ بِهَا ظعينةً معها كتابٌ فخذُوهُ مِنْهَا " فانطلقنا تُعادي بنا خيلنَا ، فإذا نحن بالمرأة ، وهي امرأة عبد الرحمن ابن عوف ولدت إبراهيم بن عبد الرحمن ، فقلنا : أخرجي الكتاب ، فقالت : ما معي كتاب ، فقلنا : لتُخرجنَّ الكتاب أو لنلقينَّ الثياب فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل " مكة " يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا حاطب ما هذا ؟ فقال : لا تَعْجَلْ عليَّ يا رسول الله ، إني كنت أمرأً ملصقاً في قريش - قال سفيان : يقول : كنت حليفاً - ولم أكن من أنفسها ، وكان ممن معك من المهاجرين من له قرابات يحمون أهليهم وأموالهم ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النَّسَب أن أتخذ عندهم يداً يحمون قرابتي ، ولم أفعله كفراً ولا ارتداداً عن ديني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمَا إنَّهُ قَدْ صَدقَكُمْ " ، فقال عمر : يا رسول الله ، دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال : إنَّهُ شهد بَدْراً ، ومَا يُدْريك لعلَّ اللَّه اطلع على مَنْ شَهِدَ بَدْراً ، فقال : اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ " فأنزل الله تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ } إلى قوله : { سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } . قيل : اسم المرأة سارة من موالي قريش ، وكان في الكتاب : " أما بعد ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل ، وأقسم بالله لو لم يسر إليكم إلا وحده لأظفره الله بكم ، وأنجز له وعده فيكم ، فإن الله وليه وناصره " . وقيل : " إن سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف أتت [ المدينة من مكة ورسول الله ] يتجهز لفتح مكة . قيل : كان هذا زمن الحديبية ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهاجرةً جئت يا سارة ؟ قالت : لا ، قال : أمسلمة جئت ؟ قالت : لا ، قال : فما جاء بك ؟ قالت : كنتم الأهل والموالي والأصل والعشيرة ، وقد ذهبت الموالي - تعني قُتِلُوا يوم بدر - وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني ، فقال عليه الصلاة والسلام : فأيْنَ أنت عَن شَبابِ أهْلِ مكَّة ؟ - وكانت مغنيةً نائحةً قالت : ما طلب مني شيء بعد وقعة بدرٍ ، فحث رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وبني المطلب على إعطائها ، فكسوها وحملوها وأعطوها ، فخرجت إلى مكة ، وأتاها حاطب بن أبي بلتعة حليف بني أسد بن عبد العزى ، وقال : أعطيك عشرة دنانير ، وبُرداً على أن تبلغي هذا الكتاب إلى أهل " مكَّة " ، وكتب في الكتاب : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم ، فخذوا حذركم ، فخرجت سارة ، ونزل جبريل عليه السلام فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فبعث عليّاً والزبير والمقداد وأبا مرثد الغنوي ، وفي رواية : عليّاً وعمار بن ياسر ، وفي رواية : عليّاً وعماراً وعمراً والزبير وطلحة والمقداد وأبا مرثد ، وكانوا كلهم فرساناً ، وقال لهم : انطلقوا حتى تأتوا روضة " خاخ " ، فإن بها ظعينة ، ومعها كتاب من حاطب إلى المشركين ، فخذوه منها وخلُّوا سبيلها ، فإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها ، فأدركوها في ذلك المكان ، فقالوا : أين الكتاب ؟ فحلفت باللَّه ما معها كتاب ، ففتشوا أمتعتها فلم يجدوا معها كتاباً فهموا بالرجوع ، فقال علي : والله ما كذبنا ولا كذَّبنا وسلَّ سيفه ، وقال أخرجي الكتاب وإلا والله لأجرّدنّكِ ولأضربن عنقك ، فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها قد خبأته في شعرها - وفي رواية في حُجزتِهَا - فخلُّوا سبيلها ، ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى حاطب ، فقال : هل تعرف هذا الكتاب ؟ قال : نعم ، وذكر الحديث " فصل في النهي عن موالاة الكفار هذه السورة أصل في النهي عن موالاة الكُفَّار ، وقد تقدم نظيره ، كقوله : { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ } [ آل عمران : 28 ] . وقوله : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ } [ آل عمران : 118 ] { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ } [ المائدة : 51 ] . روي أن حاطباً لما سمع { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } غشي من الفرح بخطاب الإيمان . قوله : " تُلقُون " . فيه أربعة أوجه : أحدها : أنه تفسير لموالاتهم إياها . الثاني : أنه استئناف إخبار بذلك ، فلا يكون للجملة على هذين الوجهين محلّ من الإعراب . الثالث : أنها حال من فاعل " تتَّخذُوا " أي : لا تتخذوا ملقين المودّة . الرابع : أنها صفة لأولياء . قال الزمخشري : " فإن قلت : إذا جعلته صفة وقد جرى على غير من هو له ، فأين الضمير البارز ، وهو قولك : تلقون إليهم أنتم بالمودّة ؟ . قلت : ذاك إنما اشترطوه في الأسماء دون الأفعال ولو قيل : أولياء ملقين إليهم بالمودة على الوصف لما كان بُدّ من الضمير البارز " . وقد تقدمت هذه المسألة مستوفاة ، وفيها كلام مكي وغيره . إلا أن أبا حيّان اعترض على كونها صفة أو حالاً ، بأنهم نهوا عن اتخاذهم أولياء مطلقاً في قوله : { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ } [ المائدة : 51 ] ، والتقييد بالحال والوصف يوهم جواز اتخاذهم أولياء إذا انتفى الحال أو الوصف . قال شهاب الدين : " ولا يلزم ما قال ، لأنه معلوم من القواعد الشرعية ، فلا مفهوم لها ألبتة " . وقال الفرَّاء : " تلقون " من صلة " أولياء " . وهذا على أصولهم من أن النكرة توصل لغيرها من الموصولات . قوله : " بِالمَودَّةِ " . في الباء ثلاثة أوجه : أحدها : أن الباء مزيدة في المفعول به ، كقوله : { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ } [ البقرة : 195 ] ، وقوله : { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ } [ الحج : 25 ] . والثاني : أنها غير مزيدة ، والمفعول محذوف ، ويكون معنى الباء : السببية ، كأنه قيل : تلقون إليهم أسرار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخباره بسبب المودة التي بينكم وبينهم . قاله الزجاج . الثالث : أنها متعلقةٌ بالمصدر الدال عليه " تلقون " أي : إلقاؤهم بالمودة . نقله الحوفي عن البصريين [ وجعل القول بزيادة الباء قول الكوفيين . إلا أنَّ هذا الذي نقله عن البصريين ] لا يوافق أصولهم ، إذ يلزم منه حذف المصدر وإبقاء معموله ، وهو لا يجوز عندهم ، وأيضاً فإن فيه حذف الجملة برأسها ، فإن " إلقاءهم " مبتدأ ، و " بالمَودَّةِ " متعلق به ، والخبر أيضاً محذوف ، وهذا إجحاف . فصل في الكلام على الآية قال ابن الخطيب : في الآية مباحث . الأول : اتخاذ العدو أولياء ، كيف يمكن ، والعداوة منافية للمحبة ؟ . والجواب : لا يبعد أن تكون العداوة بالنسبة إلى أمر آخر ، ألا ترى إلى قوله تعالى : { أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } [ الأنفال : 28 ] . وقال عليه الصلاة والسلام : " أوْلادُنَا أكْبَادُنَا " الثاني : لم قال : { عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ } ولم يقل بالعكس ؟ . والجواب : أنَّ العداوة بين المؤمن والكافر بسبب محبّة الله ومحبَّة رسوله - عليه الصلاة والسلام - فتكون محبة العبد من أصل الإيمان بحضرة الله تعالى لعلةٍ ، ومحبة حضرة الله - تعالى - للعبد لا لعلة ، والذي لا لعلة مقدم على الذي لعلة ؛ ولأن الشيء إذا كانت له نسبة إلى الطرفين ، فالطرف الأعلى مقدم على الأدنى . الثالث : قال : " أولياء " ، ولم يقل : ولي العدو أو العدو معرفاً ؟ . فالجواب : أن المعرف بحرف التعريف يتناول كل فرد ، فكذلك المعرف بالإضافة . فصل قال القرطبي : قوله : { تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ } يعني بالظَّاهر ، لأن قلب حاطب كان سليماً بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم : " أمَّا صَاحبُكمْ فقدْ صَدَقَ " وهذا نصٌّ في سلامة فؤاده ، وخلوص اعتقاده . فصل فيمن تطلع على عورات المسلمين قال القرطبي : من كثر تطلّعه على عورات المسلمين ، وينبه عليهم ، ويعرف عدوهم بأخبارهم لم يكن بذلك كافراً إذا كان فعله ذلك لغرض دنيوي ، واعتقاده على ذلك سليم ، كما فعل حاطب حين قصد بذلك اتخاذ اليد ، ولم ينو الردة عن الدين . وإذا قيل : بأنه لا يكون كافراً بذلك فهل يقتل حدًّا أم لا ؟ فقال مالك وابن القاسم وأشهب : يجتهد الحاكم الإمام في ذلك . وقال عبد الملك : إذا كانت عادته تلك قُتِلَ لأنه جاسوس ، وقد قال مالك : يقتل الجاسوس لإضراره بالمسلمين ، وسعيه بالفساد في الأرض ، ولعل ابن الماجشون إنما أخذ التكرار في هذا ؛ لأن حاطباً أخذ في أول فعله ، فإن كان الجاسوس كافراً ، فقال الأوزاعي : يكون نقضاً لعهده ، وقال : الجاسوس الحربي يقتل ، والجاسوس المسلم والذمي يعاقبان إلا أن يظاهرا على الإسلام فيقتلان . وقد روي عن عليٍّ بن أبي طالبٍ - رضي الله عنه - " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بعين للمشركين اسمه : فُرات بن حيَّان ، فأمر به أن يقتل ، فصاح : يا معشر الأنصار ، أقتل وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ؟ فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فخلي سبيله ، ثم قال : " إنَّ مِنكُمْ من أكِلُهُ إلى إيمانِهِ ، مِنْهُمْ فُراتُ بنُ حيَّانَ " قوله : " وقَدْ كَفرُوا " . فيه أوجه : أحدها : الاستئناف . الثاني : حال من فاعل " تتخذوا " . الثالث : حال من فاعل " تلقون " ، أي : لا تتولَّوهم أو لا توادوهم وهذه حالهم . وقرأ العامة : " بما " - بالباء - ، والجحدري وعاصم في رواية : " لما " - باللام - أي : لأجل ما جاءكم من الحق ، فعلى هذا الشيء المكفور به غير مذكور ، وتقديره : كفروا بالله ورسوله . قوله : { يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ } . يجوز أن يكون مستأنفاً ، وأن يكون تفسيراً لكفرهم ، فلا محلَّ لها على هذين ، وأن يكون حالاً من فاعل " كَفَرُوا " . قوله : " وإيَّاكُمْ " . عطف على " الرَّسُول " وقدّم عليهم تشريفاً له . وقد استدل به من يجوز انفصال الضمير مع القدرة على اتصاله ، إذ كان يجوز أن يقال : يخرجونكم والرسول ، فيجوز : يخرجون إياكم والرسول في غير القرآن . وهو ضعيف ، لأن حالة تقديم الرسول دلالة على شرفه ، لا نسلم أنه يقدر على اتصاله . وقد تقدم الكلام على هذه الآية عند قوله تعالى : { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في سورة النساء [ 131 ] . قوله : { أَن تُؤْمِنُواْ } مفعول له ، وناصبة " يخرجون " أي : يخرجونكم لإيمانكم أو كراهة إيمانكم . فصل قال القرطبي : { أن تؤمنوا بالله } تعليل لـ " يخرجون " والمعنى : يخرجون الرسول ، ويخرجونكم من " مكة " لأن تؤمنوا بالله ، أي : لأجل إيمانكم بالله . قال ابن عباس : وكان حاطب ممن أخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم . وقيل : إن الكلام فيه تقديم وتأخير ، والتقدير : لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي . وقيل : في الكلام حذف ، والمعنى : إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي ، وابتغاء مرضاتي [ فلا تلقوا إليهم بالمودة . وقيل : { إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي } ] شرط وجوابه مقدم ، والمعنى : إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي فلا تتَّخذوا عدوي وعدوكم أولياء . قال أبو حيان : { إِن كُنتُم خَرَجْتُمْ } جوابه محذوف عند الجمهور لتقدم " لا تتخذوا " وتقدم ، وهو " لا تتخذوا " عند الكوفيين ومن تابعهم . قال الزمخشري : و { إن كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ } متعلق بـ " لا تتخذوا " يعني : لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي ، وقول النحويين في مثله : هو جواب شرط ، جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه انتهى . يريد : أنه متعلق به من حيث المعنى ، وأما من حيث الإعراب ، فكما قال جمهور النحويين . قوله : { جِهَاداً فِي سَبِيلِي } { وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي } يجوز أن ينتصبا على المفعول له ، أي : خرجتم لأجل هذين ، أو على المصدر بفعل مقدر أي : تجاهدون وتبتغون ، أو على أنهما في موضع الحال . قوله : " تُسِرُّونَ " . يجوز أن يكون مستأنفاً ، ولم يذكر الزمخشري غيره . ويجوز أن يكون حالاً ثانية مما انتصب عنه " تلقون " حالاً . ويجوز أن يكون بدلاً من " تلقون " . قاله ابن عطية . والأشبه أن يكون بدل اشتمال ، لأن إلقاء المودة يكون سرًّا وجهراً ، فأبدل منه هذا للبيان بأيّ نوع وقع الإلقاء . قال القرطبي : " تُسِرُّونَ " بدل من " تُلْقُونَ " ومبين عنه ، والأفعال تبدل من الأفعال كما قال تعالى : { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ } [ الفرقان : 68 ، 69 ] . وأنشد سيبويه : [ الطويل ] @ 4759 - مَتَى تَأتِنَا تُلْمِمْ بِنَا فِي دِيَارِنَا تَجِدْ حَطَباً جَزْلاً ونَاراً تَضرَّمَا @@ ويجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر ، أي : أنتم تسرون . قاله ابن عطية . ولا يخرج عن معنى الاستئناف . وقال أبو البقاء : " هو توكيد لـ " تلقون " بتكرير معناه " . قال شهاب الدين : " وفيه نظر ، لأن الإلقاء أعم من أن يكون سرًّا وجهراً " . وتقدم الكلام على الباء في قوله : " بالمودَّة " . قوله : { وَأَنَاْ أَعْلَمُ } . هذه الجملة حال من فاعل " تُسِرُّونَ " ، أي : وأيُّ طائلٍ لكم في إسراركم ، وقد علمتم أن الإسرار والإعلان سيان في علمي . و " أعْلَمُ " ، يجوز أن يكون أفعل تفضيل ، وهو الظاهر ، أي : أنا أعلم من كل أحد بما يخفون ، وما يعلنون . وأن يكون فعلاً مضارعاً . قاله ابن عطية ، وعُدِّي بالباء ، لأنك تقول : علمت بكذا ، وعلمت كذا فتكون زائدة . وقيل : وأنا أعلم من كل أحد كما يقال : فلان أعلم وأفضل من غيره . [ فإن قيل : لم قدم العلم بالإخفاء على العلم بالإعلان مع أن ذلك مستلزم لهذا من غير عكس ؟ . فالجواب هذا بالنسبة إلى علمنا ، لا بالنسبة إلى علمه - تعالى - إذ هما سيّان في علمه تعالى ؛ لأن المقصود بيان ما هو الإخفاء ، وهو الكفر ، فيكون مقدماً . فإن قيل : لم لم يقل : بما أسررتم ، ثم وما أعلنتم ، مع أنه أليق بما سبق في قوله : " تُسِرُّونَ ؟ " فالجواب : أن فيه من المبالغة ما ليس في ذلك ، فإنَّ الإخفاء أبلغ من الإسرار بدليل قوله : { يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } [ طه : 7 ] ، أي : أخفى من السِّر ] . فصل في معاتبة حاطب قال القرطبي : وهذا كله معاتبة لحاطب ، وهو يدل على فضله وكرامته ، ونصيحته للرسول صلى الله عليه وسلم وصدق إيمانه ؛ فإن المعاتبة لا تكون إلا من محبٍّ لحبيب ؛ كما قال : [ الوافر ] @ 4760 - إذَا ذَهَبَ العِتَابُ فليْسَ وُدٌّ ويَبْقَى الودُّ مَا بَقِيَ العِتَابُ @@ فصل في المراد بالمودة والمراد بالمودّة في الآية النصيحة . قال ابن عباس رضي الله عنهما : وأنا أعلم بما أخفيتم في صدوركم ، وما أظهرتم بألسنتكم من الإقرار والتوحيد . { وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ } أي : من يسر إليهم ويكاتبهم { فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } أي : أخطأ طريق الهدى . قوله : " ومَن يفعلهُ " . في الضمير وجهان : أظهرهما : أنه يعود على الإسرار ؛ لأنه أقرب مذكور . والثاني : يعود على الاتِّخاذ . قاله ابن عطية . قوله : { سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } . يجوز أن يكون منصوباً على الظرف ، إن قلنا : ضلَّ قاصر . وأن يكون مفعولاً به ، إن قلنا : هو متعد . [ فإن قيل : ما الفائدة في قوله " مِنكُمْ " ، ومن المعلوم أن من فعل هذا ، فقد ضل سواء السبيل ؟ فالجواب : إن كان المراد من قوله : " مِنْكُمْ " هم المؤمنون فظاهر ، لأن من يفعل ذلك لا يلزم أن يكون مؤمناً ] .