Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 61, Ayat: 10-13)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } الآية . قال مقاتلٌ : " نزلت في عثمان بن مظعون ، قال : يا رسول الله ، لو أذنت لي فطلقت خولة ، وترهبت واختصيت ، وحرمت اللحم ، ولا أنام بليل أبداً ، ولا أفطر بنهار أبداً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنَّ من سُنَّتِي النَّكاحَ فلا رهْبانِيَةَ في الإسْلامِ وإنَّما رَهْبانِيةُ أمَّتِي الجهادُ في سبيلِ اللَّهِ ، وخصاء أمَّتِي الصَّومُ ، فلا تُحرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لكُم ، ومِنْ سُنَّتِي أنَامُ وأقُومُ وأفْطِرُ وأصُومُ ، فمنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فليْسَ منِّي " ، فقال عثمان : لوددت يا نبي الله ، أي التجارات أحب إلى الله فأتجر فيها " ، فنزلت . وقيل : " أدُلُّكُمْ " أي : سأدلكم ، والتجارة : الجهاد ، قال الله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ } [ التوبة : 111 ] : الآية ، وهذا خطاب لجميع المؤمنين . وقيل : لأهل الكتاب . وقيل : نزل هذا حين قالوا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملنا . قال البغويُّ : وجعل ذلك بمنزلة التجارة ؛ لأنهم يرجون بها رضا الله عز وجل ، ونيل جنته والنجاة من النار . والتجارة عبارة عن معاوضة الشيء بالشيء ، كما أن التجارة تنجي التاجر من الفقر فكذا هذه التجارة ، وكما أن في التجارة الربح والخسران ، فكذلك هذه التجارة ، فمن آمن وعمل صالحاً ، فله الأجر الوافر ، ومن أعرض عن الإيمان والعمل الصالح ، فله الخسران المبين . قوله : { تُنجِيكُم } . هذه الجملة صفة لـ " تجارة " . وقرأ ابن عامر : { تُنجّيكُم مِن عَذَابٍ أَلِيمٍ } بالتشديد . والباقون : بالتخفيف ، من " أنْجَى " ، وهما بمعنى واحد ؛ لأن التضعيف والهمزة متعديان . والمعنى : يخلصكم من عذاب أليم ، أي مؤلم . قوله : { تُؤْمِنُونَ } . لا محلّ له لأنه تفسير لـ " تجارة " . ويجوز أن يكون محلها الرفع خبراً لمبتدأ مضمر ، أي تلك التجارة تؤمنون ، والخبر نفس المبتدأ ، فلا حاجة إلى رابط . وأن تكون منصوبة المحل بإضمار فعل ، أي " أعني تؤمنون " ، وجاز ذلك على تقدير " أن " وفيه تعسف . والعامة على : " تؤمنون " خبراً لفظياً ثابت النون . وعبد الله : " آمنُوا ، وجاهدُوا " أمرين . وزيد بن علي : " تؤمنوا ، وتجاهدوا " بحذف نون الرفع . فأما قراءة العامة ، فالخبر بمعنى الأمر ، يدل عليه القراءتان الشاذتان فإن قراءة زيد : على حذف لام الأمر ، أي : " لتؤمنوا ، ولتجاهدوا " . كقوله : [ الوافر ] @ 4765 - مُحَمَّدُ تَفْدِ نفسكَ كُلُّ نَفْسٍ … @@ وقوله تعالى : { قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } [ إبراهيم : 31 ] في وجه ، أي : لتَفْدِ ولتقيموا ، ولذلك جزم الفعل في محل جوابه في قوله : " يتقي " . وكذلك قولهم : " اتقى الله امرؤ فعل خيراً يثب عليه " ، تقديره : ليتق الله . وقال الأخفش : أن " تؤمنون " : عطف بيان لـ " تجارة " . وهذا لا يتخيل إلا بتأويل أن يكون الأصل : أن تؤمنوا ، فلما حذفت ارتفع الفعل كقوله : [ الطويل ] @ 4766 - ألاَ أيُّهَذا الزَّاجِرِي أحْضُرَ الوَغَى @@ الأصل : أن أحضر الوغى . وكأنه قيل : هل أدلّكم على تجارة منجية : إيمان وجهاد ، وهو معنى حسن ، لولا ما فيه من التأويل ، وعلى هذا يجوز أن يكون بدلاً من " تِجارةٍ " . وقال الفراء : هو مجزوم على جواب الاستفهام ، وهو قوله : " هل أدلكم " . واختلف الناس في تصحيح هذا القول . فبعضهم غلطه . قال الزجاج : ليسوا إذا دلهم على ما ينفعهم يغفر لهم ، إنما يغفر لهم إذا آمنوا وجاهدوا . يعني : أنه ليس مرتباً على مجرد الاستفهام ولا على مجرد الدلالة . قال القرطبي : و " تُؤمِنُونَ " عند المبرد والزجاج في معنى " آمِنُوا " ولذلك جاء " يَغْفِر لَكُمْ " مجزوماً على أنه جواب الأمر . قال ابن الخطيب : " هَلْ أدلكُمْ " في معنى الأمر عند الفرَّاء ، يقال : هل أنت ساكت أي : اسكت ، وبيانه أن " هَلْ " بمعنى الاستفهام ثم يندرج إلى أن يصير عرضاً وحثًّا ، والحث كالإغراء ، والإغراء أمر . وقال المهدوي : إنما يصح حمله على المعنى ، وهو أن يكون " تُؤمِنُونَ ، وتجاهدون " : عطف بيان على قوله : " هل أدلكم " . كأن التجارة لم يدر ما هي فبينت بالإيمان والجهاد ، فهي هما في المعنى ، فكأنه قيل : هل تؤمنون وتجاهدون ؟ . قال : فإن لم يقدر هذا التقدير لم يصح ، لأنه يصير إن دُللتم يغفر لكم والغفران إنما يجب بالقبول والإيمان لا بالدلالة . وقال الزمشخري قريباً منه أيضاً . وقال أيضاً : إن " تؤمنون " استئناف كأنهم قالوا : كيف نعمل ؟ فقال : تؤمنون . وقال ابن عطيَّة : " تُؤمِنُونَ " : فعل مرفوع ، تقديره : ذلك أنه تؤمنون . فجعله خبراً ، وهي وما في حيّزها خبر لمبتدأ محذوف ، وهذا محمول على تفسير المعنى لا تفسير الإعراب فإنه لا حاجة إليه . فصل قال ابن الخطيب : فإن قيل : كيف أمرهم بالإيمان بعد قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ؟ . فالجواب : يمكن أن يكون المراد من هذه الآية المنافقين وهم الذين آمنوا في الظاهر ، ويمكن أن يكون أهل الكتاب ، وهم اليهود والنصارى فإنهم آمنوا بالكتب المتقدمة . فكأنه قال : يا أيها الذين آمنوا بالكتب المتقدمة آمنوا بالله وبمحمد ، ويمكن أن يكون أهل الإيمان كقوله تعالى : { فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً } [ التوبة : 124 ] ، أو يكون المراد الأمر بالثبات على الإيمان ، كقوله : { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ } [ إبراهيم : 27 ] . فإن قيل : كيف ترجى النجاة إذا آمن بالله ورسوله ولم يجاهد في سبيل الله وقد علق بالمجموع ؟ . فالجواب : أن هذا المجموع هو الإيمان بالله ورسوله والجهاد بالنفس والمال في سبيل الله خير في نفس الأمر . قوله : { بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } . قال القرطبي : ذكر الأموال أولاً ، لأنها التي يبدأ بها في الإنفاق ، " ذَلِكُمْ " أي : هذا الفعل { خَيْرٌ لَّكُمْ } من أموالكم وأنفسكم ، { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أنه خير لكم . قوله : { يَغْفِرُ لَكُمْ } فيه أوجه : أحدها : أنه مجزوم على جواب الخبر بمعنى الأمر ، كما تقدم . والثاني : أنه مجزوم على جواب الاستفهام ، كما قاله الفراء . الثالث : أنه مجزوم بشرط مقدر ، أي : إن تؤمنوا يغفر لكم . قال القرطبي : " وأدغم بعضهم ، فقرأ : " يَغْفر لَكُمْ " ، والأحسن ترك الإدغام لأن الراء حرف متكرر قويّ فلا يحسن الإدغام في اللام ؛ لأن الأقوى لا يدغم في الأضعف " . قوله : { وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً } . روى الحسنُ قال : " سألت عمران بن حصينٍ وأبا هريرة عن قوله تعالى : { وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً } ، فقالا : على الخبير [ سقطت ] ، سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال : " قَصْرٌ مِن لُؤلُؤة في الجنَّةِ ، في ذلِكَ القصْرِ سَبْعُونَ داراً من ياقُوتةٍ حَمْراءَ ، فِي كُل دَار سَبْعُونَ بَيْتاً من زَبرْجدة خَضْراءَ ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ سَرِيراً ، عَلَى كُلِّ سَريرٍ سَبْعُونَ فِرَاشاً من كُلِّ لَوْنٍ على كُلِّ فِراشٍ سَبعُونَ امْرَأةً ، من الحُورِ العِينِ ، فِي كُلِّ بيتٍ سَبْعُونَ مَائدةً ، عَلى كُلِّ مائدةٍ سَبْعُون لوْناً من الطَّعام ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سبعُون وصيفاً ووصيفَةً ، فيُعْطِي اللَّهُ تعالى المُؤمِنَ القُوَّة في غَدَاةٍ واحدةٍ مَا يَأتِي ذَلِكَ كُلِّهِ " . قوله : { فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ } . أي دار إقامة . { ذلك الفوزُ العظيمُ } أي : السعادة الدائمة الكبيرة ، وأصل الفوز الظفر بالمطلوب . قوله : { وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا } . فيها أوجه : أحدها : أنها في موضع رفع على الابتداء وخبرها مقدر ، أي : ولكم أو وثمَّ أو عنده خصلة أخرى أو مثوبة أخرى ، و " تُحِبُّونهَا " : نعت له . الثاني : أن الخبر جملة حذف مبتدؤها ، تقديره : هي نصر ، والجملة خبر " أخرى " . قاله أبو البقاء . الثالث : أنها منصوبة بفعل محذوف للدلالة عليه بالسِّياق ، أي : ويعطكم ، أو يمنحكم مثوبة أخرى ، و " تُحِبُّونهَا " نعت لها أيضاً . الرابع : أنها منصوبة بفعل مضمر يفسره " تُحِبُّونهَا " فيكون من الاشتغال ، وحينئذ لا يكون " تحبونها " نعتاً لأنه مفسر للعامل فيه . الخامس : أنها مجرورة عطفاً على " تجارة " . وضعف هذا بأنها ليست مما دلَّ عليه إنما هي ثواب من عند الله . قال القرطبي : " هذا الوجه منقول عن الأخفش والفراء " . قوله : { نَصْرٌ مِّنَ ٱللَّهِ } . خبر مبتدأ مضمر ، أي : تلك النعمة ، أو الخلة الأخرى نصر ، " من الله " نعت له أو متعلق به ، أي : ابتداؤه منه . ورفع " نَصْرٌ ، وفَتْحٌ " قراءة العامة . ونصب ابن أبي عبلة الثلاثة . وفيه أوجه ذكرها الزمخشري . أحدها : أنها منصوبة على الاختصاص . الثاني : أن ينتصبن على المصدرية ، أي : ينصرون نصراً ، ويفتح لهم فتحاً قريباً . الثالث : أن ينتصبن على البدل من " أخْرَى " ، و " أخرى " منصوبة بمقدر كما تقدم ، أي يغفر لكم ويدخلكم جنات ويؤتكم أخرى ، ثم أبدل منها نصراً وفتحاً قريباً . فصل في معنى الآية ومعنى الآية أي : ولكم نصر من الله { وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } ، أي : غنيمة في عاجل الدنيا قبل فتح مكة . وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - يريد فتح فارس والروم { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } برضا الله عنهم . وقال البغوي : " وبشر المؤمنين " يا محمد بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة . ثم حضهم على نصر المؤمنين وجهاد المخالفين ، فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُوۤاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ … }