Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 65, Ayat: 8-11)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ } . لما ذكر الأحكام ذكر وحذَّر مخالفة الأمر ، وذكر عُتُوَّ وحُلُول العذاب بهم ، وتقدم الكلام في " كأين " في " آل عمران " . قوله : { عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا } . ضمّن " عَتَتْ " معنى أعرض ، كأنه قيل : أعرضت بسبب عتوِّها ، أي : عتت يعني القرية والمراد أهلها . وقوله : { فَحَاسَبْنَاهَا } إلى آخره . يعني في الآخرة ، وأتى به بلفظ الماضي لتحقُّقه . وقيل : العذاب في الدُّنيا ، فيكون على حقيقته ، أي جازيناها بالعذاب في الدُّنيا { وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً } في الآخرة وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، أي : فعذبناها عذاباً نكراً في الدنيا بالجوع والقَحْط والسَّيف والخَسْف والمَسْخ وسائر المصائب ، وحاسبناها في الآخرة حساباً شديداً . والنُّكْر : المنكر ، وقرىء مخففاً ومثقلاً ، وقد مضى في سورة الكهف . قوله : { فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا } . أي : عاقبة كفرها { وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرَهَا خُسْراً } أي : هلاكاً في الدنيا بما ذكرنا وفي الآخرة بجهنم . قوله : { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ } . تكرير للوعيد توكيداً . وجوز الزمخشري أن يكون " عَتَتْ " وما عطف عليه صفة لـ " قَرْيَةٍ " ، ويكون الخبر لـ " كأيٍّ " في الجملة من قوله : { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ } . وعلى الأول يكون الخبر " عَتَت " وما عطف عليه . قوله : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } . منصوب بإضمار أعني ، بياناً للمنادى في قوله : { يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } أي : العُقُول ، ويكون عطف بيان للمنادى أو نعتاً له ، ويضعف كونه بدلاً لعدم حلوله محل المبدل منه . قوله : { قد أنزل الله إليكم ذكراً رسولاً } . في نصب " رسولاً " أوجه : أحدها : قال الزجاج والفارسي : إنه منصوب بالمصدر المنون قبله ؛ لأنه ينحل لحرف مصدري وفعل ، كأنه قيل : أن ذكر رسولاً ، ويكون ذكره الرسول قوله { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } [ الفتح : 29 ] ، والمصدر المنون عامل كقوله تعالى : { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً } [ البلد : 14 ، 15 ] . وقول الآخر : [ الوافر ] @ 4783 - بِضَرْبٍ بالسُّيُوفِ رُءُوسَ قَوْمٍ أزَلْنَا هَامَهُنَّ عنِ المَقِيلِ @@ الثاني : أنه جعل نفس الذكر مبالغة ، ويكون محمولاً على المعنى ، كأنه قال : قد أظهر لكم ذكراً رسولاً ، فيكون من باب بدل الشَّيء من الشَّيء وهو هو . الثالث : أنه بدل منه على حذف مضاف من الأول ، تقديره : أنزل ذا ذكر رسولاً . الرابع : كذلك ، إلا أن " رسولاً " نعت لذلك المحذوف . الخامس : أنه بدل منه على حذف مضاف ، أي ذكراً ذا رسول . السادس : أن يكون " رَسُولاً " نعتاً لـ " ذِكْراً " أو على حذف مضاف ، أي : ذكراً ذا رسول ، و " ذا " رسول نعتاً لـ " ذِكْراً " . السابع : أن يكون " رسولاً " بمعنى رسالة ، فيكون " رسولاً " بدلاً صريحاً من غير تأويل ، أو بيناً عند من يرى جريانه في النكرات كالفارسي ، إلا أن هذا يبعده قوله " يَتْلُو عَلَيْكُم " لأن الرسالة لا تتلو إلا بمجاز . الثامن : أن يكون " رَسُولاً " منصوب بفعل مقدر ، أي : أرسل رسولاً ، لدلالة ما تقدَّم عليه . قال البغوي : كأنه قيل : أنزل إليكم قرآناً وأرسل رسولاً . وقيل : مع رسول . التاسع : أن يكون منصوباً على الإغراء : أي : اتبعوا والزموا رسولاً هذه صفته . فصل في قوله : رسولاً اختلف الناس في " رسولاً " ، هل هو النبي صلى الله عليه وسلم أو القرآن نفسه أو جبريل . قال الزمخشري : " هو جبريل أبدل من " ذكراً " لأنه وصف بتلاوة آيات الله ، فكان إنزاله في معنى إنزال الذِّكر ، فصح إبداله منه " . قال أبو حيَّان : " ولا يصحّ هذا لتباين المدلولين بالحقيقة ، ولكونه لا يكون بدل بعض ، ولا بدل اشتمال " . انتهى . قال شهاب الدين : " وهذا الذي قاله الزمخشري سبقه إليه الكلبي ، وأما اعتراضه عليه ، فغير لازم ؛ لأنه بولغ فيه حتى جعل نفس الذكر كما تقدم بيانه " . وقرىء : " رسول " بالرفع على إضمار مبتدأ ، أي : هو رسول . وقيل : الذكر هنا الشَّرف كقوله تعالى : { لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ } [ الأنبياء : 10 ] وقوله تعالى : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف : 44 ] ثم بين الشرف فقال : " رَسُولاً " ، والأكثر على أن المراد بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم . وقال الكلبي : هو جبريل ، فيكونان جميعاً منزلين . قوله : { يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ } . نعت لـ " الرسول " ، و " آيَاتِ اللَّهِ " القرآن . و " مبيِّنَاتٍ " قرأ العامة : بفتح الياء ، أي : يبينها الله ، وبها قرأ ابن عباس ، وهي اختيار أبي عبيد ، وأبي حاتم ، لقوله تعالى : { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ } [ آل عمران : 118 ] . وقرأ ابن عامر ، وحفص ، وحمزة ، والكسائي : بكسرها ، أي : يبين لكم ما تحتاجون إليه من الأحكام . قوله : { لِّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } . الجار متعلق إما بـ " أنزل " وإما بـ " يتلو " . وفاعل " يخرج " إما ضمير الباري - تعالى - المنزل ، أو ضمير الرسُول ، أو الذكر . والمراد بالذين آمنوا من سبق له ذلك في علم الله . وقوله : { مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } . أي : من الكفر إلى الهدى والإيمان . قال ابن عباس : نزلت في مؤمني أهل الكتاب ، وأضاف الإخراج إلى الرسُول ؛ لأن الإيمان إنما حصل بطاعته . قوله : { وَمَن يُؤْمِن } . هذا أحد المواضع التي رُوعي فيها اللفظ أولاً ثم المعنى ثانياً ، ثم اللفظ آخراً . قوله : { يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ } قرأ نافع وابن عامر : بالنون ، والباقون : بالياء . وقوله : " خَالِدينَ " . قال بعضهم : ليس قوله " خالدين " فيه ضمير عائد على " من " إنما يعود على مفعول " يُدخِلْهُ " و " خَالِدينَ " حال منه والعامل فيه " يدخله " لا فعل الشَّرط . هذه عبارة أبي حيَّان . وفيها نظر ، لأن " خَالدِينَ " حال من مفعول " يُدْخلهُ " عند القائلين بالقول الأول ، وكان إصلاح العبارة أن يقال : حال من مفعول " يُدْخِلهُ " الثاني وهو " جنَّاتٍ " . والخلود في الحقيقة لأصحابها ، وكان ينبغي على رأي البصريين أن يقال : " خالدين هم فيها " لجريان الوصف على غير من هو له . قوله : { قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ } . حال ثانية ، أو حال من الضمير في " خَالِدينَ " ، فتكون متداخلة . ومعنى قوله : { قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً } ، أي : وسَّع له في الجنَّات .