Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 10-10)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لمَّا أمر الخَلْقَ بمتابَعَةِ الأنْبِيَاءِ ، ثمَّ خوَّفَهُم بعذاب الدُّنْيَا وهو قوله : { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا } ، وبعذاب الآخِرَةِ وهو السُّؤالُ ووزن الأعمال رغبهم في دعوة الأنْبِيَاء في هذه الآية بطريق آخر ، وهو أنَّ ذكر كثرة نعم اللَّه عليهم ، وكثرة النِّعيمِ توجبُ الطَّاعة فقال : { وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } أي : جعلنا لكم فيها مكاناً وقراراً ومكَّنَّاكم ، والمُرَادُ بالتَّمكين التمليك والقوة والقدرة . قوله " وجَعَلْنَا لكم " يجوز أن يكون " جَعَلَ " بمعنى " خَلَقَ " فيتعدَّى لواحد فيتعلَّقُ الجاران بـ " الجَعْل " ، أو بمحذوف على أنَّهُمَا حالان من " مَعَايِشَ " لأنهما لو تأخرا لجاز أنْ يكونا وصفين . ويجُوزُ أن تكون التصييريَّة فتتعدَّى لآثْنَيْنِ أوَّلهما : " مَعَايِشَ " ، والثَّأني أحد الجارين ، والآخر : إمَّا حال متعلِّقَةٌ بمحذوف ، وإمَّا متعلِّقةٌ بنفس الجعل وهو الظَّاهِرُ . و " مَعَايِش " جمع مَعيشَةٍ ، وفيها ثلاثةُ مذاهبٍ : مذهبُ سيبويه والخَلِيل : أنَّ وزنها مَفْعُلَةٍ بِضَمِّ العين ، أو مَفْعِلة بكسرها ، فعلى الأوَّلِ جُعلتِ الضَّمَّةُ كَسْرَةً ، ونُقِلَتْ إلى فَاءِ الكَلِمَةِ . وقياس قول الأخْفَشِ في هذا النَّحوِ أن يغيِّر الحرفَ لا الحَرَكَة ، فـ " معيشة " عنده شَاذَّةٌ إذْ كان يَنْبَغِي أَن يقال فيها مَعُوشة . وأمَّا على قولنا إنَّ أصلها " مَعِيشَةٌ " بكسر العين فلا شُذُوذَ فيها ومذهب الفرَّاءِ : أنَّ وزنها مَفْعلة بفتح العين ، وليس بشيءٍ . والمعيشةُ اسمٌ لما يُعاشُ به أي : يُحْيا وقال الزَّجَّاجُ : المعيشةُ ما يتوصلون به إلى العيش وهي في الأصل مصدر لـ " عَاشَ " يعيشُ عَيْشاً ، وعِيْشَةً قال تعالى : { فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [ الحاقة : 21 ] ، وَمَعَاشاً : قال تعالى : { وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً } [ النبأ : 11 ] ، ومَعِيشاً قال رُؤبةُ : [ الرجز ] @ 2406 - إلَيْكَ أشْكُوا شِدَّةَ المَعيشِ وَجُهْدَ أعْوَامٍ نَتَفْنَ رِيشِي @@ والعامَّةُ على " مَعَايشَ " بصريح الياءِ . وقد خرج خارجةُ فَرَوَى عن نافع " مَعَائِشَ " بالهَمْزِ ، وقال النَّحْويُّون : هذا غَلَطٌ ؛ لأنَّهُ لا يهمز عندهم إلا ما كان فيه حرفُ المدِّ زائداً نحو : صَحَائِف ومَدَائِن ، وأمَّا " مَعَايِش " فالياءُ أصلٌ ؛ لأنها من " العَيْشِ " . قال الفَارِسيُّ - عن أبي عثمان - : " أصلُ أخْذِ هذه القراءة عن نَافعٍ " قال : " ولَمْ يَكُنْ يَدْرِي ما العَرَبِيَّةُ " . قال شهابُ الدِّينِ : وقد فعلتِ العربُ مثل هذا ، فَهَمَزُوا " مَنَائِرَ ومَصَائِبَ " جمع " منارةٍ ومُصِيبَة " والأصل " مَنَاوِرُ ، ومَصَاوِبُ " وقد غلَّطَ سيبويه من قال مصائِبَ ، ويعني بذلك أنَّهُ غلطه بالنسبة إلى مخالفة الجادَّةِ ، وهذا كما تقدَّم عنه أنه قال : " واعْلَمْ أنَّ بعضهم يغلط فيقول : إنَّهم أجمعونَ ذَاهِبُونَ " [ قال ] ومنهُمْ من يأتي بها على الأصل فَيَقُولُ : مصاوب ومناور ، وهذا كما قالوا في جمع " مقالٍ " و " مقام " : " مقاول " و " مقاوم " في رجوعهم بالعين إلى أصلها قال : وأنشد النَّحْوِيُّون على ذلك : [ الطويل ] @ 2407 - وإنِّي لَقَوَّامٌ مقَاوِمَ لَمْ يَكُنْ جَريرٌ ولا مَوْلَى جرِيرٍ يَقُومُهَا @@ ووجه همزها أنَّهُم شبَّهوا الأصليَّ بالزَّائد فتوهموا أن " معيشة " بزنة " صحيفة " فهمزوها كما همزوا " تيك " قالوا : ونظير ذلك في تشبيههم الأصل بالزائد قولهم في جميع " مسيل " " مُسْلان " ، توهَّموه على أنَّه على زِنَةٍ " قضيبٍ وقُضْبَان " وقالوا في جمعه " أمْسِلَة " كأنَّهُم تَوَهَّمُوا أنَّهُ بزنة " رَغيفٍ ، وأرْغِفَةٍ " وإنَّما مسيل وزنه " مفعلٌ " ؛ لأنه من سيلان الماءِ ، وأنْشَدُوا على " مَسِيلِ ، وأمْسِلة " قول أبِي ذُؤيْبٍ الهُذَلِيِّ : [ الوافر ] @ 2408 - بِوَادٍ لا أنِيسَ بِهِ يبابٍ وأمْسِلَةٍ مَذَانِبُهَا خَلِيفُ @@ وقال الزَّجَّاجُ : جميعُ نُحَاةِ البَصْرَةِ يَزْعُمُونَ أنَّ همزها خَطَأ ، ولا أعلم لها وجهاً إلاَّ التِّشْبِيه بـ " صحيفة " و " صحائف " ، ولا ينبغي التَّعْوِيلُ على هذه القراءة . قال شهابُ الدين : وهذه القراءةُ لم يَنْفَرِدْ بها نافعٌ بل قَرَأهَا جماعة جلَّةٌ معه ؛ فإنَّها منقولة عن ابن عامر الذي قَرَأ على جماعة من الصَّحابةِ كـ " عُثْمان " و " أبي الدَّرْدَاءِ " و " معاوية " ، وقد سبق ذلك في " الأنعام " ، فقد قَرَأ بها قَبْلَ ظُهُورِ اللَّحْنِ ، وهو عربي فَصِيحٌ وقَرَأ بها أيضاً زيدُ بْنُ عَلِيٍّ ، وهو على جانب من الفَصَاحَة والعلم الذي لا يدانيه فيه إلاَّ القليل ، وَقَرَأ بها أيضاً الأعْمَشُ والأعْرَجُ وكفى بهما في الإتْقَانِ والضَّبْطِ . وقد نقل الفرَّاءُ أنَّ قلب هذه الياء تشبيها لها بياء " صحيفة " قد جاء ، وإن كان قليلاً . وقوله : { قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ } كقوله : { قَلِيلاً ما تَذكَّرُونَ } .