Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 115-115)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِمَّآ أَن تُلْقِيَ } : إمَّا هنا للتخيير ، ويطلق عليها حرف عطف مجازاً . قال المفسرُون : " تأدَّبُوا مع موسى - عليه السلام - فكان ذلك سبب إيمانهم " . قال الفرَّاءُ والكسائِيُّ في باب " أمّا " : و " إمّا " إذا كنت آمراً أو ناهياً أو مخبراً فهي مفتوحة ، وإذا كنت مشترطاً أو شاكّاً أو مخيراً فهي مكسورةٌ ، تقول في المفتوحة : إمّا اللَّه فأعْبُدْه ، وأما الخمرُ فلا تَشْرَبها وأما زيد فقد خَرَجَ ، فإن كنت مشترطاً فتقول : إمّا تعطينَّ زيداً فإنه يشكرك قال تعالى : { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي ٱلْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم } [ الأنفال : 57 ] ، وتقولُ في الشَّكِّ : لا أدري من قام إما زيد وإما عمرو ، وتقولُ في التَّخْيير : لي في الكوفة دارٌ إما أن أسْكُنَهَا وإمَّا أن أبيعها . والفرق بين " إمّا " إذا كانت للشكِّ وبين " أو " أنك إذا قلت : " جاءني زَيْدٌ أو عمرو " فقد يجوزُ أن تكون قد بنيت كلامك على اليقينِ ثم أدركك الشّك فقلت : أو عمرو ، فصار الشك فيهما ، فأوَّلُ الاسمين في " أو " يجوز أن يحسن السكوت عليه ، ثم يعرض الشك فتستدرك بالاسم الآخر ؛ ألا ترى أنَّكَ تَقُولُ : قام أخُوكَ وتسكت ثم تشكُّ فتقول : أو أبوك . وإذا ذكرت " إمّا " فإنما تبني كلامك من أول الأمر على الشك ، فلا يجوز أن تقول : ضربت إمَّا عبد الله وتسكت . وفي محل : { أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَكُونَ } ثلاثة أوجه : أحدها : النصب بفعلٍ مقدَّر أي : افعل إمَّا إلقاءك وإما إلقاءنا ، كذا قدّره أبو حيَّان ، وفيه نظر ؛ لأنَّهُ لا يَفْعَلُ إلقاءهم فينبغي أن يُقَدِّر فعلاً لائقاً بذلك وهو اختر أي : اختر إمَّا إلقاءك وإمّا إلقاءنا . وقدره مكي وأبو البقاءِ فقالا : " إمَا أن تَفْعَلَ الإلقاء " . قال مَكِّيٌّ : كقوله : [ البسيط ] @ 2542 - قَالُوا : الرُّكُوبَ فَقُلْنَا : تِلْكَ عَادَتُنَا … @@ بنصب " الركوب " إلا أنَّهُ جعل النَّصْبَ مذهب الكوفيين . الثاني : الرفع على خبر ابتداءٍ مضمر تقديره : أمْرُك إمَّا إلقاؤك وإما إلقاؤُنا . الثالث : أن يكون مبتدأ خبره محذوف تقديره إمَّا إلقاؤك مبدوءٌ به ، وإمَّا إلقاؤنا مبدوءٌ به . فإن قيل : كيف دخلت " أن " في قوله : { إِمَّآ أَن تُلْقِيَ } وسقطت من قوله : { إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ } [ التوبة : 106 ] . فالجواب قال الفراء : دخول " أن " في " إما " في هذه الآية لأنها في موضع الأمر بالاختيار ، وهي في موضع نصب كقولك : اختر ذا أو ذا ، كأنَّهُم قالوا : اختر أن تلقي أو نلقي ، وفي آية التَّوْبَةِ ليس فيها أمر بالتخيير ؛ ألا ترى أنَّ الأمر لا يَصْلُحُ هاهنا فلذلك لم يكن فيه " أن " وقال غيره : إنَّمَا أتى هنا بـ " أن " المصدرية قبل الفعل بخلاف قوله تعالى : { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ } [ التوبة : 106 ] . لأن " أن " وما بعدها هنا : إمّا مفعول به أو مبتدأ ، والمفعولُ به والمبتدأ لا يكونان فعلاً صريحاً ، بل لا بُدَّ أن ينضمَّ إليه حرفٌ مصدري يجعله في تأويل اسمٍ ، وأما آية التَّوبةِ فالفعلُ بعد " إمّا " خبر ثان لـ " آخرُونَ " ، وإمَّا صفة له ، والخبرُ والصِّفةُ يقعان جملة فعلية من غير حرف مصدري . وحذف مفعولُ الإلقَاءِ للعلم به والتقدير : إمَّا أن تُلْقي حبالَكَ وعِصِيَّك - لأنَّهُم كانوا يَعْتَقِدُونَ أن يفعل كفعلهم - أو نلقي حبالنا وعصِيَّنا .